منذ أكثر من شهرين تتواصل إحتجاجات الإيرانيين بوتائر متقطعة وبأحجام تتسع وتضمر. ويجمع الخبراء الروس بالشؤون الإيرانية أن الإحتجاجات لم تبلغ بعد مستوى التهديد لنظام الملالي، وإن كانت تختلف عن سابقاتها برفع شعار إسقاط النظام الذي يكاد يكون شعارها الوحيد.
المجلس الروسي للعلاقات الدولية RIAC نشر في 28 المنصرم نصاً بعنوان ” بداية عبور، أو إيران لن تكون هي نفسها” لأحد الخبراء في الشأن الإيراني. يرى الكاتب أن نظام التفاعل المزمن بين السلطة والمجتمع قد تعطل في إيران. الجمهورية الإسلامية تعيش أزمة شرعية، فالمحتجون لا يطالبون بأي تغييرات سوى تفكيك النظام الحالي. النخبة المحافظة، إذ ربحت في السنوات الأخيرة الصراع الداخلي من أجل السلطة، خلال شهرين من الإحتجاجات هي في حيرة من أمرها لا تحسم قرارها لا بالإصلاحات ولا بالقمع الحاسم. خلال هذا الوقت غيّر الإحتجاج شكله، وأصبح أكثر عدوانية، والمشاركون فيه إنتقلوا إلى تشكيل هيئات تنظيمية محلية.
ويرى الكاتب أن الإحتجاجات في إيران أصبحت غير مسبوقة في تاريخ البلاد، من حيث المدة والجغرافيا وإنخراط الشرائح الإجتماعية فيها. الشعارات ضد الجمهورية الإسلامية والمرشد الأعلى كانت ترفع في الإحتجاجات السلبقة، لكنها لم تكن الدافع الرئيسي لها، بل كان الدافع إقتصادياً أو سياسياً ضيقاً، مثل إعادة فرز الأصوات في العام 2009.
ويقول بأن الوضع الراهن نتيجة عوامل متعددة. في الطليعة منها الأزمة الإقتصادية الطويلة نتيجة العقوبات والفعالية الضعيفة للموديل الإقتصادي الذي تقترحه السلطة. “إقتصاد المقاومة” الذي يتمسك به الملالي يتيح للبلاد الصمود في ظل الضغط المالي للغرب. لكن الأمر أعقد بكثير بالنسبة لتطوير الاقتصاد، فالناتج الوطني الإجمالي لإيران اليوم هو على مستوى العام 2011. وإذا إحتسبنا هذا الناتج للفرد من السكان، يتبين أن هذا المؤشر على مستوى العام 2005.
العامل الآخر وراء الوضع الناشئ في إيران يراه الكاتب في سقوط نظام التفاعل بين الدولة والمجتمع، والذي كان يتصارع فيه الإصلاحيون والمحافظون على السلطة في إنتخابات تنافسية. وأدى إلى ذلك سقوط “المشروع الإصلاحي” في تحسين العلاقات مع الغرب بسبب خروج الولايات المتحدة في ظل ترامب من الصفقة النووية. المحافظون لم يروا تهديداً في هذا الفشل الإصلاحي، بل فرصة لتصفية الحساب مع المنافسين السياسيين. وبالنتيجة تم تدمير الجناح الإصلاحي بالفعل، من دون أن يتم تقديم البديل للسكان. والإنتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة العام الماضي تميزت بالغياب الفعلي لمرشحين من “البديل”، حيث تم إستبعادهم. وبالنتيجة إنتصر المحافظون في تلك الإنتخابات، إلا أنهم أبعدوا عملياً قسماً كبيراً من السكان الذي لم يشارك فيها فعلياً.
أساليب قمع الإحتجاجات التي لجأت إليها السلطة في السابقة منها، لم تثبت فعاليتها في الراهنة. فالإحتجاجات ليس فقط لم تتوقف، بل تعاظمت، خاصة في 26 تشرين الأول/أوكتوبر المنصرم، يوم أربعين إستشهاد مهسا أميني.
يستعرض الكاتب مشاركة الشباب النشطة في الإحتجاجات، ويتحدث عن مميزات هذا الجيل في عصر الإنترنت بالمقارنة مع الأجيال الأخرى، ويستعرض تطور ردة فعل السلطات على توسع الإحتجاجات. وينتهي إلى القول بأن السيناريو الأكثر إحتمالاً في إيران، هو تحولها إلى منطقة أزمة دائمة في النظام السياسي. ومن المحتمل أن تفقد السلطة جزئياً سيطرتها على مناطق في البلاد، خاصة الحدودية منها مع العراق وباكستان وأفغانستان. وفي مطلق الأحوال، تطلق أحداث الخريف منطقة عبور صعبة في إيران، والتي ستفضي في المستقبل البعيد إلى تبدلات مهمة في الدولة.
الأسبوعية الأوكرانية ZN نشرت أواخر أيلول/سبتمبر الماضي نصً بعنوان “الإحتجاجات في إيران: ماذا يجري، وهل يسقط النظام”, يقول كاتب النص أن الإحتجاجات التي إندلعت إثر مقتل ماهسا أميني، أجبرت العالم على الإلتفات مجدداً إلى البلد الذي يتربع على السلطة فيه نظام تيوقراطي شيعي. وبالنسبة لأوكرانيا، وبعد تأكد مبيع موسكو المسيرات الإيرانية، أصبح هذا البلد فجأة بلداً قاتلاً. ويرى الكاتب أن السؤال الرئيسي المطروح الآن: هل ستصبح هذه الاحتجاجات في طليعة التغييرات الدراماتيكية في البلاد، وهل ستؤدي إلى سقوط النظام الأصولي؟
يقول الكاتب أن السلطة في إيران الآن هي بيد مجموعة محافظة متطرفة من الطبقة السياسية الإيرانية، وهي مرتبطة مباشرة بالحرس الثوري الذي يشكل عملياً دولة داخل الدولة. ولكي يفهم القارئ من تواجه الإحتجاجات، الحرس الثوري يمكن مقارنته بقوات وزارة الداخلية الستالينة، معززاً بالطيران والدبابات والقوت البحرية. وداخل الحرس الثوري يوجد فيلق “القدس، الذي يؤمن توسع إيران الخارجي في بلدان الشرق الأوسط. ويضم الحرس الثوري أيضاً ما يسمى بالباسيج ـــــ الميليشيا الشعبية التي تضم حوالي 10 ملايين رجل، ومعها بالذات تصطدم الإحتجاجات في المدن الإيرانية. إضافة إلى كل ذلك ثمة أيضاً بوليس الأخلاق المسؤول عن مقتل الشابة الذي أطلق الإحتجاجات. وعلى قمة كل هذه التشكيلات يقف المرشد الأعلى ومن حولة الطبقة السياسية الإيرانية، والتي تشعر بالإطمئنان إلى قدرتها على قمع الإحتجاجات في أي لحظة تعتبرها مناسبة.
الطبعة الإسرائيلية من موقع NEWSru الروسي نشر في 15 المنصرم مقابلة مع خبير إسرئيلي بالشؤون الإيرانية. يقول الخبير أن الإحتجاجات الحالية أحد أهم الأحداث السياسية في إيران منذ الثورة الإسلامية، على الرغم من أنها لا تمثل تهديداً مباشراً لإستقرار النظام. ويرى أسبابا عديدة لإعتبارها كذلك، يأتي في طليعتها إستمرارها طيلة شهرين مع فترات تراجع وتقدم وبأحجام متفاوتة. والسبب الثاني يراه في كون هذه الإحتجاجات تختلف عن سابقاتها التي كانت مرتبطة بقضايا إقتصادية، بأنها موجهة مباشرة ضد النظام القائم.
ويقول بأن ثمة عوامل متعددة لعدم بروز تهديد للنظام حتى الآن. أول العوامل يراه الخبير في كمية المحتحين، فلم تضم في ذروتها أكثر من عدة عشرات الألوف. وخلال الشهرين الأخيرين، ووفقا لمختلف التقديرات، شارك في الإحتجاجات ما مجموعه 200 ألف شخص. وفي معظم الإحتجاجات يشارك عشرات الأشخاص، وفي الأيام الأخيرة أصبح العدد أقل. وبطبيعة الحال هذا لايعني أن السلطة تمكنت من إهماد الإحتجاجات، وتندلع بين وقت وآخر تظاهرات كبيرة، لكن الغالبية منها ضئيلة العدد.
العامل الثاني في عدم بروز تهديد للنظام، يراه الخبير في عدم مشاركة قسم مهم من المجموعات الإجتماعية في إيران، ومعظم المشاركين هم من الشباب. والمظاهرات الأهم تجري في مناطق البلوش والأكراد، وتندلع هنا وهناك إضرابات التجار وعمال صناعة تكرير النفط، لكن معظم الإحتجاجات يقوم بها الشبان. وإحتجاجات الشباب، مع كل أهميتها، إلا أنها وحدها من الصعب أن تحقق تغييرات سياسية، وذلك لأن هذه التغييرات تحتاج ليس فقط إلى أحجام إحتجاجات كبيرة، بل تحتاج أيضاً القدرة على التنظيم والقدرة على إشعال الإضرابات.
العامل الثالث يتمثل في كون الأجهزة الأمنية الإيرانية لا تزال موالية بالمطلق للنظام، وخاصة لفيلق الحرس الثوري، وليس من دلائل على إنقسام في صفوفه. وطالما أن السلطة موحدة، وقوى حفظ الأمن وفية لها، من الصعب التصور أن الإحتجاجات ستتمخض عن نتيجة ما مهمة.
يؤكد الخبير أن قسماً من المجتمع الإيراني يخشى تقسيم البلاد إثنياً، لأن المناطق التي يقطنها الكرد والبلوش هي التي تشهد إحتجاجات أكثر. وتشير لهجة التعليقات في الصحافة البراغماية إلى أن مزاعم النظام عن أيادي خارجية وراء المظاهرات لا يلتفت أحد إليها.
المصدر: المدن