رجال دين عارضوا الخميني ورفضوا “جمهورية الوليّ الفقيه”.. (1)

محمّد حمّود

 … مِمّا لا شك فيه، أنه كان لرجال الدين والفقهاء الإيرانيين الذين كانوا يعيشون في الداخل الإيراني، خلال تواجد الإمام آية الله الخميني في العاصمة العراقية بغداد، ولاحقًا في فرنسا، الدور الأبرز في قيادة “الثورة” الشعبية على نظام الشاه محمد رضى بهلوي، وإنتصارها في شباط من العام 1979، وعودة الخميني الى البلاد. وكان لهؤلاء عظيم الأثر في تأسيس ما يُسمّى “الجمهورية الإسلامية” في إيران.
وبعد عودة الخميني الى البلاد، متسلّحًا بـ”نصر مؤزّر” على نظام الشاه، أسهم في إنجازه تجاهل أميركا التي كانت أبرز أصدقاء الشاه في العالم الغربي والأوروبي، كلّ ما حصل ويحصل في إيران، دعا الإيرانيين الى المشاركة في “استفتاء” عام، لتقرير مصير النظام وتحديد هويته السياسية، وذلك في أواخر 1979، وجاءت نتيجة الإستفتاء وفق طريقة غالبية الأنظمة الديكتاتورية في العربية والعالم الثالث، كما أرادها الداعي له، زاعمة أن 98% من الشعب الإيراني الذين شاركوا في الاستفتاء، قالوا كلمتهم الفصل، مؤيّدين قيام “دولة ولاية الفقيه”، التي حملت رسميًا إسم “الجمهورية الإسلامية في إيران”، على الرغم من أن عددًا كبيرًا من رجال الدين وقيادات “الثورة” في الميادين الإيرانية، رفضوا قيام “جمهورية إسلامية” بقيادة الوليّ الفقيه، واستنكفوا عن المشاركة في الاستفتاء المزعوم، ودعوا الى مقاطعته.
من هؤلاء المعارضين لإنشاء “جمهورية إسلامية/ ولاية الفقيه” في إيران، آية الله محمد كاظم شريعتمداري، المولود في العام 1905 في مدينة تبريز، والراحل في الثالث من نيسان 1986، والذي كان من أبرز المراجع الدينية الشيعة في إيران، والذي كان من أبرز قيادات الإنتفاضة ضدّ شاه إيران، وهم كثر. وعُرف عن شريعتمداري، أنه أنقذ الخميني من الإعدام، عقب إعتقال الأخير من قبل السلطات الأمنية الإيرانية، وإدانته في التحريض على الإحتجاجات ضدّ نظام الشاه، فيما عُرف بـ”إنتفاضة خرداد”، في العام 1963، التي إنطلقت في عدة مناطق ومدن من البلاد، عقب إلقاء الخميني، الذي لم يكن مُجتهدًا فقيهًا، خطابًا هاجم فيه أميركا والكيان الصهيوني، الأمر الذي أدّى الى إعتقاله وسجنه.

ولمّا كان النظام الإيراني في عهد الشاه، يمنع محاكمة الفقهاء والمراجع الدينية، أرسل آية الله شريعتمداري، خطابًا الى السلطات الأمنية في البلاد، “زاعمًا” أن الخميني مجتهدًا وفقيهًا، على الرغم من إعتراض الكثيرين من رفاقه الفقهاء ورجال الدين الإيرانيين، على هذه “البدعة” غير المسبوقة في تاريخ المرجعيات الشيعية في إيران، الأمر الذي منع تنفيذ حكم الإعدام الذي كان بانتظار الخميني، وحصل الإفراج عنه، وتمّ نفيه الى خارج البلاد، فغادر الخميني الى تركيا، في العام 1964 م، بعد دهم منزله في قمّ، واعتقاله مجددًا، فتمّ نقله مخفورًا بصحبة رجال الأمن والشرطة، الى مطار “مهر آباد” الدولي، حيث نقلته طائرة عسكرية الى العاصمة التركية، أنقرة، وأقام في “فندق بولوار بالاس”، وفي اليوم التالي، تمّ نقله الى شارع أتاتورك. قبل ترحيله الى الى مدينة “بورصا” التركية.

وفي الخامس من تشرين الاول عام 1965 م. غادر الخميني “بورصا”، متوجهًا برفقة إبنه مصطفى الخميني الى منفاه الجديد في العراق، وفور وصوله الى العاصمة العراقية بغداد، زار مراقد الأئمة في الكاظمية وسامراء وكربلاء، قبل إنتقاله بعد أسبوع الى مقرّ إقامته في مدينة النجف الأشرف، حيث استقر هناك الى حين مغادرته الى فرنسا. (لاحقًا، سنشر مقتطفات عن حياة الإمام الخميني من المهد الى اللحد).
نعود الى آية الله شريعتمداري، الذي خالف الخميني، وعارضه بشدّة بعد إنتصار “الثورة”، وانتقد الكثير من البنود التي نصّ عليها “دستور الولي الفقيه/ الخميني” الجديد للبلاد، وعلى الرغم من مشاركته في الاستفتاء العام في البلاد، إلّا أنه لم يؤيّد إقامة نظام “الجمهورية الإسلامية وولاية الفقيه” في إيران، ونفى في بيان “ما زعمه تلفزيون النظام الجديد، وقوله أن شريعتمداري وغيره من رفاقه الفقهاء الإيرانيين أيّدوا قيام الجمهورية الجديدية بقيادة الخميني.
وفي شهر كانون الاول من العام 1979، هاجم مسلّحون من ميليشيا النظام منزل شريعتمداري في قمّ، الأمر الذي أثار غضب رجاله ومؤيّديه في مدينة تبريز، فحشدوا جماهيرهم في شوارع المدينة، واحتلوا عدد من المباني التابعة للسلطة الجديدة، ومنها مبنى الإذاعة والتلفزيون، وبعد وقت لاحق وإتصالات مع شريعتمداري، تمّ إخلاء المبنى، وتمّ تسليمه الى عناصر “ميليشيا الحرس الثوري”، الذي أعدم لاحقًا أكثر من 12 شخصًا من مؤيّدي شريعتمداري، الذين شاركوا في إقتحام مقر التلفزيون والإذاعة وإحتلاله، وفق إدعاءات مدّعي عام الثورة حسين موسوي تبريزي.
وفي العام 1982، إتّهمت سلطات الخميني، شريعتمداري، بالتآمر على السلطة، وسعيه الى الى الإنقلاب على الخميني، بالتنسيق والتعاون مع وزير الخارجية في حكومة بازركان صادق قطب زادة، الذي كان مستشارًا للخميني، ومترجمه الخاص في منفاه الباريسي، والذي اُعدم لاحقًا رميا بالرصاص في أيلول العام 1982 م.

أمّا بالنسبة لشريعتداري، فقد اتهمته السلطات الأمنية التابعة للولي الفقيه، بمحاولة إغتيال قيادات في “ثورة الخميني”، الأمر الذي يكلّفه حياته، ولكن الخميني، رفض محاكمته، وفرض عليه الإقامة الجبرية في منزله، ومنعه من التدريس في الحوزة الدينية، كما تمّ التعرّض له جَسديًا بالضرب والإهانات من قبل عناصر ميليشيات “الثورة”، الذين أحرقوا مكتبته الخاصة، التي تعتبر كنزًا علميًا وفقهيًا لا يتكرر، ومنعوا علاجه في المستشفى عقب مرضه، قبل أن يتمّ نقله الى إحدى المستشفيات بعد تردّي وضعه الصحّي، بعد تيقّن سلطات الخميني الأمنية، بأنه لن يخرج منها على قيد الحياة، وذلك قبل شهر وبضعة أيام من وفاته في نيسان 1986، جرّاء معاناته من مرض السرطان. وبعد وفاته دُفن شريعتمداري سرًا من قبل السلطات الأمنية التابعة لـ”الحرس الثوري” في الليل، في مقبرة مهجورة، لا تزال مجهولة الإسم والمكان حتى كتابة هذه الكلمات.
ونُقل عن الخميني، قوله عندما علم بمرض شريعتمداري منذ العام 1983: “يجب أن يظل محبوسًا في منزله حتى يموت، ويتعفّن مع مرضه”.

المصدر: المدار نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى