القاهرة وأنقرة تعتزمان اتخاذ مزيد من الخطوات لاستكمال المصالحة والرهان على حلحلة ملفي ليبيا وشرق المتوسط. أحيت المصافحة النادرة بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان ونظيره المصري عبدالفتاح السيسي، الأحد 20 نوفمبر (تشرين الثاني)، على هامش الاحتفال بافتتاح بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر، آمال استعادة مسار التطبيع المتعثر بين البلدين، بعد أن خيم عليه التباعد أخيراً بسبب تباين المواقف تجاه ملفات تعد “مصيرية” للطرفين.
جاءت أول مصافحة بين الرجلين بعد سنوات من التوتر، على خلفية إطاحة نظام جماعة الإخوان المسلمين من حكم مصر، إثر انتفاضة شعبية، إذ أظهرت الصورة التي نشرتها الرئاسة التركية مساء الأحد، تبادل السيسي وأردوغان الحديث، فيما كان يتوسطهما أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني.
وجلس كل من السيسي وأردوغان في مقاعد متقاربة على منصة كبار المسؤولين الحاضرين للاحتفال ضمن قادة عرب ودوليين، وتوسطهما فقط الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
خطوة نحو التطبيع
الرئيس التركي اعتبر المصافحة النادرة “خطوة أولى نحو مزيد من التطبيع في العلاقات بين البلدين”، وقال خلال تصريحات أدلى بها على متن الطائرة في رحلة عودته من قطر، إن “تحركات أخرى ستلي تلك الخطوة الأولى من أجل تطبيع العلاقات مع القاهرة”.
ونقل موقع “خبر ترك” الإثنين عن أردوغان قوله، “أنا أنظر للأمر بهذا الشكل، لم يكن لقاء بين زعيمي مصر وتركيا، الروابط القائمة في الماضي بين الشعبين مهمة جداً بالنسبة إلينا، فما الذي يمنع من أن تكون كذلك مجدداً، وقدمنا مؤشرات بهذا الاتجاه”، مضيفاً أن “طلب أنقرة الوحيد من مصر هو تغيير أسلوبها تجاه وضع تركيا في البحر المتوسط”.
وتابع أردوغان “آمل أن نمضي بالمرحلة التي بدأت بين وزرائنا إلى نقطة جيدة لاحقاً عبر محادثات رفيعة المستوى”.
في المقابل وبحسب بيان نشرته الرئاسة المصرية، قال المتحدث باسمها بسام راضي إن “الرئيس السيسي تصافح مع نظيره التركي أردوغان، إذ تم التأكيد المتبادل على عمق الروابط التاريخية التي تربط البلدين والشعبين المصري والتركي”، مضيفاً “تم التوافق على أن تكون تلك بداية لتطوير العلاقات الثنائية بين الجانبين”.
وأشارت مصادر رسمية مصرية إلى أن المصافحة الأولى بين السيسي وأردوغان “كان لأمير قطر دور فيها”، مشيرة إلى محاولات تقودها الدوحة لتقريب وجهات النظر بين البلدين منذ اتفاق مصالحة العلا في يناير (كانون الثاني) العام الماضي، الذي أنهى مقاطعة استمرت نحو أربع سنوات بين قطر وكل من مصر والسعودية والإمارات والبحرين.
ورجحت تلك المصادر، في تصريحات لـ”اندبندنت عربية”، أن “تقود تلك المصافحة لانفراجة قريبة على صعيد مسار تطبيع العلاقات خلال الفترة المقبلة”، مشيرة إلى احتمالات عودة المحادثات الاستكشافية الدبلوماسية والأمنية التي كانت بدأت في مايو (أيار) من العام الماضي.
وبحسب تلك المصادر كذلك، “فإن القاهرة ستتحرك باتجاه اختبار جدية النوايا التركية عبر استعادة قنوات التشاور معها بحثاً عن حلحلة القضايا العالقة، لا سيما على صعيد الملف الليبي الذي يمثل لمصر امتداداً لأمنها القومي بشكل مباشر”.
عقدة ليبيا وغاز المتوسط
ووفقاً للمصادر الرسمية فإن “مطالب القاهرة تجاه الملف الليبي لا يمكن التخلي عنها، وتتمثل في سرعة خروج جميع القوات التركية المتمركزة في الغرب، وكف أنقرة عن التدخل في الشأن الليبي”.
وترفض القاهرة الوجود العسكري لتركيا في ليبيا ضمن منطقة تعتبرها عمقاً استراتيجياً لأمنها الوطني، كما تتمسك بإدانة ما تعتبره “تدخلات أطراف إقليمية من بينها أنقرة في الملفات والأزمات العربية”.
في المقابل ووفق مراقبين أتراك فإن أنقرة تضغط بالملف الليبي في مقابل حلحلة أزمة ترسيم الحدود البحرية بمنطقة شرق المتوسط، مما يسمح لها بمزيد من حقوق التنقيب على الغاز، وترى في اجتذاب القاهرة نحوها مكسباً لمواجهة اليونان، “عدوها التقليدي” بتلك المنطقة.
ورغم إعلان الرئيس التركي في يوليو (تموز) الماضي أنه “لا يوجد سبب لعدم إجراء محادثات رفيعة المستوى مع القاهرة”، مع بطء التقدم الذي أحرزه مسار عودة العلاقات، جاء توقيع أنقرة مجموعة اتفاقات جديدة مع حكومة طرابلس، ومن بينها التنقيب عن النفط والغاز بمياه البحر المتوسط الشهر الماضي ليزيد حجم التوتر.
أواخر الشهر الماضي، أعلنت القاهرة على لسان وزير خارجيتها سامح شكري توقف الجلسات الاستكشافية بين بلاده وتركيا، مما عكس تعثر مسار تطبيع العلاقات، وبرر حينها الوزير المصري عدم استئناف مسار المحادثات مع تركيا بقوله إنه “لم تطرأ تغيرات في إطار الممارسات من قبل أنقرة”، مشيراً إلى غضب مصر من الوجود العسكري التركي في ليبيا، ومؤكداً أن “من الأمور التي تثير القلق هو عدم خروج القوات الأجنبية من ليبيا حتى الآن”.
وسبق تصريحات شكري إعلان نظيره التركي مولود تشاويش أوغلو أن “تطبيع العلاقات مع مصر يسير ببطء، ولسنا المسؤولين عن ذلك”، مضيفاً “إذا كانت مصر صادقة في تطبيع علاقاتها مع تركيا فعليها اتخاذ خطوات ملموسة”، واعتبر أن “التعاون بين البلدين ستكون له انعكاسات إيجابية على المنطقة”.
حلحلة القضايا العالقة
على وقع عقدتي “ليبيا ومنطقة شرق المتوسط” التي تقفان من دون تقدم مسار تطبيع العلاقات، بعكس ما تم بين أنقرة ودول إقليمية أخرى صبغ علاقتهما التوتر خلال السنوات الأخيرة، تتباين آراء المراقبين في حديثهم مع “اندبندنت عربية” بشأن أن يحدث “الحديث الوجيز بين الرئيسين” اختراقاً سريعاً في مسار المصالحة.
مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق جمال بيومي قال “رغم الحرص التركي على التقارب مع مصر، لكنه ينقصه الجدية في تنفيذ التعهدات المطلوبة”، موضحاً “جرت خلال العامين الأخيرين أكثر من مبادرة تركية للتقارب مع القاهرة، وبلغت تلك الخطوة قمتها مع انطلاق المحادثات الاستكشافية بين البلدين منتصف العام الماضي، لكن تعثرت بسبب استمرار تدخل أنقرة في الأزمات العربية، لا سيما الملف الليبي، الذي ترى فيه القاهرة خطاً أحمر، وتحايلت على المطالب المصرية بشأنه”.
وأضاف بيومي “علينا التفاؤل الحذر من الرغبة التركية في تسريع وتيرة التقارب مع مصر، لا سيما أمام تردد أنقرة في حسم الملفات العالقة مع القاهرة”.
وبشأن ملف شرق المتوسط ومطالب أنقرة بمزيد من التقارب المصري في هذه المنطقة، أوضح بيومي أن “القاهرة لا يمكنها تقديم ما ترغب فيه تركيا في هذا الملف، لا سيما أن جميع اتفاقات ترسيم الحدود البحرية التي وقعتها مصر مع دول شرق المتوسط خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً مع اليونان وقبرص لم تتعارض مع القانون الدولي الحاكم لعمليات ترسيم الحدود، لكن يبدو أن تركيا تهدف إلى أمر آخر، وعليه يتطلب منها أولاً حل خلافها مع اليونان وقبرص في هذا الشأن وليس القاهرة هي الطرف الأنسب لحلحلة هذه القضية”.
من جانبه يرى المحلل السياسي التركي جواد غوك أن “المصافحة قد تحدث زخماً نحو مسار تطبيع عودة العلاقات، لكن إصرار البلدين على مواقفها المتباعدة حيال قضايا بعينها قد يصعب من المهمة”.
وأوضح غوك “هناك قطاعات كبيرة داخل المجتمع التركي تحث الحكومة على ضرورة تذليل العقبات من أجل تحقيق نتائج ملموسة في سبيل عودة العلاقات مع مصر، وعليه لم تكن التصريحات التركية بشأن التقارب مع القاهرة وليدة التصريحات الرسمية، لكن الخطوات الجادة في هذا المسار ستكون الحكم في النهاية”.
منذ عام 2013، توترت العلاقات بين البلدين على خلفية إطاحة نظام جماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها السلطات المصرية “إرهابية”، فيما كان نظام التركي برئاسة يدعمها بقوة، وأكد أردوغان في أكثر من مناسبة أنه لن يقبل المصالحة مطلقاً مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
إلا أنه ومع بداية عام 2021 شهدت العلاقات بعض التحسن، وكانت أولى بوادره تصريحات أردوغان في مارس من العام ذاته بأن الجانبين أجريا اتصالات استخباراتية ودبلوماسية واقتصادية، وبأنه يرغب في علاقات قوية مع القاهرة.
وبعد ذلك بأسبوع طلبت الحكومة التركية من ثلاث قنوات مصرية مقرها إسطنبول وتقول القاهرة إنها مرتبطة بجماعة الإخوان، وقف بعض برامجها السياسية وخطابها المعادي للسلطات المصرية، كما تحدثت وسائل إعلام عربية عن إغلاق تركيا ما وصفته بمقار الإخوان في البلاد.
وبالتوازي مع ذلك بدأ البلدان خلال مايو من العام الماضي “محادثات استكشافية” لتطبيع العلاقات، بدأت على مستوى كبار المسؤولين في وزارتي خارجية البلدين، غير أنه سرعان ما تباطأت وتيرة تحسين العلاقات إثر حجم التباينات في المواقف تجاه بعض الملفات، وعلى رأسها الملف الليبي وغاز المتوسط واستضافة تركيا عناصر تابعة لتنظيم الإخوان.
ومثل تسلم القائم بأعمال السفارة التركية في القاهرة صالح موتلو شان مهمات عمله في يونيو (حزيران) الماضي الصعود الأهم والأكبر في العلاقات، وكذلك كان لافتاً مشاركة وفد مصري رفيع المستوى ضم مسؤولين من جهاز الاستخبارات المصرية في لقاء دولي استضافته تركيا حول الأزمة الليبية في 21 من يوليو (تموز) الماضي.
المصدر: اندبندنت عربية