أصبح التطبيع مع نظام الأسد يشكل هاجساً للرئيس رجب طيب اردوغان وأعضاء حكومته. فالمفاجأة فجرها وزير الخارجية التركي في شهر آب (أغسطس) الماضي بلقائه فيصل المقداد وزير خارجية النظام عرضا على هامش قمة حركة عدم الانحياز الذي انعقد في العاصمة الصربية بلغراد في شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2021. وتوالت التصريحات التي اعترفت بسلسلة لقاءات جمعت اللواء علي مملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني وحقان فيدان رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية التركي «MIT».
الخميس الماضي، وخلال عودة الرئيس اردوغان من مدينة تركمانباشي في تركمانستان بعد القمة الثلاثية الأولى بين تركيا وتركمانستان وأذربيجان، قال للصحافيين المرافقين له إنه عرض على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إجراء لقاء ثلاثي يجمع الزعيمين مع الأسد. وكشف للصحافيين ان بوتين قد «تلقى العرض بإيجابية، وبهذا الشكل نكون قد بدأنا بسلسلة اللقاءات».
ويأتي التصريح المباشر من اردوغان ليحسم اللغط والتبرير المتعلق بتفسير الناطق الرسمي باسم الرئاسة التركية أو تصريحات مولود جاويش أوغلو، ليؤكد ما نقلته وكالة «رويترز» عن أن الأسد يقاوم جهود الوساطة التي يقوم بها الكرملين لعقد القمة مع اردوغان. وجاء الإعلان الصريح من اردوغان بعد أن وجه رسالة سابقة حول التطبيع مع النظام السوري حين قال الأسبوع الماضي «لا خلاف أبديا في السياسة» وأنه يمكن أن يلتقي بشار الأسد.
من جهة أخرى، رحب نائب وزير الخارجية الروسية، ميخائيل بوغدانوف، الجمعة، بتصريحات الرئيس اردوغان وقال إن موسكو «تنظر بإيجابية كبيرة بشأن فكرة الرئيس التركي عقد اجتماع لقادة تركيا وسوريا وروسيا» حسب وكالة «سبوتنيك» التي نقلت عن بوغدانوف قوله: «نجري الآن اتصالات مع الأصدقاء السوريين بشأن هذه الفكرة».
وكان مبعوث الرئيس بوتين الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، قال مطلع كانون الأول (ديسمبر) الجاري: «سنكون شهودا على تقارب سوري تركي قريب» موضحا أن «موسكو تتلقى إشارات من أنقرة ودمشق حول الاستعداد لاتخاذ خطوات تجاه بعضهما البعض». وربط الدبلوماسي الروسي بشكل غير مباشر بين العملية العسكرية والتطبيع بين الجانبين وقال إن «إجراء مثل هذه العمليات العسكرية لا تأتي بنتائج وإنما تشجع الإرهاب».
من جهة أخرى، كشف المحلل السياسي في صحيفة «حرييت» التركية المقربة من حزب العدالة والتنمية، عبد القادر سلفي في وقت متأخر من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي أن لقاء الأسد باردوغان من المتوقع أن يحدث قبل الانتخابات الرئاسية التركية، وجاء كلام كاتب العمود المعروف بالصحيفة بعد اجتماع للكتلة النيابية لحزب «العدالة والتنمية» ترأسه اردوغان وحضره الكاتب.
ونفى سلفي أن تكون المراسلات تجري عبر إيران وروسيا، مؤكدا أن المفاوضات مع النظام السوري صعدت إلى مستوى فوق أجهزة المخابرات، وهو ما يعني أنها دخلت في مرحلة الاجتماعات الدبلوماسية.
ويرى الكثيرون أن اردوغان يسعى لكسب الورقة السورية لصالحه أو على الأقل سحبها من يد المعارضة حيث يعتبر الكثير من المراقبين انها ستكون حاسمة في الانتخابات التركية الصيف المقبل. حيث أكد رئيس حزب الشعب الجمهوري، كلشدار أوغلو أن «أول ما سنفعله عندما نصل إلى السلطة هو التفاوض مع الإدارة الشرعية لسوريا. إذا كنت ذاهبا لحل مشكلة ما، عليك التحدث إلى الشخص الذي يتعامل مع المشكلة».
ويحظى اردوغان بدعم من زعيم الحركة القومية، دولت باهتشيلي بالتقارب مع نظام الأسد وأشار في غير مرة إلى ضرورة بدء اجتماع «رفيع المستوى» بين أنقرة ودمشق، بهدف التعاون ضد التنظيمات الإرهابية، داعيا قنوات الحوار بين الطرفين إلى الاستمرار على «مستوى عال».
في المقابل، حذر المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا جيمس جيفري، الذي زار أنقرة مطلع الشهر الجاري، تركيا من أنها «لن تحصل على شيء في حال التقت بالنظام السوري». وأشار جيفري إلى أن «تركيا دولة ذات سيادة، تتخذ قراراتها العسكرية والدبلوماسية لضمان السلام والأمن والرفاهية للبلاد، بما في ذلك قرارها الحوار مع بشار الأسد، لكن كل الذين التقوا بالأسد في الماضي لم يحصلوا على شيء من هذه اللقاءات».
وذكر المبعوث الأمريكي بلقاء الإمارات العربية المتحدة حين أرسلت وفدا للقاء نظام الأسد في دمشق قبل أربع سنوات، أنهم لم يحصلوا على شيء منه، وهو حال كل الوفود التي التقت بالأسد وأجرت معه مفاوضات لم تحصل على أي شيء. وفي السياق يعاني الأردن الذي حاول تحسين العلاقات من مشكلة تصدير المخدرات إليه عبر الحدود الشمالية التي باتت يسيطر عليها حزب الله اللبناني.
في الميدان، استهدف القصف التركي آبار النفط في محافظة الحسكة لأول مرة منذ بدء التدخل العسكري التركي في سوريا عام 2016 ويبدو أن أنقرة تريد حرمان قوات سوريا الديمقراطية «قسد» من عائدات النفط التي تدعم سيطرتها في شمال شرق سوريا. وكان اردوغان قد استنكر خلال تصريحاته للصحافيين المرافقين على متن الطائرة الرئاسية حماية «التحالف الدولي لمحاربة داعش» لاستثمار «قسد» في النفط قائلا إن «التنظيم الإرهابي يبيع النفط للنظام السوري. لقد صبرنا حتى الآن. لكن صبرنا نفد». ويحاول اردوغان ارسال رسالة للنظام بأهمية التعاون معه من أجل استعادة النفط السوري.
إلى ذلك، قصف الجيش التركي المتمركز في مناطق المعارضة شمال محافظة الرقة مقرات وتمركزات تابعة لـ «قسد» في قرية صيدا بمحيط عين عيسى شمالي الرقة كما استهدفت المدفعية التركية قرية تل اللبن بمحيط تل تمر شمال الحسكة خلال الأيام الماضية.
وفي الإطار، قصفت مدفعية الجيش التركي المتمركزة مقرات «قسد» في محيط تل رفعت بريف حلب الشمالي انطلاقا من معسكراتها في محيط اعزاز الحدودية مع تركيا.
وانتقد اردوغان ارسال أمريكا بين 4 إلى 5 آلاف شاحنة محملة بالأسلحة إلى شمال سوريا دعما لقوات سوريا الديمقراطية «قسد» التي وصفها بالتنظيم الإرهابي، واصفا أمريكا بانها لا تكترث، ولذلك «سنقتلع شوكنا بأيدينا». لافتا أنه أبلغ الجانب الأمريكي بأن تركيا دولة حليفة لها ضمن حلف شمال الأطلسي «ناتو» ومع ذلك فإن واشنطن ترتكب هذا الخطأ بحقها وتقف إلى جانب «التنظيم الإرهابي».
ويأتي التوجه التركي الأخير ليعزز التقارب مع روسيا مقابل الشراكة مع واشنطن، حيث تكسب أنقرة اقتصاديا من التقارب مع روسيا من خلال لعب دور الوسيط في نقل الحبوب عبر البحر الأسود، إضافة إلى رغبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أن تكون تركيا بوابة نقل الغاز الروسي إلى أوروبا، بعد توقف نقل الغاز عبر أوكرانيا أو عبر خط نورد ستريم 2 الذي يمر ببحر البلطيق، حيث تجني أنقرة مكاسب اقتصادية متعددة بسبب ذلك ومن المتوقع ان تستمر بالحصول على عائدات، خصوصا في حال استمرار حرب بوتين في أوكرانيا ومخاطر توسعها في عدد من دول أوروبا الغربية.
في مقابل الانقلاب التركي من الموقف من النظام، يبدو أن الأسد غير مستعجل لعقد لقاء مع اردوغان، حيث يشترط النظام السوري الإقرار بجدول لانسحاب القوات التركية من شمال سوريا، تكون روسيا الضامن فيه إلى جانب إيران. وتنقل مصادر متقاطعة لـ «القدس العربي» من دمشق أن «القيادة السياسية والأمنية تراهن على خسارة اردوغان للانتخابات وهي غير مستعدة مطلقا لإهدائه فوزا».
بدوره يدرك النظام السوري أهمية أن تبقى وحدات «حماية الشعب» الكردية ورقة ضغط بوجه تركيا، فهي غير مستعدة للتخلي عنها أو الشراكة مع أنقرة للخلاص منها كما يطرح الجانب التركي. ويفضل النظام ان تقدم الوحدات الكردية تنازلات مع الوقت، كما أن الوجود الأمريكي في شرق سوريا لا يسمح بتغيير كبير في المعادلات السياسية هناك.
المصدر: القدس العربي