المؤتمر الصحافي، الذي عقدته سناء شقيقة الناشط المصري المعتقل علاء عبد الفتاح، على هامش قمة المناخ، في مصر، لم يكن إحراجا لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، فقط، بل كان محاولة لفتح ثغرة في سياسة هذا النظام التي يتّبعها في التعامل مع الغرب، لترسيخ سلطته وضمان ديمومتها، أطول وقت ممكن.
فحسب تسريبات صحافية، كل همّ السلطة في القاهرة من المؤتمر، تحصيل أموال ستخصص للدول الفقيرة لمساعدتها على مواجهة التغير المناخي. وانطلاقا من انعدام الشفافية، وسوء الإدارة، وانتشار الفساد في مصر، فإن هذه الأموال، التي ستدفع من قبل الدول الغنية للقاهرة، لا شيء يضمن استخدامها بالشكل المطلوب، رغم وجود مراقبة دولية.
مصير الأموال الغامض، مجرد نتيجة لما هو أساس، أي استغلال السيسي لأولويات الغرب، لمراكمة مكاسب لنظامه الذي يواجه حاليا تحديا اقتصاديا، فاندراج الأخير في مسألة التغيير المناخي التي يضعها الغرب على رأس سلّم أولوياته، ويحاول التخفيف من تأثيراتها، يأتي كالعادة بشكل ملتو، عبر استغلال حاجة الدول الغربية، وتجييرها مصلحيا بشكل ضيق وانتهازي. وبديهي، أن نظاما ذا طبيعة استبدادية، من الصعب عليه، أن يندمج مع مساع دولية، ترتبط بقيم، وأولويته غالبا ما تكون في كيفية الاستفادة من هذه المساعي، وليس ترجمة الأخيرة لأهداف، والعمل على تحقيقها. وهذا الأمر، ليس جديدا على نظام السيسي، بل يكاد يكون سياسة دائمة في التعامل مع الغرب.. ملفات كالمهاجرين، والإرهاب، وجولات الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، جميعها موضع استثمار من قبل السلطة في القاهرة، حيث تخلو من أي مضمون لتطوير مقاربات تساعد على التقدم في حلها، وتنحصر في وظائف، جُلها أمني. وهنا تحديدا، تأتي أهمية، ما قامت به سناء شقيقة علاء عبدالفتاح، إذ حاولت كسر هذه السياسة السيساوية في التعامل مع الغرب، انطلاقا من الاندماج في الأخير مع ثقافته الحقوقية وأدوات النضال المدني، ومن أجل الضغط في قضية عادلة، وليس استثمارا سلطويا ضيقا. سناء، قدّمت نموذجا مضادا في هذا السياق، مفاده أننا جزء من العالم ومندرجون في ثقافته الحقوقية، لا نتحايل عليه بأساليب ملتوية، كما يفعل النظام. صحيح أن، جنسية شقيقها البريطانية سهّل مهمتها، التي تبدت في اعتصام أمام الخارجية البريطانية، ثم حضور مؤتمر المناخ، وتحدي النظام في داره، لكن الصحيح أيضا، أن لدى العائلة قناعة بأن خلاص ابنها، لا يأتي من البكائيات، بل من النضال المدني المتمثل في الإضراب والاعتصام والضغط واستغلال حدث قمة المناخ، وهذا إن لم يتوفر في بيئة مصرية، يمكن توفيره في بيئة غربية.
النائب المصري الذي أرسلته السلطة للتشويش على مؤتمر سناء، صرخ «أنتم تستقوون على مصر بدول أجنبية»، من دون أن ينتبه أن هذه ليست تهمة، إذ إن «الاستقواء»، انطلاقا من المعنى الذي صنعته عائلة عبدالفتاح، هو فتح ثغرة في الاحتكار السيساوي للتعامل الملتوي مع الغرب، ومنح فرصة لمصر، لتصويب اتصالها مع الأخير، انطلاقا من ثقافته الحقوقية، وبما يحصل حقوقا في قضايا عادلة.
هذا النموذج المقترح، من قبل عائلة الناشط المصري المضرب عن الطعام والشراب، سلوك جديد، لم يكن يوما مألوفا لدى المعارضين العرب، حيث يستسهل جزء، ليس قليلا منهم، اتهام الغرب بالتآمر مع الأنظمة لقمعهم، مؤسسين بذلك التواء جذريا في التعامل مع الغرب، وهو أخطر بكثير من الذي تتبعه الأنظمة. وقد يفسر ذلك، ربما، عدم حماسة إعلام «الإخوان المسلمين»، لقضية علاء عبدالفتاح، الذي سبق أن عارض الجماعة، حين كانت في الحكم. فهذا الناشط كان في لاوعي الإسلام السياسي «مستقويا بالخارج» الذي تآمر على حكم الراحل محمد مرسي، و»أسقطه»، حسبما يرد دائما في أدبيات الجماعة.
بين أساليب السيسي الملتوية، واتهام معارضين للغرب بالتآمر، ثمة، قول ثالث يمكن رصده من خلال كفاح عائلة عبدالفتاح من أجل حرية ابنها، وبقاؤه على قيد الحياة.
كاتب سوري
المصدر: القدس العربي