قامت شركة لافارج الفرنسية فرع الولايات المتحدة الأميركية بتمويل ودعم تنظيم داعش. هذا الخبر ليس نتاج هوس العرب والمسلمين بنظرية المؤامرة كما يحب البعض دائمًا أن يصور المسائل، وإنما خبر على قناة بي بي سي البريطانية، وقرار رسمي صادر من محكمة أميركية بعد اعتراف صريح من الشركة الفرنسية أمام المحكمة. والسؤال المهم لماذا ؟؟
لماذا تدعم فرنسا تنظيمًا إرهابيًا وهي التي تهاجمه على المنابر الإعلامية صباح مساء؟ لماذا تدعمه وهي التي تحاصر الإسلام المعتدل في فرنسا وتضيِّق على المسلمين الفرنسيين ويعلو فيها صراخ المسؤولين لمجرد ظهور فتاة محجبة على وسائل الإعلام الرسمية؟! لماذا يحرص الغرب على إعاقة حركة الإسلام المعتدل الحركي الواعي المتعايش مع الغرب في ذات الوقت الذي يدعم فيه من تحت الطاولة الإسلام المتطرف العنيف الرافض للغرب ؟!
في الحقيقة هناك الكثير من الأسباب المحتملة لدعم الغرب لمثل هذه التنظيمات، فقد يكون الدافع سياسي أو اقتصادي أو بهدف إضعاف مجموعات أخرى أو الضغط على بعض الحكومات أو الشخصيات أو تكتيك سياسي قذر أو كلها مجتمعة.
هذه كلها أسباب محتملة، لكن مما لا شك فيه أن واحدًا من أهم الأسباب التي تدفع الغرب الاستعماري لدعم داعش هو محاولة تشويه صورة الإسلام الحقيقي(الأخلاقي العادل المعتدل) في عيون غير المسلمين حيث تتزايد بشكل كبير أعداد المنتسبين إليه وخاصة في الغرب، وفي عيون المسلمين كجزء من خطة شاملة ومشروع ضخم تعمل من أجله جهات كثيرة وازنة بهدف تمييع الهوية الإسلامية والعبث بالمجتمع الإسلامي ونسف جذور الثقافة الإسلامية.
أشارت إحصاءات رسمية نشرتها قناة الجزيرة منذ سنتين أن الإسلام هو أسرع الأديان انتشارًا في إنجلترا. وذكر مركز بيو للأبحاث أن الإسلام هو الأسرع انتشارًا في العالم وأن المسلمون سيشكلون ثلث عدد سكان الكرة الأرضية عام 2050. هذه الإحصاءات وغيرها الكثير من التقارير التي تشير إلى إقبال متزايد من المواطنين في الدول الغربية نحو اعتناق الإسلام كونه يملأ الفراغ الروحي الذي أحدثته الثقافة المادية الفجة التي تبناها الغرب، ويجيب على الأسئلة الكونية التي تعترض ذهن أي إنسان، ويحقق التوازن – المفقود في الغرب – بين احتياجات الجسد والروح، بين الإنجاز على الأرض والالتزام بالقيم. هذه الدراسات والإحصاءات تثير قلق الخبراء والسياسيين الذين يرسمون الاستراتيجيات والخطط المستقبلية لضمان سيطرة الغرب الاستعماري على العالم، من أجل ذلك يعملون بشكل وقائي لمنع ظهور أي منافس حضاري أو سياسي أو عسكري أو حتى اقتصادي قوي يزاحمهم على قيادة العالم. والإسلام بدون شك المنافس الأبرز على مستوى الثقافة والحضارة والوعي الاجتماعي والحضور الإنساني رغم حالة الضعف السياسي والعسكري والتكنولوجي التي تعاني منها معظم الدول الإسلامية.
ما يحصل منذ فترة هو محاصرة الإسلام الحركي الأخلاقي الواعي الطموح إعلاميًا وسياسيًا وثقافيًا والتضييق على رموزه أفرادًا وجماعات، ومن جهة أخرى يتم إنشاء ودعم البديل العسكري المتطرف كممثل عن الإسلام الحركي، والمتصوف المعزول عن الواقع كممثل عن الإسلام الاجتماعي والثقافي. والهدف واضح. صناعة نموذج للإسلام يتراوح بين العنف والتوحش في ميدان الحرب والسياسة وبين الانعزال والسلبية في ميدان البناء والنهضة.
لذلك نعيد السؤال مرة أخرى. لماذا يدعمون داعش؟ إن فرنسا وسواها من الدول الغربية الاستعمارية تحاصر الإسلام المعتدل وتدعم النموذج المتطرف الذي صنعته وتركز عليه بشكل مقصود في إعلامها وتقدمه كنموذج للإسلام في عيون شعوبها لأنها مصابة بالهلع من سرعة انتشار الإسلام في بلادها ولأنها تدرك أثر الديموغرافيا على السياسة في المستقبل، دون أن ننفي أهمية الدوافع الأخرى المذكورة في بداية المقال. يتجاهل الغرب أو ربما يريد أن يتغاضى عن السبب الحقيقي لتمكن الإسلام من التمدد داخل مجتمعاتهم رغم ضعف الدول الإسلامية وغياب المركز القوي الداعم للإسلام. إن سبب إقبال الناس في الغرب على الإسلام – رغم تشويه صورته إعلاميًا – هو سبب فطري إنساني أخلاقي موضوعي تفرضه طبيعة البشر وينسجم مع حركة التاريخ لأنه يلبي حاجة الفطرة والروح لدى أي إنسان لغذاء أهمله الغرب وسخروا منه وحطمته نزعتهم المادية المغرورة تحت أقدامها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك اللهُ بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ، إلا أدخَله الله هذا الدين بعزِّ عزيز أو بذلِّ ذليل).
المصدر: إشراق