في 15 أيار “مايو” 1948 أقام نظام التسلط الدولي ، بتواطؤ مفضوح مع النظام الإقليمي “العربي” (دولة للصهاينة) في فلسطين العربية ، القصة لم تبدأ في ذلك اليوم ، الذي لم يكن إلا محطة على الطريق ، ذلك أن وزير خارجية بريطانيا العظمى كان قد صرح قبل ذلك بما يزيد عن قرن من الزمان في عام 1940 بما يشبه القرار ، قال : “يجب ألا يتحد العرب” ، وأضاف سيادته : “لتحقيق ذلك يجب إقامة كيان عازل بين سيناء ، وصور” ، لم يكن الوزير يومها قد عثر على المكوّنات البشرية لذلك الكيان العازل ، لكن منذ ذلك اليوم بدأ البحث جدياً عن ذلك المكوّن البشري ، من أين يأتون به …؟ ، فسخرّوا لذلك العلماء ، والمؤرخين ، وبعثات التنقيب عن الآثار ، وأجهزة التجسس ، إلى أن توصلوا إلى تأسيس “الحركة الصهيونية” بعد ذلك بأكثر من نصف قرن ، لضرب عصفورين بحجر واحدة كما يقولون ، إقامة الكيان العازل ، أولاً ، والتخلص من اليهود الأوربيين ثانياً ، لأن العنصرية ضدهم في أوروبا كانت توازي العنصرية ضد السود في مستوطنات أمريكا ، هكذا ألقي باليهود الأوربيين إلى البحر ، ولعله من المفيد هنا أن نذكرّ بأن العرب ليس هم من فعلوها ، وليس هم من ألقى بالمترددين منهم في أفران الغاز ، المدعى بها ، أو التي تم تضخيمها على الأقل …..
( 2 )
نقول ذلك ، ابتداء ، لوضع الأمور في نصابها ، وللكف عن تزييّف المشكلة الحقيقية في فلسطين ، وبالتالي الكف عن التصويب بالاتجاهات الخطأ ، بينما الهدف في مكان آخر ، المشكلة إذن ، في الجوهر ، ليست صراع ديني ، والمشكلة ، ليست صراع إقليمي حول حدود المستوطنات ، المشكلة في جوهرها ، هي التحقيق المادي ، والموضوعي لكيان الأمة العربية ، هم ، لن يسمحوا بإقامة هذا الكيان العربي طالما أن ذلك في حدود مقدرتهم ، ولهم بين ظهرانينا أعواناً لا يستهان بهم ، من أول الطغاة الحاكمين إلى آخر قوى التخلف التي تفتعل ، فتناً ، ومذابح بين أبناء الأمة ، تكفيراً ، وإفتاء جاهلياً ، وإقصاء ، واستئصالاً ، بحيث تذبح الأمة نفسها ، بنفسها ، وحيث يعبث الأعداء بالدماء ، ويجنون المغانم …
( 3 )
هكذا ، بدأت مشكلة فلسطين من لندن 1840، إلى مؤتمر بازل1897 الصهيوني ، إلى مؤتمر لندن 1907 ، إلى “سايكس بيكو” ، و”سان ريمو” ، و”وعد بلفور” ، واستعمار ، وانتداب ، ووصاية ، وحماية ، واحتلال ، لكامل وطن الأمة العربية ، ثم مؤتمر يالطا ، وتقاسم الكعكة بين رموز النظام الدولي المهيمن ، وتشكيل هيئة الأمم المتحدة ، التي أعلنت قيام “دولة إسرائيل” ثم عدوان 1956 ، ثم عدوان 1967 ، ثم انقلاب 15 مايو “أيار” 1971 باتجاه “كامب ديفد”1979 ، ثم احتلال بيروت 1982 ، ثم “مؤتمر مدريد” 1991 بعد تدمير بغداد ، ثم “أوسلو” ، ثم “وادي عربة” ، ثم احتلال بغداد مرة أخرى ، ثم مبادرة النظام الإقليمي “العربي” لما يسمونه “السلام الشامل مع / دولة إسرائيل/” ، ومازالت مسيرة العدوان على الأمة العربية مستمرة ، ومازالت الأمة تلملم جراحها ، وتتلمّس الطريق للخروج من المحنة ….
( 4 )
هذا هو جوهر مشكلة الأمة العربية في فلسطين ، وما عدا ذلك مجرد تفاصيل ، ورغم المحن ، فإن للمسألة جانب إيجابي يتمثل في أن المعركة ، الآن ، ولأول مرة في التاريخ العربي الحديث ، مكشوفة ، وأنا أعرف ، ماذا ستفعل هذه الأمة ، عندما تتكشف كل الأمور ، ولهذا ، فإنني أرجو ، أن تعذروني ، لأنني لا أشارك في هذه الاحتفالات الجنائزية ، التي تتحدث عن “خروج العرب من التاريخ” ، والجغرافيا ، والحياة ، بل ، لعلي لا أبالغ إذا قلت ، أنني أكثر يقينية ، بعظمة هذه الأمة العربية ، وثوابتها ، ووجودها ، ومقدرتها على الانتصار ، والاستمرار ، من ، أي وقت مضى ، وإنني ، لا أرى مبرراً ، لحالات العويل ، والندب ، واللطم ، من أولئك الذين يتباكون على مصير الأمة ، ويتحدثون عن الزمن الرديء ، وعن هزيمة الأمة ، هذا ، من جهة ، ومن جهة أخرى ، لا أرى مبرراً “لكرنفالات” الاحتفال ، بوفاة العرب ، والانتصار عليهم ، التي تقام في قصور ، ومحافل أعداء الأمة العربية .. فلا ، هؤلاء ، ولا أولئك ، يدركون حقيقة هذه الأمة ، وثوابتها ، وإلا ، لكفوا عن العويل من جهة ، ولكفوا ، عن الاحتفالات بوفاتها من جهة أخرى ، ففي ، التوابيت ، والنعوش التي تصطف على طول الأرض العربية ، وعرضها ، الكيانات الإقليمية التي تحتل الأرض العربية ، وتشترك ، وتتحالف مع الصهيونية ، والامبريالية العالمية ، في العدوان على الأمة العربية ، وفي تلك النعوش ، أيضا ، الأساليب الرديئة ، للمقاومة القومية ، وفي النعوش ، أعداء الأمة ، ممن يحملون جنسيتها ، الذين بدّدوا طاقاتها ، وإمكانياتها .
( 5 )
وبالتالي ، لابد ، من مواجهة التضليل ، الذي يصّور ما جرى ، ويجري ، على ، أنه ، اتفاق ، وتفاوض ، أو تعاهد ، أو إذعان ” عربي – صهيوني “ ، فالعرب ، ليسوا طرفا فيما جرى ، ويجري ، على الإطلاق ، وإن كان هذا التعاهد ، والتعاقد ، يشمل ، ويتضمّن حقوقاً للعرب ، وثروات للعرب ، إنما ، هو تعاهد ، وتعاقد ، للعدوان على تلك الحقوق ، والثروات بين أعداء مكشوفين ، وأعداء مقنّعين .
إن ، ما يجري ، هو تعاقد ، بين أطراف العصابة العدوانية ، ذاتها ، إنه ، تعاهد ، وتعاقد ، داخل المعسكر المعادي للأمة ، وحسب ، والأمة ، منه براء . إنه ، تنظيم ، لعلاقات التصالح – وربما التصادم ، أحيانا – داخل عصابة اللصوص ، والقراصنة ، الذين يحتلون الأرض العربية ، ويضّخون الثروات العربية ، لصالح الامبريالية متعددة الجنسيات ، أو ، وحيدة الجنسية ، وبالتالي ، فإن ، كل ما نراه ، الآن ، من مهانة ، ومن عقود إذعان ، تجري ، بين السلطات ، التي تسمى ” عربية ” ، وبين ” المستوطنات الصهيونية” في فلسطين ، وكل ، ما نراه الآن ، بين شخصيات ، ومنظمات ، ورجال أعمال ، بما في ذلك اتفاق أوسلو ، وما تلاه في وادي عربة ، وفي الوديان التي لم يكشف عنها ، بعد .. ، إن كل ذلك ، لا يمكن ، أن ينسب إلى العرب ، ولا ، إلى الأمة العربية ، ولا يلزمها بشيء ، وإنما ، الأمة براء من كل هذا الذي حصل ، والذي يحصل … وسيكتشف الصهاينة ، بعد حين ، أن الصكوك ، والعقود التي حصلوا عليها ، لا تمنحهم الشرعية التي يبحثون عنها ، لأن الفريق الآخر ، في تلك العقود .. وعلى طول الخط – وأيا ، كان ، أو سيكون …. ، لا يمتلك من ، الشرعية ، أكثر مما تمتلك ” إسرائيل ” ذاتها ، وفاقد الشيء ، لا يعطيه . إنهم ، و”إسرائيل” ، شركاء في العدوان ، على الأمة العربية ، إنهم ، جميعا ، أولاد ، غير شرعيين ، ينسبون ، للأمة العربية ، زوراً ، وبهتاناً ، إنهم ، ليسوا ، أولاد العرب ، إنهم ، أولاد ، “سايكس – بيكو” ، و”سان – ريمو” ، و”سيفر” ، ومؤتمرات ، لندن ، وباريس ، وواشنطن ، ويالطا ، ومالطا ، ونيويورك ، وعصبة الأمم ، وهيئة الأمم ، وإلى آخرهم …
( 6 )
إنهم ، كيانات الواقعية ، والوقيعة ، والعدوان ، “دول واقعية” ، وسواء ، تصارعوا ، على ما يسرقونه من أرض العرب ، أو تصالحوا ، سواء ، تشاجروا ، أو تعاونوا ، فإن ، هذا لا يغير من حقيقتهم شيئاً ، وإذا ، كان ، بعض سكان “الكيان الصهيوني” ، تم استيرادهم ، بالعملة الصعبة من الخارج ، لا يعني ، أن ، ما يسمى ” دولة إسرائيل ” ، تختلف عن “الدول الواقعية” الأخرى ، المنتشرة ، بين المحيط ، والخليج ، من حيث الوظيفة ، والمهام العدوانية ، على الأمة .. بعد هذا ، كله ، يتحدثون ، وكأن قيام سلطة الحكم الذاتي ، في “غزة” ، أو حتى قيام “دولة رام الله” ، قد تنهي الصراع ” العربي – الصهيوني ” .. ، لماذا ..؟، وماذا يمكن ، أن ، تضيف ، ” دولة رام الله أو دولة غزة ” ، إلى تلك الجوقة ، من الدول المعادية ،الواقعية ، التي تحتل أرض الأمة ، بين المحيط والخليج .. ؟ ، وماذا ، يمكن أن تغيّر ، من طبيعة الصراع ” العربي – الصهيوني ” .. ؟ ، ولماذا يحاولون تصوير قيام “دولة في رام الله أو في غزة” ، وكأنه ، قد وضع حداً ، للصراع ” العربي – الصهيوني ” ، وأن العرب ، قد انتهوا ، نهائيا ، وأن، ذلك ، إيذانا ، بولادة “الشرق الأوسط الجديد” ، الذي ، يقيمون الاحتفالات بميلاده الميمون ، على أنقاض الأمة العربية .. ؟
( 7 )
إنها ، أوهامهم ، على أية حال…، هذا ما يتوهمون .. ، لكن الحقيقة ، شيء آخر ، هناك ، أكثر ، من /20/ ” دولة ” ، أو كيان ، تنتشر ، على طول الأرض العربية ، وعرضها ، منذ أكثر ، من نصف قرن . تنشر ، الفساد ، والإفساد ، والقهر ، والفتك ، وتضخ ثروات العرب ، إلى الخارج ، وتوظف ، ما يتبقى منها ، لتدمير ، المجتمع العربي ، والأسرة العربية ، والأخلاق العربية ، والحياة العربية ، وتقف ، تلك ، الكيانات التي تسمى “دولاً” .. تقف ، حائلا ، وحاجزاً ، بأجهزتها ، وهيلها ، وهيلمانها ، وغلمانها ، بين العرب ، وبين ، تحرير فلسطين ، وتقف حائلا ، بين العرب ، وبين تحقيق وحدتهم ، وتحرير أراضيهم ، ومواجهة أعدائهم ، وتحرير ثرواتهم ، وتوظيفها ، في ، إطار التنمية ، والبناء الحضاري للأمة …
■ فماذا ، لو ، أضيف إلى ذلك ، كله ، “دولة” في أريحا ، او في رام الله ، أو في غزة.. ؟
■ وماذا ، يغير ، هذا ، من ، الواقع .. ؟
نقول : لا شيء على الإطلاق .. !
( 8 )
إن ، ما عجزت ” 22 ” دولة ، وكيانا ،ً عن فعله ، لن تنجح بتحقيقه “الدويلات المضافة” . وبالتالي ، فإنني ، لا أرى جديداً ، في الصراع ” العربي – الصهيوني ” .. ، إنه ، صراع الوجود الذي سيستمر ، إلى ، أن يزال الوجود الصهيوني ، بهذا الشكل ، أو ذاك .. ، بهذه الطريقة ، أو تلك … ، ولا أقول ، أن الصراع سيستمر ، إلى ، أن ينتصر العرب ، أو ينتصر الصهاينة .. ذلك ، لأن ، الوجود العربي الحضاري ، العملاق ، أكبر ، من مقارنته ، بالوجود الصهيوني ، الطارىء ، المفتعل ، وأكبر ، من ، أن تهدده ، دول التجزئة ، والعدوان ، والأحلاف ، والمعاهدات الدولية …!
( 9 )
كل ، ما هنالك ، أن أسلوب الصراع ” العربي – الصهيوني ” ، سيتغير ، فقد ، حسم الأمر ، الآن ، لم يعد ، من الممكن ، الاعتماد على الدول ، التي تسمى ” العربية ” ، في ، إدارة الصراع ، مع الصهيونية ، فهي ، الآن ، وعلى رؤوس الأشهاد ، كشفت أوراقها ، لم ، تعد طرفاً في الصراع ، مع الصهيونية ، بل ، أضحت ، طرفاً ، مع الصهيونية ، في التعاهد ، والتعاقد ، ضد الأمة العربية ، كما ، لم يعد من الممكن ، بعد الآن ، الاعتماد على المنظمة ” الإقليمية ” ” الفلسطينية “، أو أية منظمة أخرى لا تحمل مشروع الأمة العربية ، في ، إدارة الصراع ، مع “الصهيونية” ، فهي ، والصهيونية ، ” شركاء في التحالف ” ..
( 10 )
إذن ، فليتم ، الإعداد القومي ، للانتقال ، للأسلوب الجذري في إدارة الصراع ، مع الصهيونية ، ومع الإقليمية ، ومع الفتن ، والتخلف ، والاستبداد ، ومع قوى الهيمنة الدولية .. ، في ، الوقت ذاته ، وهذه مهمات ، ستعرف الأمة ، كيف تنتج ، من يتقدم الصفوف ، ليتنكبّ ، هذه ، المسئولية التاريخية .