نور الدين الطبوبي: البلاد تعيش وضعاً خانقاً وتدهوراً والانتخابات المقبلة وليدة دستور غير تشاركي
لم يقتصر دور الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في تونس) منذ تأسيسه في خمسينيات القرن الماضي، على الفعل النقابي والدفاع عن حقوق العمال فحسب، بل تعداه إلى التفاعل مع المشهد السياسي من خلال الوساطة وقيادة الحوارات السياسية كلما ارتبك الوضع في البلاد.
وفي حين رحب الاتحاد بمسار 25 يوليو (تموز) 2021، إلا أنه دعا إلى ضرورة إشراك المنظمات الوطنية والأحزاب التي لم تتورط في المنظومة السياسية التي حكمت بعد 2011، من أجل بلورة مسار تشاركي، رافضاً انفراد الرئيس قيس سعيد بالحكم.
وإزاء رفض الرئيس التونسي التواصل مع المنظمات والأحزاب بما فيها الداعمة لمسار 25 يوليو، حسم اتحاد الشغل موقفه وأعلن رفضه لهذا المسار، ومر إلى مرحلة “السرعة القصوى” في معارضة قيس سعيد. وقال أمين عام الاتحاد نور الدين الطبوبي، بمناسبة إحياء ذكرى اغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد، إن “الاتحاد لم يعد يقبل بالمسار السياسي الحالي بسبب التفرد بالحكم والغموض”.
وأكد الطبوبي في كلمة بقصر المؤتمرات أنه ”رغم التشكيك ومحاولة ضرب مصداقية الاتحاد سنظل مؤمنين بدوره كفاعل أساسي في مسار الإصلاح السياسي والاستقرار الاجتماعي”، مضيفاً أن “البلاد تعيش وضعاً خانقاً وتدهوراً على جميع الأصعدة”، ومعتبراً أن هذه “الانتخابات وليدة دستور غير تشاركي”.
فما هي الخيارات المطروحة أمام الاتحاد العام التونسي للشغل؟ وهل تستطيع المنظمة النقابية التعبئة لإرباك مسار رئيس الجمهورية؟
مرحلة جديدة
راكم الاتحاد العام التونسي للشغل تجربة سياسية استمرت لعقود وتواصلت بعد 2011 ما عزز شرعيته التاريخية والنقابية، وبات رقماً صعباً في المعادلة السياسية في تونس.
وأكد النائب السابق والكاتب الصحفي، هشام الحاجي، أن “الموقف الذي عبر عنه الاتحاد يندرج في سياق مواقفه السابقة التي عبر من خلالها عن تحفظاته إزاء مسار رئيس الجمهورية الانفرادي”. وأضاف أن الاتحاد “تجاوز بموقفه هذا ما هو اقتصادي واجتماعي إلى إرسال إشارات سياسية تدل على مرحلة جديدة في علاقة الاتحاد برئاسة الجمهورية والحكومة”.
ولم ينجح اتفاق الزيادة في الأجور الذي وقعه اتحاد الشغل مع الحكومة في تجاوز الخلافات بين الجانبين، وهو اليوم يستبق موعد الجلسة المقررة منتصف هذا الشهر بين ممثلي الحكومة التونسية وأعضاء مجلس إدارة صندوق النقد الدولي للحصول على القسط الأول من القرض الذي سيمنحه الصندوق لتونس لتمويل ميزانية الدولة، ليؤكد رفضه الإصلاحات الاقتصادية التي تقترحها الحكومة من دون التشاور مع المنظمات الوطنية.
وشدد النائب السابق على أن “المرحلة المقبلة هي مرحلة مواجهة بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل”، لافتاً إلى أن الاتحاد أكد أنه “جاهز لكافة الاحتمالات بما في ذلك احتمال المواجهة أو التعرض لحملة اعتقالات في صفوف النقابيين”.
شعبية قيس سعيد
وقال الحاجي إن “الشارع التونسي لم يعد معنياً بالمشاركة السياسية وسط اتساع الهوة بين النخب السياسية والتونسيين، لذلك فإن مسألة القدرة على التعبئة باتت تنسحب على كل الطبقة السياسية والاتحاد ليس بمنأى عن هذه الظاهرة إلا أن قاعدته النقابية تجعله مؤثراً بالمشهد السياسي في المرحلة المقبلة من خلال العمل على دفع رئيس الجمهورية لإجراء تعديل حكومي وإشراك الاتحاد في إدارة الشأن العام”.
وأضاف أن “شعبية قيس سعيد بدأت تتقلص بسبب تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي وغلاء الأسعار وندرة المواد الأساسية وفي ظل أزمة وقطيعة غير معلنة بين رئيس الجمهورية وبقية التونسيين والرأي العام”.
صوت الاتحاد يعلو زمن الأزمات
تفطن الاتحاد العام للشغل إلى أن حال الانقسام الذي يمزق المشهد السياسي ستكون نتائجه وخيمة، علاوة على تدهور القدرة الشرائية للتونسيين وسط غياب حلول اقتصادية لخلق الثروة، لذلك يستجمع قواه (بعد أزمة داخلية كادت تعصف بنتائج مؤتمره الأخير وتم حسمها قضائياً)، من أجل الضغط حتى ينفتح رئيس الجمهورية على المنظمات الوطنية لبلورة رؤية تشاركية تنقذ ما يمكن إنقاذه في البلاد اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.
ويستبعد مساندو مسار 25 يوليو أن ينخرط اتحاد الشغل في معركة سياسية ضد رئيس البلاد، وفي هذا السياق يؤكد الناشط السياسي والناطق الرسمي باسم التيار الشعبي، محسن النابتي، “أن الاتحاد هو بالأساس منظمة نقابية وله مطالب اجتماعية ودوره كبقية المنظمات النقابية يبرز زمن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة عند تبني سياسات تقشفية تمس من القدرة الشرائية للطبقات المتوسطة والفقيرة”.
ويعتقد النابتي أنه “من البديهي أن يعلو صوت اتحاد الشغل زمن الأزمة الاقتصادية، من دون أن ينكر أن تونس تعيش أزمة اقتصادية صعبة كانت لها انعكاساتها الاجتماعية التي مست الأغلبية الشاسعة من الشعب التونسي”.
ويصف تصريحات الاتحاد بـ”المعتادة” لافتاً إلى أن “المسار السياسي سيكتمل قريباً بانتخاب برلمان جديد، بعد التصويت على دستور جديد لتونس”، داعياً رئيس الجمهورية إلى توضيح الرؤية في كل ما له علاقة بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية”.
ويعتبر النابتي أن أي “نظام سياسي مهما كانت شرعيته وحزمة قوانينه لن يصمد في غياب منجز اقتصادي واجتماعي ينتشل الشعب من الحاجة والفقر والبطالة”.
لا للعودة
يذكر أن موقف الاتحاد العام التونسي للشغل، الرافض لانفراد الرئيس سعيد بالحكم لا يعني تقاطعه مع الأحزاب التي تعارض المسار وتدعو إلى مقاطعة محطاته السياسية، وقد جدد الطبوبي “رفض الاتحاد العودة إلى ما قبل 25 يوليو 2021، أو استعادة الحكم عبر الاستقواء بالخارج”، في إشارة إلى محاولات عدد من الأحزاب المعارضة لمسار سعيد “تصدير الأزمة السياسية التونسية واستعطاف الخارج من أجل حشد الدعم لإرباكه أو الإطاحة به”.
تمضي تونس إلى انتخابات تشريعية منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2022، في مناخ سياسي تشقه انقسامات حادة ووضع اجتماعي واقتصادي متدهور، بينما يلوح الاتحاد بالتعبئة، وهو المنظمة الممتدة في أعماق تونس بأكثر من عشرة آلاف نقابة وحوالى مليون منخرط في القطاعين العام والخاص.
المصدر: اندبندنت عربية