لماذا يرفع العراق يديه أمام ضربات تركيا وإيران؟

صباح ناهي

رئيس إقليم كردستان يزور بغداد للخروج بموقف موحد تجاه القصف وخطة لإعادة نشر قوات الحدود. بعد أن فقد العراق عقيدته العسكرية، وحل جيشه الذي تأسس عام 1921، إثر احتلال الولايات المتحدة البلاد وحل مؤسساتها السيادية عام 2003، وتسريح قواته قسراً، ونهب دباباته ودروعه وبيعها خردة في سوق السماسرة والمقاولين، تغيرت سمة الجيش العراقي ومهماته، وعطلت الخدمة الإلزامية التي كانت تفرض على كل شاب بعمر الـ18 الالتحاق بالجيش، لمدة عام ونصف العام، تمتد أثناء الحروب إلى أجل غير مسمى، وأضحى التطوع في القوات المسلحة اختيارياً بعد موافقة الأحزاب الحاكمة وتزكيتها، فتغير كل شيء في عقيدة الجيش الجديد.

وتبدلت أيضاً مهمات الجيش فصار أداة ثانوية بيد المحاصصة التي وزعت البلاد إلى حصص وتقاسمت القوات المسلحة في ما بينها، بأن تكون الداخلية وأجهزتها وتوابعها للشيعة، والدفاع للسنة العرب، وجيش الإقليم “البيشمركة” بيد الحزبين الحاكمين في كردستان، ومنح رئيس الحكومة المدني (وهو من حصة المكون الشيعي) القيادة العامة للقوات المسلحة، وحصيلة كل ذلك، ضياع القرار الحاسم للجيش، في آلية وفاعلية الرد أو الردع على حد سواء.

مع الاعتبار بأن القيادة الأميركية المسيطرة على البلاد قد أسست “قوات سوات”، التي سميت في ما بعد “جهاز مكافحة الإرهاب” الذي يتولى عمليات الردع للعمليات الإرهابية بالتنسيق مع قوات التحالف الدولية. كل تلك التشكيلات والتسميات، ألغت مركزية القرار للقوات المسلحة فعلياً وإن كانت شكلياً مرتبطة بشخص رئيس الحكومة.

وحال انسحاب القوات الأميركية من العراق عام 2011، زمن الرئيس الديمقراطي باراك أوباما، بدأت القوات التركية والإيرانية بملء الفراغ الذي أحدثه داعش، إذ بات يتقدم لإسقاط المدن العراقية بدءاً من الموصل وتكريت وديالي وكركوك وأقضية في إقليم كردستان وصولاً إلى مشارف العاصمة بغداد.

نفاذ إيران وتركيا

هذا التحرك العسكري التركي الإيراني لم يأخذ موافقات حكومتي بغداد وكردستان، إذ تقدمت قوات الدولتين في الأراضي العراقية بدعوى حماية أمنهما القومي من تهديد الإرهاب القادم منها كما يقولان، سواء من حزب العمال التركي PKK، أو من الكوملة الانفصاليين أكراد إيران، الذين نزحوا للأراضي العراقية، ونشطوا بعد أن فقدت بغداد السيطرة على أراضيها بعد عام 2003 واستباحت تلك الفصائل والألوية المسلحة الأراضي العراقية وحولتها إلى أوكار هجوم وملاذات آمنة لقواتها، التي تنظم حملات عسكرية داخل الأراضي الإيرانية أو التركية، وهي تشعر بالحماية من المضيف الكردي في الإقليم الذي يرفض الاعتراف الرسمي بوجودها أو تأمين شرعية انتقالها للإقليم بصفة اللجوء السياسي، مما جعل تلك القوات في مواجهة قوات الدولتين التركية والإيرانية على حد سواء، في التعامل الاحترازي بالقصف المستمر لها.

من هنا قامت أجهزة الاستخبارات العسكرية التركية والإيرانية برصد وملاحقة تلك العناصر المتمردة، كما تصفها، في مناطق جبلية نائية تمتد بين الحدود المترامية التي تفصل العراق عن تركيا وإيران في سلسلة جبال زاكروس الطويلة، لا سيما في مناطق بنجوين وطويلة، وسنجار وجبال السليمانية ودهوك، وهذه القوات التي لا تبالي في قصف تلك المناطق بالطائرات والصواريخ والطائرات المسيرة، في العمق العراقي، وتصيب في كثير من الأحيان المناطق المدنية القريبة التي يختبئ فيها المتمردون الكرد، غير العراقيين.

عجز حكومي

اللافت أن الحكومات العراقية وحكومة الإقليم بدت عاجزة عن صد تلك الهجمات المتكررة التي طاولت مناطق مدنية، وقرى سياحية وبيوتاً، لمواطنين عراقيين في أربيل ودهوك والسليمانية، بل أبعد في الموصل وسنجار، عبر المسيرات التي تتوغل في عمق العراق الذي يعجز عن السيطرة على أجوائه، وهو ما يعتبره رئيس الإقليم مسعود بارزاني “أكبر التحديات التي تجابه الأمن العراقي”.

ولم تتوان الدولتان المهاجمتان للأراضي العراقية عن إعلان توغل قواتهما التي تقصف أهدافاً في العمق العراقي بخاصة في الشمال، كما أوردت مصادر حكومية إيرانية بأن الحرس الثوري الإيراني قد شن أخيراً هجوماً مدفعياً على قواعد عسكرية في المناطق الكردية، من قاعدة “حمزة” بدعوى أن تلك القوات المتمردة، شنت هجوماً على القواعد الحدودية الإيرانية، وحملت طهران ما سمته المجموعات الكردية على طوال الحدود مسؤولية إرسال أسلحة وشن هجمات في العمق الإيراني كما أوردت وكالة “فارس” شبه الرسمية، معلنة مواصلة الحرس الثوري عملياته لمعاقبة تلك المجموعات.

كل ذلك الصراع والقصف الذي يجري من دون أخذ موافقة أو الإشعار المسبق للحكومة المركزية أو حكومة الإقليم مما يتسبب بوقوع ضحايا مدنيين، من المواطنين الكرد في شمال العراق.

قواعد تركية

أما تركيا فقد عمدت على نصب قواعد ارتكاز للجيش التركي تزيد على 80 قاعدة وفق مصادر برلمانية عراقية، اكتفت بالمطالبة والتنديد بوجودها، لكن الحكومة التركية تتعكز على اتفاق مع الحكومة السابقة بالسماح بالتوغل في الأراضي العراقية بعمق خمسة عشر كيلو متراً، وتقول إن الاتفاق غير ملغ حتى الآن، ويسمح لها بالدفاع عن أراضيها ومحاربة فصائل الـ(PKK) الكردية – التركية، المناهضة للنظام في أنقرة، والتي تطالب بالانفصال عن حكومة أنقرة وتحقيق الانفصال التام لأكراد تركيا الذين يتخطون 20 مليوناً، والمطالبة بإطلاق سراح زعيمها المعتقل في تركيا عبدالله أوجلان، وهم مجموعة يسارية مسلحة، نشأت في سبعينيات القرن الماضي، كحركة انفصالية بمزيج فكري بين القومية الكردية والأيديولوجيا الاشتراكية.

الآن بدأ تحرك عراقي لتوحيد الموقف من تلك العمليات المحرجة للحكومة المركزية في بغداد وحكومة الإقليم في أربيل، حيث زار رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني بغداد للتباحث مع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، لدراسة أبعاد القصف الإيراني والتركي للأراضي العراقية، وضرورة الخروج بموقف موحد تجاههما.

وأعلن مجلس الأمن الوطني العراقي “وضع خطة لإعادة نشر قوات الحدود العراقية لمسك الخط الصفري على طول الحدود مع إيران وتركيا” كما أورد المكتب الإعلامي باسم رئيس الحكومة العراقية، وتضمن ذلك الإعلان التنسيق مع حكومة الإقليم ووزارة البشمركة الكردية من أجل توحيد الجهد الوطني لحماية حدود البلاد، حيث تخضع المناطق الحدودية في كردستان العراق، لسيطرة البشمركة وهي قوات عسكرية خاصة بإقليم كردستان لكنها تتبع إدارياً وزارة الدفاع في بغداد.

لكن وجود العناصر المناوئة للدولتين الإيرانية والتركية، واتخاذ العراق قاعدة انطلاق لعملياتها، يثير كثيراً من الجدل المحلي سواء في بغداد أو أربيل حول الحاضنة السياسية التي تقف وراء ذلك الوجود غير المعترف به من حكومة بغداد، فلم ينظم أو يخضع لقوانين اللجوء السياسي المعروف دولياً ولم يخضع لضوابط الإقامة الذي تعتمده الدولة، مما يجعل تحرك تلك القوات غير شرعي من وجهة نظر الدول المحيطة بالعراق، لكنه يلقى حاضنة محلية تسهل نفاذ العناصر الهاربة التي تروم العمل من خارج أراضي تركيا وإيران .

المصدر: اندبندنت عربية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى