وزراء الخارجية توصلوا إلى تفاهمات بعد تضييق مساحات الاختلاف في وجهات النظر ليتم التوافق على مقررات القمة.
لا يزال “التوتر” بين الجزائر والمغرب يسيطر على المشهد العام للقمة العربية على الرغم من أن اليوم الثاني لاجتماع وزراء الخارجية التحضيري جاء هادئاً، إذ وبعد احتجاج وزير الخارجية المغربي على خريطة العالم العربي وما تبعه من إشاعات عن مغادرته إلى بلاده، ردت الجزائر على تصريحات تطعن في مراسيم استقبال الوفد المغربي وتشير إلى خروقات بروتوكولية.
وفي ظل الأزمات المتعددة التي تعانيها المنطقة العربية، والتحديات التي ستزيدها ألماً أمام التحول الدولي الذي يرافق الحرب الروسية الأوكرانية، غلب “القيل والقال” بين الجارين المغاربيين على قمة لم تنعقد منذ 3 سنوات، وراهنت عليها الشعوب العربية من أجل العودة إلى صناعة القرار الدولي.
وبعد الاحتجاج وتبادل الكلمات بين وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة ونظيره الجزائري رمطان لعمامرة والأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، بسبب خريطة للعالم العربي نشرتها قناة جزائرية على موقعها الالكتروني، وما تبعه من مغادرة الوفد المغربي لقاعة الاجتماعات، وهو الوضع الذي استدعى إصدار الأمانة العامة للجامعة العرية لبيان رسمي يوضح الالتباس ويحدد المسؤوليات، واعتذار القناة وسحب الخريطة، جاء الدور على الجزائر التي استنكرت ما يتم تداوله بخصوص مراسم استقبال الوفد المغربي.
رد على التشكيك
وعبّر مصدر دبلوماسي جزائري عن أسفه للتصريحات التي نقلتها بعض وسائل الإعلام حول مزاعم بـ”خروقات بروتوكولية” خلال استقبال الوفد المغربي المشارك في أشغال المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية، وقال إن هذه المزاعم ليس لها أي أساس من الصحة، إذ أن مراسم الاستقبال التي حظي بها الوزير المغربي، هي نفسها التي خصت بها باقي الوفود العربية المشاركة التي أعربت جميعها عن ارتياحها لحسن الاستقبال والمرافقة منذ وصولها وخلال إقامتها بالجزائر، مشدداً أنه “خلافاً لهذا الادعاء، الوزير المغربي نفسه حرص على تقديم الشكر للجزائر على حسن الاستقبال وكرم الضيافة أثناء مداخلته خلال أشغال الاجتماع الوزاري”.
وأضاف المصدر الجزائري بخصوص ما تم تناقله بشأن “تقصير” في الترتيب البروتوكولي خلال الاجتماعات الرسمية أو المأدبات المنظمة على شرف الوفود، أن الجزائر عملت بمبدأ الترتيب المعتمد من قبل الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، موضحاً أن “هذه الادعاءات التي أصبحت مألوفة ولا يخفى هدفها على أحد، بما في ذلك تلك المتعلقة بالتشكيك في الاحترافية العالية التي أظهرتها الكفاءات الجزائرية في المحافل الدولية، لا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تشوش على أشغال قمة الجزائر التي بدأت بوادر نجاحها تقلق بعض الأطراف التي تسعى كعادتها إلى إفشال أي جهود تهدف إلى الوحدة والتضامن ولم شمل الأشقاء العرب”.
جهود كويتية – أردنية
وأمام هذا الوضع المتشنج، و من أجل إذابة بعض الجليد، ذكر مصدر جزائري على صلة بالحدث، في تصريح مقتضب لـ”اندبندنت عربية”، أنه قبل انعقاد الجلسة التشاورية الثانية يوم الأحد، بذلت أطراف كويتية وأردنية جهوداً لخفض التوتر بين البلدين، موضحاً أن التحرك ساهم بشكل كبير في تهدئة الوضع وتجاوز “الشد”، ما سمح باستمرار اجتماع وزراء الخارجية التحضيري في هدوء، مشيراً إلى أن الجانب الجزائري طبق بروتوكولات الاستقبال نفسها على مجموع الوزراء لدى وصولهم إلى الجزائر، وجرى استقبالهم من قبل نفس المسؤول المساعد لوزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، وختم أن الحضور تمكنوا من الوصول إلى تفاهمات بعد تضييق مساحات الاختلاف في وجهات النظر، خاصة في ما تعلق بتدخل تركيا في ليبيا، وإيران في المنطقة العربية، ليتم التوافق على مقررات القمة كما كان متوقعاً.
في السياق نفسه، أوضح الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حسام زكي، في كلمة له ببهو قاعة المؤتمرات، أنه تم التوافق على جميع القضايا التي تم طرحها، وأكد أنه لم يتم تأجيل أي بند، موضحاً أن الأمور المعروضة على القمة ستكون بتوافق جميع الوفود.
أخطر الملفات؟
إلى ذلك، يرى الباحث المصري المهتم بالشؤون العربية، رئيس مركز دراسات سياسية واستراتيجية، حامد فارس، في تصريح لـ”اندبندنت عربية”، أن “هذه القمة تجري في ظل أحداث دولية وإقليمية وعربية شديدة التعقيد، كما أنها تنظم في ظروف استثنائية نتيجة وجود ملفين يؤثران بشكل كبير على الموعد، الأول هو التوتر الكبير بين الجزائر والمغرب، والثاني الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى عدد من الملفات التقليدية”، معتقداً أن أخطر الملفات التي تؤثر على وحدة الصف العربي ولا يمكن تجاوزها أو استمرارها لوقت طويل هو تصاعد حدة الخلافات بين الجزائر والرباط والتي ألقت بظلالها على اجتماعات وزراء الخارجية، وعليه فإن الصراع الدبلوماسي سيكون حاضراً وبقوة خلال قمة الجزائر التي من المفترض أنها تسعى لتوحيد كلمة العرب، وقال إنه “على الطرفين تغليب المصلحة العليا من خلال العمل على وضع هذه الخلافات جانباً وعدم افتعال أزمات جديدة من شأنها تفتيت الصف العربي خاصة أن الصراع الجزائري المغربي من الممكن أن يؤدي إلى فتنة عربية”.
وواصل فارس، أن هناك بوادر إيجابية بدأت من الجزائر بتوجيه الدعوة إلى ملك المغرب محمد السادس، لحضور القمة العربية و”لا يوجد أي حل لإنهاء هذه النزاعات والتوترات إلا من خلال الجلوس على طاولة الحوار”، مبرزاً أنه يجب العمل على أن تكون قمة الجزائر بداية جديدة للم الشمل العربي في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه المنطقة العربية سواء الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها على الأمن الغذائي العربي، والتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية، وبالتالي “لابد من الترفع عن صغائر الأمور وعدم اختلاق مشكلات قد تكون سبباً معرقلاً لبداية عودة الأمور إلى طبيعتها”.
تهديدات إيران تزيد من الخلافات
رغم إعلان جامعة الدول العربية بأنه تم احتواء التوتر بين المغرب والجزائر في الاجتماعات التي سبقا الانعقاد الرسمي للقمة العربية، فإن اللافت كانت المشادات التي حصلت في الجلسة المغلقة بين وزيري خارجيتي البلدين.
وكان الوفد المغربي قد اقترح إدراج نقطة تسليح إيران لجبهة البوليساريو بالطائرات المسيرة واستهدافها للأراضي العربية في الخليج أو المغرب ضمن جدول أعمال القمة العربية. وأوردت مصادر إعلامية أن الاقتراح قابله وزير الخارجية الجزائري بالرفض التام، قبل أن يبادره رئيس الدبلوماسية المغربية بالقول إن لا حق له في الرفض، لأن الأمر يتعلق بتصويت الدول الأعضاء.
وأدى تجاهل وزير الخارجية الجزائري لرد نظيره المغربي جعل هذا الأخير يعيد الطلب، والذي سانده فيه “معظم من كانوا داخل قاعة الاجتماعات”، قبل أن يغادر بوريطة القاعة دون مغادرة البلاد.
ويتهم المغرب إيران بتزويد جبهة البوليساريو، المطالبة بانفصال الصحراء عن المملكة، بطائرات مسيرة، وتقول الرباط إنها تمتلك أدلة على امتلاك الجبهة هذه الطائرات العسكرية من طهران، متوعدة إياها برد قوي في حالة ما إذا تم استخدامها ضد المصالح المغربية في الصحراء.
وعلق محمد شقير، الباحث في الشأن الدولي، على الموضوع بقوله إن إدراج نقطة التهديد الإيراني في المنطقة العربية شكل خلافاً بين الدول الأعضاء وانعكس خلال الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية العرب.
وتابع، في تصريحات لـ”اندبندنت عربية” بأن طرح نقطة تسليح إيران لجبهة البوليساريو يشكل إحراجاً للبلد المنظم للقمة العربية”، لأن هذا سيؤثر على وضعها كبلد يساهم في حل المشاكل الكبرى التي تهدد المنطقة العربية، ويتقاطع مع التخوف من التهديد الإيراني لدول المنطقة.
واستطرد المتحدث بأن هذا المعطى جعل الدول الأعضاء تساند المغرب في ضرورة تضمين هذه النقطة ضمن جدول أعمال القمة، في حين تحاول الجزائراستبعاد هذه النقطة، وبالتالي ستجد الجزائر نفسها مضطرة إلى إيجاد صيغة توافقية لطرح هذه النقطة ومناقشتها ضمن جدول أعمال القمة المقبلة.
من جهته يقول عبد الفتاح الفاتحي، الباحث في العلاقات الدولية، إن “إدراج نقطة التدخل الإيراني في الشأن الداخلي العربي مطلب أصيل وعليه إجماع عربي إلا من وجهة نظر الجزائر”.
واسترسل الفاتحي بأن تسليح إيران لجبهة البوليساريو عبر المسيرات يهدد الأمن والسيادة الوطنية للبلدان العربية، متسائلاً “عن طبيعة التحالف الذي يجمع الجزائر وإيران حتى ترفض الجزائر إدراج نقطة الإدانة في جدول الأعمال”.
وأبرز بأن “المغرب وباقي الدول العربية لن تتخلف عن إدانة الضلوع المتواصل لإيران بالتدخل المباشر في الشأن الداخلي العربي، بل والتدخلات العسكرية عند تمكين جبهة البوليساريو من طائرات مسيرة عسكرية تهدد الأمن والاستقرار العربي”.
المصدر: اندبندنت عربية