شهد الأسبوع المنقضي أعمال عنف وحشية أخرى ارتكبتها روسيا الاتحادية في جميع أنحاء أوكرانيا في محاولة لتدمير أكبر عدد ممكن من مرافق البنية التحتية الحيوية ولإرهاب الأوكران، وبالتالي تغيير مجريات الأحداث، ولكن هذه الضربات أثارت بدورها المزيد من الغضب والتضامن ليس فيما بين الأوكران فحسب بل أيضاً دول العالم المتحضر الثابتة في رغبتها في دعم أوكرانيا في مواجهة الشر الروسي. ويدل على ذلك قرار البرلمان الأوروبي بالاعتراف بروسيا الاتحادية كدولة راعية للإرهاب لأن كل الهجمات الروسية الهائلة والقاسية على البنية التحتية المدنية والسكان المدنيين التي هزت ليس فقط أوكرانيا بل العالم بأسره ليس لها أي معنى ولا مبرر وروسيا اختارت السلوك والتكتيكات المعتادة لدولة إرهابية خارقةً جميع القواعد ومتجاوزة الخطوط الحمراء إلى جانب ممارسة الإبادة الجماعية بحق الشعب الأوكراني.
قبل 90 عاماً قتل الروس ملايين الأوكران بالجوع. وفي وقتنا هذا، في ظل تكبد الهزائم في ساحة المعركة يسعى الكرملين إلى قتلهم بالبرد في محاولة إجبارهم على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. ولكن كل محاولاته وجهوده لن تتكلل بالنجاح أياً كانت لأن شجاعة وبطولة وصمود الشعب الأوكراني ساعدته في النجاة خلال هولودومور وستساعده في تحمل برد الشتاء من جديد.
أظهرت نتائج استطلاع رأي أجرته منظمة “مجموعة التصنيف الاجتماعية” الأوكرانية عشية الذكرى السنوية لهولودومور أن 93% من الأوكران يعتبر هولودومور 1932-1933 إبادة جماعية بحق الشعب الأوكراني. وارتكبتها قيادة الاتحاد السوفيتي من أجل إخضاع الأوكران والقضاء على المقاومة الأوكرانية للنظام ومحاولات بناء دولة أوكرانية مستقلة عن موسكو. وأودى النظام الشمولي الشيوعي بحياة ملايين الأوكران من خلال مصادرة المواد الغذائية وحظر التجارة وتسليم البضائع ومنع الفلاحين من مغادرة مستوطناتهم وإحاطة المستوطنات بوحدات عسكرية. ومن اللافت أن مثل هذا النظام القمعي أثناء المجاعة طبّق في أوكرانيا وكوبان فقط، وهما رقعتان توجد فيهما أكبر نسبة من الأوكران. وحالياً، يعيد بوتين كخليفة لتقاليد النظام الستاليني ممارسة إبادة جماعية بحق الشعب الأوكراني تحت غطاء العملية العسكرية الخاصة متظاهراً بأنه صانع سلام مثلما تقول الدعاية الروسية للشعب الروسي.
في الواقع، لقد ألحق وما زال يلحق الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا أضراراً جسيمة بالاقتصاد الأوكراني والعالمي على حد سواء يتعذر إصلاحها، ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من الناس ونزوح الملايين إلى الخارج. تقدر قيمة الأضرار المادية التي أحدثها تدمير ممتلكات السكان وإتلافها وسرقتها من قبل القوات الروسية على مدى الأشهر الثمانية الماضية بمئات المليارات من الدولارات الأمريكية، بينما تجاوز إجمالي الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الأوكرانية اعتباراً من 30 أيلول/ سبتمبر 2022، وفق “مدرسة كييف للاقتصاد”، 127 مليار دولار أمريكي بحيث يزداد هذا الرقم مع كل ضربة جوية روسية على البنية التحتية للطاقة. بسبب عجز الجيش الروسي عن تحقيق مكاسب في ساحة المعركة تدمر الدولة الإرهابية البنية التحتية الحساسة لأوكرانيا. على سبيل مثال، أدت الضربات الصاروخية في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر إلى تضرر مرافق الطاقة ومبان سكنية ومقتل مدنيين وانقطاع مؤقت لجميع محطات الطاقة النووية ومعظم محطات الطاقة الحرارية والكهرومائية، ما تسبب بقطع التيار الكهربائي وإمدادات المياه عن معظم المدن الأوكرانية. أطلقت روسيا 67 صاروخاً في اليوم الذي اعترف فيه البرلمان الأوروبي بها كدولة راعية للإرهاب مثبنة مراراً أنها تستحق ذلك.
أشارت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد خلال جلسة مجلس الأمن لدى الأمم المتحدة المنعقد في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر أن بوتين قرر تحويل منشآت الطاقة الأوكرانية إلى أنقاض وأن دوافعه باتت واضحة للغاية وأثبتت أنه يستخدم الشتاء كسلاح للتسبب بمعاناة هائلة للشعب الأوكراني. ومع ذلك، لا يخفي الكرملين نواياه الوحشية إذ اعترف المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف سابقاً بأن روسيا تدمر البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا وتريد ترك الأوكران بدون غاز وكهرباء في فصل الشتاء من أجل إجبار أوكرانيا على إجراء المفاوضات، قائلاً إن انقطاع التيار الكهربائي والتدفئة الذي يواجهه ملايين الأوكرانيين “نتيجة عدم رغبة سلطات كييف في حل المشكلة والجلوس إلى طاولة المفاوضات”. وكالعادة، تصب الدعاية الروسية الزيت على النار ناشرة أخباراً مزيفة ونظريات كاذبة تهدف إلى تبرير الأعمال العدوانية الروسية وإلقاء اللوم على الجانب الأوكراني والغرب. ولا غرابة في ذلك لأن الكرملين يتبع طريقه التقليدي وهو طريق إنكار وجوده ودوره في الأعمال الإرهابية والعدوانية ليس فقط على أراضي أوكرانيا بل أيضاً في كل بلد حيث يستخدم أساليب الابتزاز أو التخويف أو زعزعة استقرار الوضع.
في 26 نشرين الثاني/ نوفمبر، أحيت أكثر من 60 مدينة في شتى أنحاء العالم ذكرى ضحايا المجاعة الكبرى في عامي 1932-1933 ونددت بالأفعال الحالية الروسية خلال الحرب معتبرة إياها إبادة جماعية بحق الشعب الأوكراني. اعترفت 22 دولة في العالم بمجاعة هولودومور على أنها إبادة جماعية بينما أدانت الدول الكثيرة المجاعة باعتبارها عملاً من أعمال إبادة الإنسانية ارتكبها النظام الستاليني الاستبدادي أو طلبت الصمت دقيقة واحدة تكريماً لضحاياه. كما اعتمد برلمانا مولدوفا وأيرلندا إعلان الاعتراف بالمجاعة الكبرى 1932-1933 كإبادة جماعية بحق الشعب الأوكراني عشية ذلك اليوم الحزين. على وجه الخصوص، اعتمد البرلمان المولدوفي قراراً يؤكد أن النظام الشمولي البلشفي في الاتحاد السوفياتي المنهار يتحمل المسؤولية عن الإبادة الجماعية بحق الشعب الأوكراني الناتجة عن سياسة هولودومور. كما ناشد نواب البرلمان المولدوفي جميع برلمانات العالم والمؤسسات الدولية إلى التضامن الكامل مع أوكرانيا وتقييم الأعمال الإجرامية المرتكبة في عامي 1932-1933 مشددين على أن ذكرى المجاعة الكبرى والالتزام بالقيم العالمية يحتمان التضامن مع الشعب الأوكراني في سبيل وضع حد لسياسة الإبادة الجماعية بحق الشعب الأوكراني في القرن الحادي والعشرين وحفظ السلام والحرية في القارة الأوروبية.
كما أصبح من المعلوم أن البوندستاغ الألماني سينظر في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر في قرار يصنف هولودومور على أنها إبادة جماعية قد ألحقت أضراراً بشتى أنحاء أوكراني، ليس فقط مناطقها لإنتاج الحبوب. كما يدعو البرلمان الألماني إلى إحياء ذكرى المجاعة الكبرى وتعميمها على الصعيد الدولي. بالإضافة إلى ذلك، يربط البرلمانيون الألمان الحرب التي تجتاح أوكرانيا في الوقت الحاضر بماضيها ويدعون إلى دعم أوكرانيا سياسياً ومالياً وإنسانياً وعسكرياً.
لم يعد لدى العالم المتحضر أي شك في أن بوتين إرهابي وروسيا دولة إرهابية تعوث فساداً في العالم. ومن بين الجرائم التي ارتكبها الجيش الروسي في أوكرانيا أعمال القتل الجماعي، بما في ذلك الأطفال، والخطف والتعذيب والاغتصاب وقصف المرافق المدنية وهي المستشفيات والمدارس ورياض الأطفال وحصار المناطق المأهولة بالسكان وعرقلة تسليم المساعدات الإنسانية وإجلاء السكان المدنيين والاستيلاء على البنية التحتية الحيوية وتدميرها المتعمد وإلخ. يزيد الغزاة الروس المآسي التي تضرب السكان الأوكران ويجعلونهم نازحين ويمسحون مدناً وقرى بأكملها عن وجه الأرض. يواصل المحتلون الروس قتل السكان المدنيين يوماً عن قصد وبلا رحمة، وسيكون للحرب عواقب وتداعيات وخيمة ورهيبة طويلة الأمد ستطال الأجيال القادمة للأسف الشديد. لا تزال تمارس الإبادة الجماعية بحق الشعب الأوكراني. وكلما زاد عدد الدول التي تعترف بأفعال روسيا على أنها إبادة جماعية وبروسيا نفسها كدولة إرهابية زاد الدعم لأوكرانيا واقترب انتصارها على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وريث الدكتاتور الدموي ستالين.
المصدر: الخارجية الأوكرانية