سكان دمشق «يرقصون» برداً… والحكومة عاجزة عن توفير وسائل التدفئة

الشكوى من البرد وانعدام وسائل التدفئة هي حال غالبية سكان العاصمة السورية هذه الأيام، مع حلول أول موجة برد قارس على دمشق ومحيطها، وسط تواصل عجز الحكومة عن توفير الوقود والكهرباء، بسبب أزمة محروقات شديدة تعصف بالبلاد.

ومنذ يوم الخميس الماضي، تعيش دمشق والمناطق المحيطة بها تحت وطأة موجة صقيع شديد البرودة، حيث خلت الشوارع من المارة إلى حد كبير، باستثناء مَن اضطر للخروج من بيته لقضاء حاجة طارئة.

في أحد شوارع دمشق الغربية، كان رجل في الخمسينات تقريباً من العمر يسير مرتدياً معطفاً طويلاً، وقبعة تحمي رأسه، ووشاحاً حول رقبته، ويضع يديه في جيوب المعطف، إلا أن ارتجاف ساعديه وقدميه وحتى كتفيه من البرد كان واضحاً خلال سيره، وكاد يسقط أرضاً من شدة الارتجاف أثناء محاولته نقل قدمه من الطريق إلى الرصيف.

قال الرجل لـ«الشرق الأوسط»: «الدنيا زنطاري (الطقس شديد البرودة بالعامية السورية)، وما زلنا بعد في بداية الشتاء! فكيف ستكون أيام عز فصل الشتاء في ظل عدم وجود (مازوت) ولا غاز ولا حتى كهرباء للتدفئة؟». وأضاف: «الأيام المقبلة حتماً سيكون فيها البرد أشد، ومعاناة الناس كبيرة جداً».

لفت الرجل إلى أن عدم وجود خبز في المنزل يأكله الأولاد أجبره على الخروج، رغم البرد الشديد. أكد أن أفراد عائلته يقضون الوقت في المنزل، وهم يعانون البرد، حتى إن بعضهم بات لا يقدر على التحدث بشكل صحيح، بسبب «تراقصه» من شدة البرد.

وتعاني مناطق سيطرة النظام منذ أكثر من أسبوع من أزمة كبيرة في توافر المحروقات تُعد الأشد منذ فرض الولايات المتحدة ودول غربية أخرى عقوبات اقتصادية ضد حكومة الرئيس بشار الأسد، خلال سنوات الحرب، أبرزها «قانون قيصر» الأميركي. ووصل سعر اللتر الواحد من البنزين في السوق السوداء إلى 20 ألف ليرة سورية (الدولار يبلغ قرابة 5900 ليرة سورية)، بعدما كان قبل الأزمة الحالية يباع بما بين 6 و8 آلاف، علماً بأن السعر الحكومي للتر المدعوم في محطات الوقود يبلغ 2500 ليرة، وغير المدعوم 4 آلاف ليرة، فيما سعر «أوكتان 95» يبلغ 4500 ليرة. كما وصل سعر اللتر الواحد من المازوت في السوق السوداء ما بين 12 و15 ألف ليرة سورية، بعدما كان قبل الأزمة الحالية يباع بما بين 5 و6 آلاف. في المقابل، يبلغ السعر الحكومي للتر مازوت التدفئة المدعوم 500 ليرة، وغير المدعوم 2500 ليرة.

وتسببت الأزمة الحالية في حالة شلل شبه تام في الطرقات وعدد من المؤسسات الحكومية، وارتفاع كبير في أجور النقل والمواصلات وفترات انقطاع طويلة في التيار الكهربائي تصل إلى 12 ساعة مقابل ساعة تأمين واحدة، فيما ضرب الركود معظم الأسواق، إضافة إلى تسجيل موجة ارتفاع جديدة في أسعار معظم المواد الأساسية والغذائية والخضراوات.

وقالت سيدة دمشقية لـ«الشرق الأوسط» إنها حصلت على كمية تبلغ 50 لتراً من مازوت التدفئة بالسعر الحكومي عبر «البطاقة الذكية»، مضيفة أن برودة الجو تتطلب تشغيل مدفأة المازوت «لكنني لن أستخدمها حالياً. سأخبئها للأيام المقبلة من فصل الشتاء، لأنها قد تكون قاسية للغاية».

أشارت السيدة إلى أن أفراد عائلتها ولمواجهة البرد «يرتدي الواحد منهم مزيداً من الثياب، ويلفون أنفسهم بالحرامات، ورغم ذلك يرتجفون طوال الوقت، ولكن لا يوجد حل إلا أن توفر الحكومة الوقود للناس، ولكنها عاجزة، ولا نأخذ منها إلا الكلام ورفع الأسعار التي أثقلت كاهل الناس».

فؤاد، وهو اسم مستعار لموظف حكومي، أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يحصل حتى الآن على الدفعة الأولى من مازوت التدفئة (50 لتراً)، وحتى لو حصل عليها «فلن تشعر العائلة بالدفء… فنحن لا نمتلك مدفأة مازوت قديمة، ولا نستطيع شراء واحدة جديدة بسبب ارتفاع ثمنها». وأضاف: «حتى لو اشتريت مدفأة جديدة؛ فكم يوماً ستكفي كمية الـ50 لتراً؟ 10 أيام، 15 يوماً، 20 يوماً؟ بقية أيام الشتاء ستكون مريرة، لأننا سنقضيها بالبرد».

ولا يتجاوز مرتب الموظف الحكومي في سوريا 150 ألف ليرة شهرياً، بينما تبدأ أسعار مدافئ المازوت «العادية» من الحجم الصغير من 45 ألف ليرة، وصولاً إلى 70 ألفاً، في حين أن المتوسطة تبدأ من 90 ألفاً، وصولاً إلى 500 ألف ليرة.

المصدر: الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى