“البروتوكول الدبلوماسي لا يتطلب من سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة في إسرائيل دعوة وزير الأمن الداخلي المعين “إيتامار بن غفير” للاحتفال باليوم الوطني الـ 51 للدولة الخليجية”.. هكذا سلط المحلل السياسي الإسرائيلي “تسيفي برئيل” الضوء على رسائل استقبال السفارة لأحد أكثر قادة اليمين الإسرائيلي تطرفا.
وذكر “برئيل”، في تحليل نشره موقع صحيفة “هآرتس” العبرية وترجمه “الخليج الجديد”، أن الأسباب البروتوكولية غير واردة في تفسير الدعوة الإماراتية، خاصة أن مجلس الوزراء الإسرائيلي الجديد لم يؤد اليمين بعد، مشيراً إلى تواصله مع مسؤول أردني وباحث سياسي مصري (لم يسمهما)، أكدا له أن السياق الإماراتي لاستقبال “بن غفير” قد يتقاطع مع المصالح الأردنية والمصرية، لكنه لا يتطابق معها بالضرورة.
وأضاف أن المسؤول الأردني قال إن “الدعوة يجب أن يُنظر إليها على أنها تعبر عن رغبة في التأثير على تصرفات الحكومة التي يقوم رئيس الوزراء المقبل بنيامين نتنياهو بتشكيلها”.
وأوضح: “هي بادرة حسن نية لممثل إسرائيل الأكثر تطرفا (..) من الواضح لنا جميعا أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة أمامها مجموعة من التهديدات التي يمكن أن تؤدي إلى اندلاع أعمال عنف في الضفة الغربية والقدس، ومن هناك إلى المنطقة بأسرها”.
وتابع: “بدلاً من التحذير والتهديد، تستخدم أبوظبي الدبلوماسية الإيجابية، لكن هل سيساعد هذا النهج بن غفير على اتخاذ خطوات لتهويد الحرم القدسي الشريف؟”، سؤال تركه المسؤول دون جواب، ما قدم مؤشرا على قلق أردني على هذا الصعيد.
وفي السياق، يشير “برئيل” إلى أن الإمارات اشترطت لتوقيعها “اتفاق إبراهيم” تراجع “نتنياهو” عن خطط ضم الضفة الغربية لإسرائيل، لافتا إلى أن رئيس الدولة الخليجية “محمد بن زايد” ربط بين الاتفاق وبين القضية الفلسطينية والسلام مع إسرائيل، حتى ولو كان هذا الربط ظاهريا، وهو ما تعيده دعوة السفارة الإماراتية لـ “بن غفير” في احتفال اليوم الوطني.
ويضيف المحلل الإسرائيلي: “الآن يبدو أن النية متشابهة: تذكير نتنياهو بالقاعدة التي يقوم عليها اتفاق السلام مع الإمارات وربط بن غفير بالتزام نتنياهو”.
واستطرد “برئيل”: “الإمارات هي الدولة العربية الأولى التي تمنح الشرعية لبن غفير، وبالتالي فهي لا تشير فقط إلى الاتجاه المنشود للدول العربية الأخرى في الوقت الحالي، بل قد تحصد أيضًا المكاسب المتمثلة في كونها الدولة العربية صاحبة أكبر نصيب في التأثير على الحكومة الإسرائيلية الجديدة”.
لكن المحلل الإسرائيلي لفت إلى التزام الأردن ومصر الصمت رسميًا إزاء الخطوة الإماراتية تجاه الحكومة الإسرائيلية الجديدة، إذ لم يعرب قادتهم علانية عن رأيهم بشأن تلك الحكومة أو “بن غفير”.
ويلفت “برئيل”، في هذا الصدد، إلى أن وسائل الإعلام الرسمية في مصر تميل إلى تحليل مفاده أن الخط الحزبي لبن غفير قد يمثل تهديدا وخطرا يواجهه الفلسطينيين، ولكن من دون الدعوة إلى ردود فعل عامة في الدول العربية.
ويستشهد تحليل “برئيل” بمقال نشرته صحيفة “الأهرام” المصرية (حكومية) جاء فيه أن “الخوف من إيتمار بن غفير ليس فقط بين الفلسطينيين وعرب 1948 بل يمتد أيضًا إلى المواطن الإسرائيلي، الذي يخشى ثورة دينية يمينية”.
لم يتضمن المقال كلمة واحدة عن تأثير الحكومة الجديدة على علاقات إسرائيل مع مصر ولا دعوة للحكومة المصرية “لاتخاذ موقف”، وهو ما يلفت إليه “برئيل”، ناقلا عن باحث كبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية اعتقاده بأن “كل دولة عربية وقعت اتفاقية سلام مع إسرائيل ستتخذ مقاربة براجماتية وفقًا لمصالحها الخاصة”.
ويضيف الباحث المصري: “لمصر مصلحة في التعاون الوثيق مع إسرائيل، لوقف التطورات العنيفة في قطاع غزة وتسويق الغاز إلى الدول الأوروبية. القضية الفلسطينية مهمة للغاية، لكن مصر تدرك أيضًا أنه لا جدوى الآن من الحديث عن حل الدولتين، ومن الأفضل لها التركيز على الحفاظ على الوضع في غزة”.
ويفترض الباحث المصري أنه حتى في ظل الحكومة الإسرائيلية الجديدة يمكن الحفاظ على هذه “المصلحة المشتركة”، حسب تعبيره، مضيفا: “بعد كل شيء، بن غفير مهتم بعدم إطلاق الصواريخ من غزة”.
وتابع الباحث المصري: “من الواضح أن مصالح مصر ليست مطابقة لمصالح الأردن أو الإمارات، لكنها ليست منفصلة عنهما”.
وهنا يشير “برئيل” إلى أن الباحث المصري يلفت إلى الخطر الكامن – بالنسبة لكل من مصر والأردن – من التطورات في الضفة الغربية والقدس، والتي يمكن أن تؤدي إلى احتجاجات حاشدة في شوارع القاهرة وعمان.
وينقل المحلل الإسرائيلي عن رئيس تحرير صحيفة حكومية أردنية (لم يسمه): “على مر السنوات تآكلت قوة الفلسطينيين في تحفيز الرأي العام العربي بشكل كبير. المكان الوحيد الذي ربما لا يزال بإمكانه إثارة الاحتجاج هو الحرم القدسي. لكن هذا هو المكان الذي يبحث عنه بن غفير وزملاؤه في اليمين المتطرف. إنها أيضًا نقطة ضعف الأردن، وعندما تكون العلاقات بين (نتنياهو) والملك (عبدالله الثاني) بعيدة كل البعد عن الصداقة، سيتعين على الملك الاعتماد على القادة العرب الآخرين وعلى الولايات المتحدة لكبح الحكومة الإسرائيلية”.
وبحسب “برئيل”، فإن “دور الولايات المتحدة قد يكون حاسما في منع حكومة نتنياهو من أن تعيث فسادا بالمنطقة، لكن لا يمكن الاعتماد عليه بشكل مؤكد”.
فالتصريحات الأخيرة لكبار المسؤولين، بما في ذلك الرئيس “جو بايدن” وأعضاء الكونجرس، حول تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ولا سيما منح “بن غفير” منصب وزاري رفيع، تؤشر على القلق الأمريكي، لكن هذا القلق يم يُترجم إلى سياسة بعد.
الأمر ذات عبر عنه خبير مركز الأهرام قائلا: “تجربتنا تظهر أن الولايات المتحدة كانت قادرة دوما على تغيير سياسات إسرائيل فقط في الأمور التكتيكية، وليس الاستراتيجية. رأينا موقف إسرائيل من المفاوضات بشأن إحياء الاتفاق النووي، عندما وقفت بتحدٍ ضد الجهود الأمريكية”.
وحذر الباحث المصري: “ربما نرى هذه المرة نشاطًا أمريكيًا أكثر فاعلية، ومن الأفضل أن تظهر الولايات المتحدة قوتها قبل أن يضطر قادة الدول الموقعة على اتفاقيات السلام إلى الشروع في سياسة يمليها الرأي العام”.
المصدر | هآرتس – ترجمة وتحرير الخليج الجديد