لا يكاد يمر يوم دون تسجيل عمليات ترحيل لشبان سوريين من تركيا نحو الأراضي السورية شمالي البلاد، عبر المنافذ الحدودية، وأبرزها معابر باب الهوى بريف إدلب الشمالي، وباب السلامة شمالي حلب، وتل أبيض في الريف الشمالي لمحافظة الرقة.
وبدأت عمليات الترحيل من تركيا إلى الشمال السوري تأخذ منحى تصاعدي منذ بداية العام الحالي، وارتفعت وتيرتها بعد منتصف العام، وتحديداً في شهريّ آب وأيلول، وطالت الآلاف من السوريين الذين وجدوا أنفسهم فجأة خارج الأراضي التركية، بالرغم من أنهم يحملون وثائق حماية مؤقتة (كملك) نظامية وأذونات سفر، ما يعني عدم وجود أي مخالفة قانونية.
عدد السوريين المرحّلين من تركيا خلال عام 2022
ترّحل السلطات التركية السوريين إلى بلادهم بعد إلقاء القبض عليهم في مختلف الولايات التركية، وإجبارهم على توقيع أوراق خاصة بالعودة “الطوعية”، وتتم عمليات الترحيل بشكل أساسي من خلال معابر باب الهوى، وباب السلامة، وتل أبيض.
وتنشر هذه المعابر إحصائيات بشكل شهري عن عدد العائدين والمرحلين من تركيا، ووفقاً لما رصد موقع تلفزيون سوريا فقد بلغ عدد السوريين الذين تم ترحيلهم من تركيا إلى سوريا عبر معبر باب الهوى فقط 17340 شخصاً، وذلك منذ بداية العام الحالي حتى نهاية شهر تشرين الثاني الماضي.
أما معبر باب السلامة، تتضمن إحصائياته الشهرية عدد العائدين من تركيا طوعياً وقسرياً معاً، دون تحديد العدد الدقيق لكل فئة، وبلغ عدد العائدين حتى نهاية شهر تشرين الثاني الماضي، 16092 شخصاً.
ووفقاً لمصادر مطلعة، فإن السلطات التركية طلبت من إدارة المعابر التي تديرها الحكومة السورية المؤقتة، مثل باب السلامة، وتل أبيض، عدم ذكر مسمى “الترحيل” أو العائدين قسرياً، ضمن الإحصائيات الشهرية، والاستعاضة عن ذلك، بوصف “العودة الطوعية”.
بدوره قال مصدر مطلع على سير العمل في معبر باب السلامة، إن 50 بالمئة من عدد الأشخاص المذكورين ضمن إحصائيات العائدين من تركيا، هم ممن أجبروا على توقيع أوراق العودة الطوعية، وفي الواقع هم مرحّلون قسرياً.
وبالنسبة لعدد العائدين عبر معبر تل أبيض الواقع في منطقة عملية “نبع السلام” شمال شرقي سوريا، فقد بلغ خلال 9 أشهر من العام الجاري، 10297 شخصاً، منهم 65 بالمئة تقريباً ممن تم ترحيلهم قسراً.
عمليات ترحيل يومية
باتت عمليات الترحيل من تركيا إلى سوريا عن طريق معبر باب السلامة شمالي حلب وغيرها من المعابر أمراً اعتيادياً، دون أن يشهد ذلك أية ردة فعل من المؤسسات التي تمثل السوريين في تركيا، مثل الحكومة المؤقتة أو الائتلاف الوطني السوري.
مصادر محلية قالت لموقع تلفزيون سوريا إن الحافلات التي تقلّ المرحلين من تركيا، تصل كل يومين أو ثلاثة إلى معبر باب السلامة، وينتهي المطاف بالأشخاص المرحلين في كراج بلدة سجو شمال مدينة اعزاز.
وأضافت المصادر أن الأشخاص يعانون من صعوبات كبيرة في إيجاد مأوى لهم، خاصة أن معظمهم ليس لديهم أقارب أو معارف في المنطقة، الأمر الذي يدفع بعضهم للتوجه فيما بعد نحو مناطق سيطرة النظام السوري أو “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
من جهته قال مصدر محلي في منطقة تل أبيض بريف الرقة الشمالي لموقع تلفزيون سوريا، إن عدد المرحلين من تركيا إلى مدينة تل أبيض يبلغ نحو 20 إلى 25 شخصاً بشكل يومي، وسط تعتيم إعلامي.
ولفت المصدر إلى أن عمليات الترحيل لا تقتصر على الشبان، بل تشمل النساء والأطفال، وفي بعض الأحيان تتضمن حافلات المرحلين أطباء أو معلمين، مؤكداً أن أطفالاً بعمر 11 عاماً تم ترحيلهم دون أن يكون برفقتهم أياً من أقاربهم.
وأضاف أن “بعض السوريين المنحدرين من محافظات دمشق وإدلب وحلب يتم ترحيلهم إلى منطقة نبع السلام، وهذا ما يشكّل أزمة مضاعفة بالنسبة لهم، فترحيلهم إلى إدلب أو حلب سيكون أقل سوءاً، وفي الوقت نفسه، يتم ترحيل سوريين ينحدرون من الرقة أو الحسكة ودير الزور، إلى إدلب وحلب عبر باب الهوى وباب السلامة”.
وأشار المصدر إلى أن نسبة ضئيلة من المرحلين تفضّل البقاء في منطقة نبع السلام، فمنهم من يتجه نحو مناطق سيطرة النظام وقسد، ومنهم من يسعى للعودة إلى الأراضي التركية عبر طرق التهريب.
عودة قسرية تتعارض مع المعاهدات والقانون الدولي
وفي شهر تشرين الأول الماضي، ذكرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن السلطات التركية رحلت بشكل تعسفي مئات الرجال والفتيان السوريين اللاجئين إلى سوريا في عام 2022، وهذا يمثّل “نقيضاً صارخاً لسجل تركيا السخي كدولة استضافت عدداً من اللاجئين أكثر من أي دولة أخرى في العالم وقرابة أربعة أضعاف ما استضافه الاتحاد الأوروبي بكامله، والذي قدم مقابله الاتحاد الأوروبي مليارات الدولارات لتمويل الدعم الإنساني وإدارة الهجرة”.
وقالت المنظمة إن “تركيا مُلزمة بموجب المعاهدات والقانون الدولي العرفي باحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يحظر إعادة أي شخص إلى مكان قد يواجه فيه خطراً حقيقياً بالاضطهاد أو التعذيب أو غيره مثل سوء المعاملة أو تهديد الحياة”.
وطالبت المنظمة تركيا ألا تُجبر الناس على العودة إلى الأماكن التي يواجهون فيها أضراراً جسيمة، ودعت إلى حماية الحقوق الأساسية لجميع السوريين، بغض النظر عن مكان تسجيلهم، وألا تُرحّل اللاجئين الذين يعيشون ويعملون في مدينة غير تلك التي سُجّلت فيها هوياتهم وعناوين الحماية المؤقتة.
وأوصت المنظمة الحقوقية الحكومة التركية بإنهاء عمليات الاعتقال والاحتجاز والترحيل التعسفية للاجئين السوريين إلى شمالي سوريا، وضمان عدم استخدام القوى الأمنية ومسؤولي الهجرة العنف ضد السوريين أو غيرهم من المواطنين الأجانب المحتجزين، ومحاسبة أي مسؤول يستخدم العنف.
وطالبت بالتحقيق بشكل مستقل في الإجراءات الرامية إلى فرض أو خداع أو تزوير توقيع أو بصمات المهاجرين على استمارات “العودة الطوعية”، والسماح لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالوصول بحرية إلى مراكز الترحيل، ومراقبة عملية الحصول على إذن من السوريين بإعادتهم إلى سوريا للتأكد من أنها طوعية، ومراقبة المقابلات وإجراءات الترحيل لضمان عدم استخدام مسؤولي الشرطة أو الهجرة للعنف ضد السوريين أو غيرهم من المواطنين الأجانب.
تركيا تنفي ترحيلها للسوريين قسراً
من جانبها نفت رئاسة الهجرة التركية ما نشرته منظمة “هيومن رايتس ووتش” حول اعتقال واحتجاز وترحيل مئات اللاجئين السوريين إلى سوريا تعسفياً خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث قالت إن ما ورد في تقرير المنظمة من ادعاءات بأن “السلطات التركية اعتقلت واحتجزت تعسفياً ورحّلت مئات الرجال والفتيان السوريين اللاجئين إلى سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية”، عارٍ عن الصحة.
وأفادت بأن مزاعم إجبار السوريين على الخروج غير القانوني لا تعكس الحقيقة، مضيفة أنه في إجراءات العودة الطوعية يوقع السوريون على استمارات العودة الطوعية بحضور شاهد، ويوجَّه الأجانب إلى البوابات الحدودية التي يريدون الخروج منها.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا