تشير العديد من التقارير الإعلامية المحلية في الداخل السوري، وكذلك تحذيرات من بعض الجهات الحقوقية، إلى وجود حرب غير معلنة تقودها روسيا والنظام السوري وميليشياتهم ضد اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم في سوريا، من مصادرة الأملاك إلى تدميرها أو تفجيرها، وفي أحسن الأحوال انتزاعها منهم بالترهيب وبأبخس الأثمان.
سياسة المعاقبة والانتقام ضد المخيمات الفلسطينية في سوريا، بدأت تتضح معالمها شيئاً فشيئاً جراء هدوء الجبهات العسكرية نسبيا بين النظام السوري وداعميه ضد المعارضة وحاضنتها شمالي البلاد، لتظهر الاحصائيات والتقارير، وجود مشاريع منظمة من قبل دمشق وموسكو لإجبار كل لاجئ من فلسطينيي سوريا، أيد الثورة أو دعمها، إلى دفع ثمن مواقفه، تارة عبر قتله، أو اعتقاله إلى خيارات التهجير، لتكتمل سلسلة الانتقام بمصادرة أملاكه عنوة، والذريعة مكافحة الإرهاب.
مصادر حقوقية فلسطينية وعدد من المصادر المحلية، أكدت أن أجهزة المخابرات التابعة للنظام السوري والميليشيات التي أنتجتها دمشق، تقوم بزعامة من المتنفذين داخل الدولة السورية، بالاستيلاء على أملاك ومنازل اللاجئين في المخيمات الفلسطينية، وذلك بحجج وذرائع مختلفة، منها ما يجري تحت مسمى «مكافحة الإرهاب»، أو الانتماء لفصيل فلسطيني رفض القتال مع الأسد، أو لأن أصحابها ينتمون للمعارضة السورية، خصوصاً في مخيمات الحسينية، سبينة، خان الشيح والعائدين في حمص، ومخيم الرمل باللاذقية.
فريق «مجموعة العمل لأجل فلسطينيي سوريا»، وهي مؤسسة إعلامية حقوقية متخصصة برصد أحوال اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، قال لـ»القدس العربي»: «النظام السوري ابتكر وسائل جديدة وعديدة للانتقام من أبناء المخيمات الفلسطينية الذين وقفوا مع المعارضة السورية أو أبعدتهم الحرب عنوة عن بيوتهم، فقد عمل منذ بداية الأحداث في سورية عام 2011 وحتى اليوم على هدم الكثير من البيوت والاستيلاء عليها بعد مصادرتها وتفجير بعضها».
في مخيم الحسينية للاجئين الفلسطينيين في ريف دمشق منعت قوات الجيش السوري النظامي العديد من عائلات المخيم بعد إعادة السيطرة عليه من العودة إليه، وأبلغوهم أن جميع ممتلكاتهم تحت تصرف جيش النظام. وقامت تلك القوات، بتفجير بيوت العديد من منازل الناشطين الإغاثيين والإعلاميين، كما صادر النظام السوري عدة منازل لفلسطينيين، اتهم بالتبعية لحركة حماس الإسلامية.
المجموعة الحقوقية – غير حكومية، أكدت أن عائلات محسوبة على النظام السوري استولت على عدد من المنازل تعود ملكيتها للاجئين فلسطينيين في مخيم الحسينية، منوهين إلى أن تك العائلات من الطائفة الشيعية، واتهم اللاجئون الفلسطينيون، النظام السوري ومجموعاته الطائفية الموالية له في ريف دمشق، باستغلال عدم وجود العائلات الفلسطينية وجلب عائلات موالية لهم وعائلات مقاتلين مع النظام، وإسكانهم في تلك المنازل.
وكانت حالات مشابهة حدثت في منطقة الذيابية في ريف دمشق، حيث استطاع بعض العائدين إلى المنطقة من دخول منازلهم واقتسامها مجبرين مع العائلات الموالية للنظام.
النظام السوري، ليس وحده من ينتهك القانون الدولي بما يخص اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات السوري، وإنما توجد روسيا وجيشها الداعم للأسد في صلب هذا الموضوع، ووفق الجهة الحقوقية، فإن القوات الروسية تمول وتدير عمليات شراء منازل وأملاك الفلسطينيين في مخيم «حندرات» في حلب شمالي سوريا، وذلك باستخدام الترهيب وسطوة النظام السوري في ذلك.
ووفق فريق مجموعة العمل، فإن ميليشيا «لواء القدس» الموالية للنظام السوري تشتري المنازل والممتلكات في مخيم عين التل (حندرات) للاجئين الفلسطينيين في حلب بأسعار زهيدة، في حين أكد ناشطون من مخيم حندرات أن سماسرة المنازل استطاعوا شراء أكثر من 50 منزلاً من أصحابها بالمخيم، مستغلين فقر الأهالي وحالة الإحباط الموجودة بينهم لعدم وجود برنامج إعادة إعمار للمخيم.
لتقول مجموعة العمل لأجل فلسطينيي سوريا وفق الشهادات الحاصلة عليها: إن القوات الروسية في سوريا تقف خلف عمليات شراء «لواء القدس» لمنازل المخيم وبتمويل منها، مرجحين وجود نية لبناء قاعدة عسكرية في المخيم.
عدنان السيد، وهو أحد قيادات ميليشيات «لواء القدس» الفلسطينية الموالية للجيش الروسي في سوريا، وتقاتل إلى جواره، كان قد نشر في العاشر من شهر نيسان/أبريل 2015 وثيقة رسمية وقراراً حكومياً من دمشق، بالاستيلاء على منازل المغتربين من اللاجئين الفلسطينيين، وهدد السيد بأنه لن يسمح بعودة المغتربين من أبناء مخيم النيرب إلى مخيمهم في المستقبل.
مجموعة العمل، نقلت عن أحد المحامين الفلسطينيين السوريين قوله: «الدستور والقوانين السورية تكفلا بحماية حقوق الملكية بأنواعها، ولا يجوز الاستيلاء عليها او استملاكها إلا بموجب حكم محكمة، وقد نصت المادة 15 من دستور الجمهورية العربية السورية على: أن الملكية الفردية لا تنزع إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون».
وقد عمد نظام الاسد قديماً وحديثاً للاستيلاء على املاك معارضيه ومنحها لأزلامه دون تمليكها لهم، واستدرك قائلاً إلا أنه مع انعدام الأمن وانتشار الفساد وغلبة نفوذ الميليشيات التابعة للنظام انتشرت خلال فترة الحرب عمليات تزوير صكوك ووثائق الملكية العقارية، بهدف الاستيلاء على أملاك النازحين والمهجّرين بطرق غير شرعية. وساعد ضعف السلطة القضائية وغياب المحاسبة، وتواطؤ بعض موظفي النظام مع المزورين في استفحال هذا الأمر بشكل لافت مؤخراً.
وفي آخر وأحدث إحصائية للضحايا من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا منذ ثورة عام 2011، فقد وثقت الجهة الحقوقية مقتل 4048 لاجئاً على يد النظام السوري، في حين اعتقلت مخابرات الأسد 1797 لاجئاً، بينهم 110 سيدات، فيما قضى تحت التعذيب في سجون دمشق 620 لاجئاً.
أما عدد المفقودين فقد تجاوز 332 لاجئاً، بينهم 40 سيدة، في حين أن 206 من اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك جنوبي دمشق، توفوا جراء الحصار والجوع ونقص الأغذية والرعاية الطبية.
المصدر: «القدس العربي»