وقع الكثير من أهالي إدلب ضحية الاعتقال في سجون النظام السوري، ليعيش ذووهم على أمل أن يكون فقيدهم على قيد الحياة، وسط مساع كثيرة ومحاولات لإنقاذهم، أو معرفة مصيرهم، فيعيشون المعاناة والانتظار ويدفعون المال لقاء معرفة أي خبر عنهم، فيما يجد الكثيرون أنفسهم ضحية لخداع الوسطاء والمسؤولين الذين اتخذوا من مسألة الاعتقال والإخفاء القسري باباً للرزق وابتزاز أهالي المعتقلين.
أم ابراهيم (49 عاماً) من مدينة إدلب، اعتقل ولدها البالغ من العمر 22 عاماً أثناء تواجده في جامعة حلب بداية عام 2018، وعن معاناتها تقول: “كان ولدي يرغب بإكمال دراسته الجامعية في كلية الصيدلة، حين قام عناصر أمن تابعين للنظام السوري بمداهمة السكن الجامعي واعتقاله بحجة التعامل مع المسلحين والإرهابيين، فقمت بالسفر إلى مدينة حلب في محاولة للبحث عنه، ومعرفة مصيره، وهناك وقعت ضحية عمليات النصب والاحتيال، حيث وصلت إلى محام باعني الأمل الزائف، وادعى بأنه قادر على إخراجه من السجن مقابل مبلغ مالي .” وتشير أم ابراهيم أنها لم تتردد في دفع المبلغ المطلوب، وعن ذلك تضيف: “عمدت لدفع مبلغ ألفي دولار أميركي، ولكن سرعان ما فقدت التواصل مع المحامي الذي غير رقم هاتفه وتوارى عن الأنظار .”مؤكدة أنها عادت إلى مدينة إدلب، لا تملك سوى خيبة الأمل وقلب أم يكتوي بنار فراق ولدها، والخوف أن يكون مصيره الموت تحت التعذيب.
سالم العويد (29 عاماً) نازح من مدينة خان شيخون إلى مدينة سرمدا بريف إدلب الشمالي، تم اعتقال والده نهاية عام 2019 أثناء سفره إلى مدينة حماة لاستخراج وثيقة جواز سفر، وعن ذلك يتحدث العويد لإشراق: “حاولنا كثيراً معرفة مكانه، وأنفقنا الكثير من الأموال لمعرفة أي معلومات عنه دون جدوى، وقد تلقينا وعوداً لإخراجه من السجن، لنكتشف فيما بعد بأننا كنا ضحية كذب وخداع لابتزازنا مادياً .”
أما زوجات المعتقلين فيعانين من أوضاع اجتماعية واقتصادية صعبة مع فقدان الأمان وعدم الاستقرار، نتيجة مصير الزوج المجهول والحاجة المادية.
جميلة القدور (28 عاماً) من معرة النعمان اعتقل زوجها عام 2016 لتظل مع ولديها، وسط عجزها عن الإنفاق عليهما، وتأمين منزل يأويهم، فلجأت إلى بيت أهلها منتظرة عودة زوجها المفقود على أمل الإفراج عنه، وتؤكد جميلة بأنها طلبت تدخل أحد الوسطاء للتحري عن مصير زوجها الذي أكد بأنه قضى في سجون النظام، لتعيش بعد ذلك صراعاً بين رغبة أهلها بتزويجها من رجل آخر، وخوفها على أبنائها ومذمة المجتمع لها.
من جانبها سلام المصطفى(33 عاماً) نازحة من بلدة جرجناز إلى مخيم في بلدة كللي شمال إدلب، تجهل مصير زوجها الذي اعتقل أثناء عودته من دولة لبنان عام 2015، وما تزال حتى اليوم تجهل تهمته ومصيره، وعن ذلك تقول لإشراق: “أواجه مع أولادي الأربعة الفقر والعوز إلى جانب حياة النزوح والتشريد، فضلاً عن قلة فرص العمل وارتفاع الأسعار والظروف المعيشية الصعبة .”
وتلفت المصطفى أنها تعمل ضمن الورشات الزراعية لتنفق على أولادها، إلى جانب سلة الإغاثة التي تحصل عليها شهرياً من جمعية خيرية، وتضيف المصطفى:” أتحمل كل أعباء الحياة على أمل أن يكون زوجي على قيد الحياة، ويتم الإفراج عنه ليعود إلينا .”
الشابة رولا الحميدو(27 عاماً) من مدينة سرمين شمالي إدلب، انتظرت زوجها لمدة أربع سنوات، ثم قررت الزواج بعد أن سمعت بخبر وفاته، وعن ذلك تقول: “بعد حوالي 6 أشهر من زواجي به، تم اعتقاله في مدينة حماة، وبعد السؤال عنه وتحري مصيره أخبرنا أحد الوسطاء أنه فارق الحياة بسبب التعذيب، فعمدت للزواج من رجل آخر، لكنني أصبحت متهمة بالخيانة وقلة الوفاء من قبل المجتمع المحيط وخاصة أهل زوجي .”
استخدم النظام السوري الإخفاء القسري كاستراتيجية للقمع وكم الأفواه، ليعيش ذووهم محكومين بالأمل أن يكون ولدهم على قيد الحياة، ويخرج من ظلام سجنه، ويتحسسون أخبار من غابوا عنهم، لعلهم يتلقون خبراً ينهي الانتظار، ويعيد الفرح والبهجة إلى النفوس المتعبة.
المصدر: إشراق