أوردت تتقارير اعتزام الولايات المتحدة تزويد أوكرانيا بنظام “باتريوت” الدفاعي الجوي. وسيعرقل ذلك استراتيجية موسكو المتمثلة في الضغط على كييف للدخول في المفاوضات وفق شروطها من خلال تدمير البنية التحتية الحيوية في البلاد. لكن علامات الاستفهام المحيطة بتسليم المنظومة واحتياجات أوكرانيا للمعدات العسكرية الأخرى تعني أنها لن تعطي أيضًا أفضلية حاسمة لأوكرانيا.
وفي 13 ديسمبر/كانون الأول، ذكرت وسائل الإعلام الأمريكية أن واشنطن تستعد لتزويد أوكرانيا بمنظومة الدفاع الجوي “باتريوت”. ووفق التقارير، فإن المنظومة قد تصل إلى أوكرانيا في غضون أسابيع بمجرد أن تنتهي القوات الأوكرانية من التدريب على استخدامها في برنامج سريع في قاعدة عسكرية أمريكية في ألمانيا.
وهناك نماذج مختلفة من منظومة “باتريوت” بقدرات متباينة، ولكن يمكنها أن تضم ما يصل إلى 8 قاذفات يمكن لكل منها أن يحمل 4 صواريخ مع القدرة على ضرب أهداف بعيدة بما يصل إلى 99 ميلًا (حوالي 160 كيلومترًا)، اعتمادًا على النموذج.
تعهد محاط بالجدل والغموض
في 15 ديسمبر/كانون الأول، قالت “ماريا زاخاروفا” المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية إن “الولايات المتحدة أصبحت فعليًا طرفًا في الحرب” من خلال تزويد أوكرانيا بمنظومة “باتريوت”، وحذرت من أن هذه الخطوة “قد يترتب عليها عواقب خطيرة”.
ورد المتحدث باسم البنتاجون “بات رايدر” في وقت لاحق من ذلك اليوم بالإشارة إلى أن “الولايات المتحدة لن تسمح لموسكو أن تملي عليها الخطوط الحمر بشأن تقديم المساعدة الأمنية لأوكرانيا” ، مضيفًا أنه من المثير للسخرية أن تصف روسيا تقديم نظام “باتريوت” بأنه استفزازي في ظل الغزو الروسي لأوكرانيا والحملة الجوية الروسية التي تستهدف مناطق مدنية.
وبالرغم أنه لا يزال هناك الكثير من علامات الاستفهام التي تحيط بعملية التسليم، إلا أن نظام “باتريوت” قد يساعد في حماية المناطق المدنية في أوكرانيا من الغارات الجوية الروسية، مما يتيح لكييف تحويل مواردها إلى الخطوط الأمامية للحرب.
ولا يزال الغموض يلف المعلومات والتفاصيل الأساسية حول التسليم المحتمل الذي لم يتم الإعلان عنه رسميًا بعد، بما في ذلك نسخة نظام “باتريوت” التي ستحصل عليها أوكرانيا، وكذلك عدد القاذفات والذخيرة التي سيشملها التسليم (ونوع الذخيرة).
وستحدد هذه التفاصيل حجم الأرض التي تحميها المنظومة وبأي تكلفة. ومع ذلك، فإن قرار الولايات المتحدة تزويد أوكرانيا بنظام “باتريوت”؛ بخلاف الأنظمة الدفاعية الجوية التي كانت أوكرانيا تتلقاها بالفعل من الغرب، يشير إلى أن المنظومة ستركز على مدى أطول وستكون بمثابة مكون رئيسي في نظام الدفاع الجوي الأوكراني.
تداعيات نشر المنظومة
سيتيح استخدام “باتريوت” للدفاع عن المناطق المدنية الدفع بأنظمة “S-300” و “BUK-M1” التي كانت تمتلكها أوكرانيا قبل الحرب (والتي تعتبر قواتها أكثر دراية بها) لتصبح أقرب إلى الخطوط الأمامية للدفاع عن القوات البرية الأوكرانية في الشرق.
وشنت روسيا موجات من الهجمات الجوية ضد المناطق المدنية الأوكرانية والبنية التحتية الحيوية، وجددت المخاوف بشأن قدرة الدفاع الجوي لأوكرانيا وزادت من قيمة نشر منظومة مثل “باتريوت”.
وسيؤدي نشر المنظومة الدفاعية إلى تعقيد الحملة الجوية المستمرة لروسيا وسيجعلها أقل قدرة على إرغام كييف على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، لكن ذلك لا ينبئ بالمزيد من المكاسب الأوكرانية في ساحة المعركة العام المقبل أو بتصعيد كبير للحرب، على الرغم من التهديدات الروسية.
وكما رأينا بالفعل من تعليقات “زاخاروفا” الأخيرة، ستستخدم روسيا التهديدات لمحاولة إيقاف نشر “باتريوت” أو على الأقل حصر استخدامها في ساحة المعركة في أوكرانيا.
وستواصل موسكو الادعاء بأن نشر “باتريوت” يعد خطوة تصعدية تزيد من خطر الصراع المباشر بين الناتو وروسيا. ومن المحتمل تكليف مواطني دول الناتو المتطوعين في جيش أوكرانيا بدعم نشر “باتريوت”، وأشار المسؤولون الروس إلى أنهم سيستهدفون أولئك الذين يساعدون في تشغيل النظام.
لكن من غير المرجح أن يرد التحالف الأمني الذي يقوده الغرب بالقوة إذا قتل مواطنو دول الناتو في أوكرانيا أثناء دعم المنظومة بصفة خاصة، لأن هؤلاء الأفراد يساعدون الجيش الأوكراني كمتطوعين ولا يعملون تحت إشراف الناتو الرسمي. وفي الواقع، قُتل مثل هؤلاء المتطوعين بالفعل في أوكرانيا، ولم يؤد ذلك إلى تصعيد بين الناتو وروسيا.
علاوة على ذلك، لا تمنح المنظومة أوكرانيا القدرات التي تحتاجها لتأمين الأفضلية في ساحة المعركة واللازمة لاستعادة المزيد من أراضيها، مما سيتطلب من الغرب تزويد أوكرانيا بقدرات تمكنها من تنفيذ ضربات طويلة المدى لتدمير القدرات اللوجستية الروسية بعيدًا عن خلف الخط الأمامي.
وحتى مع ذلك، فإن المواقع الروسية التي يتم الدفاع عنها بشكل أفضل والاتهامات الأوكرانية الأخيرة بأن روسيا تستعد لهجوم جديد كبير في عام 2023 تعني أن ميزة القوات البشرية في روسيا ستستمر في الحد من قدرة كييف على استعادة الأراضي.
المصدر | ستراتفور – ترجمة وتحرير الخليج الجديد