تبون يزور موسكو قبل نهاية العام وسط آمال ببدء مرحلة جديدة من التعاون.
يسيطر التعاون العسكري على العلاقات الروسية- الجزائرية بشكل بات يطرح تساؤلات عدة، إذ إنه في حين كان الأمر مفهوماً خلال سنوات ما بعد استقلال الجزائر وكذلك مع الحرب الباردة، يثير استمرار الوضع على حاله الاستغراب، لا سيما أن الجزائر تبحث عن تنويع اقتصادها المبني على الريع النفطي وتنشيط التجارة الخارجية مع رفع الصادرات من خارج قطاع المحروقات، إلى جانب تبادل الخبرات والمعارف واستقدام التكنولوجيا.
حيوية عسكرية
وجاء إعلان وزارة الدفاع الجزائرية عن استقبال رئيس أركان الجيش الفريق أول السعيد شنقريحة، مدير المصلحة الفيدرالية للتعاون العسكري والتقني لروسيا الاتحادية، شوغاييف ديميتري إفغينيفيتش، في إطار تنفيذ برنامج التعاون العسكري الثنائي الجزائري- الروسي، ليثير استفهامات حول حصر التعاون بين البلدين في المجال العسكري من دون باقي المجالات التي توليها الجزائر أهمية كبرى، على غرار المجال الاقتصادي والتعليم العالي.
وبالعودة إلى مسار العلاقات بين الجزائر وروسيا خلال الأشهر الأخيرة، تحرص موسكو على توثيق علاقاتها العسكرية مع الجانب الجزائري بشكل دوري سواء عبر المناورات المشتركة أو اللقاءات العسكرية الرفيعة، وهو ما يكشف عنه انعقاد الاجتماع العادي للجنة الحكومية المشتركة الجزائرية- الروسية المكلفة بالتعاون العسكري والتقني، في 25 مارس (آذار) الماضي، ثم “التمارين التكتيكية المشتركة مع البحريتين الجزائرية والروسية، التي قالت وزارة الدفاع الجزائرية، إنها تمت “في إطار تعزيز علاقات التعاون العسكري الثنائي”، وقبلها مشاركة الجيش الجزائري في مناورات “فوستوك 2022” التي جرت في أقصى شرق روسيا، وهي تمارين سنوية يشارك فيها حلفاء موسكو المقربون، وغيرها من النشاطات العسكرية بعيداً عن صفقات الأسلحة حيث تعتبر الجزائر أحد أهم زبائن موسكو في هذا المجال.
تعاون اقتصادي وتجاري ضعيف؟
ويُنتظر تنظيم مناورات مشتركة للقوات البرية الروسية والجزائرية بقاعدة “حماقير” العسكرية بجنوب غرب الجزائر خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، كانت أعلنت عنها المنطقة العسكرية الجنوبية الروسية في أبريل (نيسان) الماضي، وأشارت إلى أنه تم “عقد المؤتمر التخطيطي الأول بمدينة فلاديقوقاز الروسية للإعداد لمناورات القوات البرية الروسية – الجزائرية المشتركة لمكافحة الإرهاب، التي من المقرر إجراؤها في نوفمبر من هذا العام في قاعدة حماقير في الجمهورية الجزائرية”، وقد أُطلق عليها اسم “درع الصحراء 2022”.
في المقابل، يبقى التعاون الاقتصادي والتجاري بين الجزائر وموسكو ضعيفاً مقارنة بالنشاط العسكري، وهو ما كشف عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال زيارته الجزائر، قائلاً إن “حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال السنة الماضية، بلغ ثلاثة مليارات دولار”، مضيفاً أن “الشركات الروسية مهتمة بتطوير علاقاتها مع الشركاء الجزائريين في مجالات الطاقة، التعليم، الاستكشاف والصناعة الصيدلانية”.
مفهوم الأمن بشكله الصلب العسكري
في السياق، اعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عبد الوهاب حفيان، أن “التعاون الجزائري الروسي اقتصر عادة على ميدان التسليح والتعاون العسكري لأسباب عدة يرجع أغلبها إلى حقبة الحرب الباردة”. وقال إن “المتتبع لحجم المبادلات واتفاقيات التعاون خارج إطار الصناعات والخبرات العسكرية يجدها محصورة جداً ولا تكاد تُذكر، وذلك يعود إلى طبيعة النظامين، لأنه في الحقيقة ما الذي يمكن أن يكون موضوعاً للتبادلات التجارية بين البلدين خارج إطار التعاون العسكري، لا سيما أن الروس منشغلون بالتسويق لأنفسهم كقطب صناعي في المجال العسكري”، مبرزاً أن “هناك نقطة مهمة جداً في التعاون العسكري بين البلدين وهو سعي الجزائر إلى التمسك بالشريك الاستراتيجي الروسي لتفادي الضغوط الدولية حول بيع أسلحة إلى الدول النامية التي يفرضها الموردون خارج روسيا لأسباب عدة أهمها ملف حقوق الإنسان”.
وتابع حفيان، أن “التعاون بين البلدين خارج قطاع المحروقات يمكن أن يتوسع خصوصاً في مجالات الزراعة والصناعات الطاقوية، غير أن الجزائر عادة ما تعتمد سياسة عدم وضع البيض في سلة واحدة، وتنتهج مبدأ تنويع الشراكات”، مشدداً على أن “النظامين ضحية العقلية المرتكزة حول مفهوم الأمن بشكله الصلب العسكري ولا يفكران في بناء وتبني المقاربات غير التقليدية للأمن بخاصة في مجالات الأمن الصحي الذي يمكن للجزائر أن تبني فيه شراكات جادة مع روسيا، لا سيما أنها أحد منتجي لقاحات كوفيد 19 الذي عجزت كل أوروبا عن إنتاجه ما عدا بريطانيا”.
آفاق زيارة تبون إلى موسكو
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن “النظامين يعكفان على مشروع أرضية تعاون مشترك في مجال مكافحة آثار الإجهاد البيئي في أفريقيا، وهو مشروع يصب ضمن مشاريع التنمية المستدامة والأمن الإنساني لعلاقته بالبحث الأكاديمي والاقتصادي في مجال الطاقة المتجددة والنووية السلمية في المستقبل، الذي يمكن أن يطور بشكل كبير آفاق التعاون بين البلدين”.
إلى ذلك، قال وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة “نتمنى أن تتم زيارة الرئيس تبون إلى روسيا قبل نهاية العام، والآن يتم الإعداد لها وهي مهمة لبلدينا، ونحن نشارك بنشاط وإيجابية في التحضير لها”، مبرزاً في تصريح على هامش منتدى باريس للسلام، “لدينا برنامج تعاون واسع النطاق، ونجري حواراً سياسياً عالي الجودة، ونأمل أن تشكل زيارة الرئيس تبون إلى روسيا بداية مرحلة جديدة في علاقاتنا”.
المصدر: اندبندنت عربية