من الأسهل بكثير التنبؤ بمستقبل العولمة أو تلوث الهواء عندما يكون المحللون أمام مؤشرات مباشرة -التقدم التقني، والصادرات، وتقييم العملات وجودة نوعية الهواء. لكن الحديث عن إعادة اختراع المجتمع، مع القليل من المصداقية للإقلاع، هي المعادل للمضاربة الفكرية، خاصة عندما يكون ما يدعى بالمثقف منفصلاً بالكامل تقريباً عن خبرات المجتمع اليومي. المشكلة في معظم التحليلات عن “أشكال المستقبل” المختلفة التي تنتظرنا هي أن عدداً قليلاً جداً من هذه التوقعات يعتمد على فحص صادق للمشاكل التي ابتلي بها ماضينا والتي تبتلي حاضرنا.
* *
النبوءات حاضرة هنا، والنتيجة يمكن توقعها بيقين معقول: سوف يبدو عالم ما بعد فيروس كورونا مختلفا بشكل أساسي عن أي شيء رأيناه أو خبرناه، على الأقل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
حتى قبل “تسطيح المنحنى” في العديد من الدول التي عانت من حصيلة وفيات عالية -ناهيك عن الدمار الاقتصادي- نتيجة للتفشي الذي لا يعيقه شيء لمرض “كوفيد-19″، شرع المفكرون والفلاسفة في التكهن، من راحة أماكن حجرهم الصحي، حول الكثير من السيناريوهات التي تنتظرنا في الأمام.
كتبت مجلة “فورين بوليسي” في تحليل مقروء على نطاق واسع بعنوان “كيف سيبدو العالم بعد جائحة فيروس كورونا”، أن من المرجح أن تكون للدمار الذي يحدثه الفيروس تداعيات تماثل “سقوط جدار برلين أو انهيار بنك ليمان براذرز”.
بينما قفزت الصحف الكبرى ووسائل الإعلام الإخبارية إلى العربة لمحاولة بناء مختلف الاحتمالات لمرحلة ما بعد فيروس كورونا، سعت مجلة “فورين بوليسي” إلى طلب وجهات نظر اثني عشر مفكراً، يقدم كل منهم قراءته الخاصة للمستقبل.
خلص ستيفن م. والت إلى أن “كوفيد- 19 سيصنع عالماً أقل انفتاحاً وأقل ازدهاراً وأقل حرية”.
وكتب روبن نيبليت أنه “من المستبعد للغاية… أن يعود العالم إلى فكرة العولمة المفيدة بشكل متبادل التي ميزت أوائل القرن الحادي والعشرين”.
وتستحق عبارة “المفيدة بشكل متبادل” مقالة خاصة مختلفة تماماً، لأنها زعم يمكن أن تطعن فيه الكثير من الدول الصغيرة والفقيرة.
ولكن، مهما يكن من أمر، كانت العولمة نقطة محورية للنقاش بين العديد من المفكرين الاثني عشر، على الرغم من أن نقطة الخلاف الرئيسية كانت تدور حول ما إذا كانت العولمة ستبقى في شكلها الحالي كما هي، أو أنها ستتم إعادة تعريفها أو التخلص منها جملة وتفصيلاً.
كتب كيشور محبوباني أن “جائحة ‘كوفيد-19’ لن تغير بشكل أساسي الاتجاهات الاقتصادية العالمية. سوف تسرّع فقط وتيرة التغيير الذي بدأ مسبقاً: الانتقال من عولمة متمركزة حول الولايات المتحدة إلى عولمة تتمحور حول الصين”.
وهكذا…
وبينما ركز الاقتصاديون السياسيون على تأثير “كوفيد-19” على الاتجاهات الاقتصادية الرئيسية والعولمة والتحول الناتج في القوة السياسية، أكد علماء البيئة حقيقة أن الحجر الصحي، الذي أثر على الغالبية العظمى من سكان العالم، يبعث الآمال في أن الأوان ربما لا يكون قد تأخر كثيراً بالنسبة لكوكب الأرض بعد كل شيء.
ثمة العديد من المقالات، التي تستشهد بالبحث العلمي وتأتي مصحوبة بمعارض الصور التي تظهر السماء الزرقاء فوق دلهي والمياه الصافية في البندقية، والتي تؤكد جميعها أن تأثير “التغيير” القادم سيثبت أنه أوضح ما يكون في قضية البيئة.
مع ظهور النبوءات على قدم وساق، حتى الفلاسفة الذين كانوا قد فقدوا مصداقيتهم مثل سلافوي جيجيك Slavoj Žižek، حاولوا الشروع في عودة، وعرضوا تنبؤاتهم الخاصة عن “الفيروسات الإيديولوجية”، بما في ذلك “فيروس التفكير بمجتمع بديل،؛ مجتمع يتخطى الدولة القومية؛ مجتمع يحقق نفسه في أشكال من التضامن والتعاون العالميين”.
في مقالته المنشورة في صحيفة “داي فيلت” الألمانية، يقترح جيجيك ما يصفه بأنه “مفارقة”: بينما يوجه ‘كوفيد-19’ “ضربة للرأسمالية”، فإنه “سوف يجبرنا أيضاً على إعادة اختراع الشيوعية على أساس الثقة في الناس والعلم”.
من المفارقات أن يكون جيجيك نفسه، الذي يُشار إليه في كثير من الأحيان باسم “فيلسوف المشاهير”، دعا قبل بضعة أعوام فقط إلى خطاب عرقي يستهدف اللاجئين والمهاجرين والمسلمين.
في كتابه “اللاجئون والإرهاب ومشاكل أخرى مع الجيران”، قال جيجيك: “لم أحب أبداً هذا النهج الإنساني بحيث أنك إذا تحدثت معهم حقاً (يعني لاجئي الحرب الذين سعوا إلى الأمان في أوروبا) فإنك تكتشف أننا جميعاً نفس الناس. كلا، إننا لسنا كذلك -لدينا اختلافات جوهرية”.
وفي مقال يناقش كتاب جيجيك، والذي نُشر في “كوارتز”، كتبت أناليزا ميريلي Annalisa Merelli: “بعد الهجمات الإرهابية التي وقعت في باريس في العام 2015، حذر جيجيك من أن الليبراليين بحاجة إلى التخلص من المحرمات التي تمنع المناقشة المفتوحة للمشاكل التي تأتي من قبول أشخاص من ثقافات مختلفة في أوروبا، ولا سيما مسألة إنكار وجود أي خطر على السلامة العامة يأتي من اللاجئين”.
وقد ذهب هذا “الفيلسوف الماركسي” المفترض شوطاً أبعد من ذلك، مستعيراً من اللاهوت المسيحي لشرح أن “الشعار المسيحي ‘أحب جارك كما تحب نفسك’ ليس بالبساطة التي يبدو عليها”، منتقداً “الحظر” المزعوم الذي تفرضه بعض الدوائر اليسارية على “أي نقد للإسلام”.
“إنها حقيقة بسيطة أن معظم اللاجئين يأتون من ثقافة لا تتوافق مع المفاهيم الأوروبية الغربية لحقوق الإنسان”، كتب جيجيك، متجاهلاً تماماً حقيقة أن الإمبريالية الغربية والاستعمار وحروب الهيمنة الاقتصادية هي التي كانت المحفزات الرئيسية وراء أزمات الشرق الأوسط لمدة قرن على الأقل.
سيكون من الآمن أن نفترض أن “إعادة ابتكار الشيوعية غير التقليدية” على طريقة جيجيك تستبعد ملايين اللاجئين الذين يدفعون -ليس ثمن علل “الاقتصاد العالمي” -كما يقترح عن قناعة- وإنما ثمن الهيمنة الغربية المدفوعة بالحرب والكولنيالية الجديدة.
إن تركيزنا الذي يبدو غير متناسب على أفكار جيجيك المزعجة، إنما يقصد فقط إلى توضيح أن “فلسفة المشاهير” ليست عديمة الفائدة في هذا السياق فحسب، بل إنها تشكل أيضاً تشتيتاً للانتباه عن إجراء المناقشة الملحة حقاً حول آليات التغيير العادل في المجتمع، وهي عملية تعرقلها حاليًا الحرب والعنصرية وكراهية الأجانب وإيديولوجيات اليمين المتطرف المتمركزة على الشعبوية.
في الحقيقة، من الأسهل بكثير التنبؤ بمستقبل العولمة أو تلوث الهواء عندما يكون المحللون أمام مؤشرات مباشرة -التقدم التقني، والصادرات، وتقييم العملات وجودة نوعية الهواء.
لكن الحديث عن إعادة اختراع المجتمع، مع القليل من المصداقية للإقلاع، هي المعادل للمضاربة الفكرية، خاصة عندما يكون ما يدعى بالمثقف منفصلاً بالكامل تقريباً عن خبرات المجتمع اليومي.
المشكلة في معظم التحليلات عن “أشكال المستقبل” المختلفة التي تنتظرنا هي أن عدداً قليلاً جداً من هذه التوقعات يعتمد على فحص صادق للمشاكل التي ابتلي بها ماضينا والتي تبتلي حاضرنا.
ولكن كيف نرسم فهماً أفضل واستجابة مناسبة للمستقبل وتحدياته العديدة إذا لم نواجه -ونحل المشاكل التي أوصلتنا إلى هذه النقطة الكئيبة من الأزمة العالمية؟
إننا نتفق. المستقبل سوف يجلب التغيير. ينبغي أن يفعل. حتماً يجب أن يفعل. لأن الوضع الراهن غير مستدام، ببساطة. لأن الحروب في اليمن وليبيا وسورية وأفغانستان؛ والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين؛ والتجريد من الانسانية والخنق الاقتصادي لأفريقيا وأميركا الجنوبية، وما إلى ذلك، يجب أن لا يُسمح لها بأن تكون حدثاً يومياً دائماً.
ولكن، حتى يصل هذا المستقبل الأفضل والأكثر إنصافاً، يجب أن يكون فهمنا له مستقراً في إطار نظرة إنسانية صالحة تاريخياً، إنسانية ويمكن الدفاع عنها أيديولوجياً لعالمنا المضطرب، وأنفسنا والآخرين -وليس ضمن وجهة النظر المنفصلة والجاسئة للتيار السائد من الاقتصاديين الغربيين أو فلاسفة المشاهير.
من الغريب حقاً كيف يستطيع جيجيك وأمثاله اعتناق وجهة نظر متمركزة عرقياً لأوروبا والمسيحية بينما ما يزال يُنظر إليهم على أنهم “شيوعيون”. أي سلالة غريبة من الشيوعية هي هذه الأيديولوجية التي لا تعترف بمركزية وتاريخ الصراعات الطبقية العالمية؟
إننا إذا أردنا أن نضع النضال الطبقي الماركسي بمعنى أوسع وأكثر عالمية، فإن من المناسب والمقبول أن نفترض أن القوى الغربية كانت تمثل تاريخياً “الطبقات الحاكمة”، في حين أن نصف الكرة الجنوبي المستعمَر والمضطهد تاريخياً يشكل “الطبقات التابعة”.
إنها هذه الدينامية من القمع والاغتصاب والاسترقاق هي التي غذت “محرك التاريخ” -الفكرة الماركسية عن أن التاريخ مدفوع بالتناقضات الداخلية داخل نظام الإنتاج المادي.
سيكون من السذاجة ببساطة افتراض أن تفشياً لوباء يمكن أن يدفع بشكل تلقائي وبلا هوادة، في حد ذاته، وينتج التغيير، وأن مثل هذا “التغيير” الذي تُسبغ عليها الرومانسية سيساعد بشكل حدسي “الطبقات التابعة”، سواء داخل الهياكل المجتمعية المحلية أو على مستوى عالمي.
لا يمكن إنكار أن الأزمة الحالية -سواء كانت الاقتصادية أو التي داخل نظام الرعاية الصحية- هي في الأساس أزمة هيكلية يمكن تعقبها إلى العديد من خطوط الصدع داخل النظام الرأسمالي، والتي تتحمل ما يشير إليه المثقف والسياسي الإيطالي المناهض للفاشية أنطونيو غرامشي Antonio Gramsci بأنه “فترة خلو العرش” interregnum.
في كتابه “رسائل السجن”، كتب غرامشي: “تتكون الأزمة على وجه التحديد من حقيقة أن القديم يُحتضر والجديد لا يمكن أن يولد؛ في فترة خلو العرش هذه، تظهر مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأعراض المرضية”.
وقد عبرت “المجموعة المتنوعة من الأعراض المرضية” عن نفسها في العقدين الأخيرين من خلال التحلل التدريجي، إن لم يكن هلاك النظام العالمي الذي بنته بدأب لا يكل القوى الغربية الرأسمالية، التي شكلت العالم بطريقة تخدم تحقيق مصالحها الخاصة لما يقرب من قرن.
كان المقصود من انهيار الاتحاد السوفياتي في أواخر الثمانينيات أن يؤذن بقدوم عالم جديد كلية –غير متنازع، عسكريتاري حتى النخاع، ورأسمالي بطريقة غير اعتذارية. إلا أن القليل من ذلك تحقق، مع ذلك. في النهاية، ارتقت مغامرة العراق العسكرية الأولى بقيادة الولايات المتحدة (1990-1991)، و”النظام العالمي الجديد” الموازي و”الشرق الأوسط الجديد” اللاحق، وما إلى ذلك، إلى لا شيء.
بسبب إحباطها من عدم قدرتها على ترجمة تفوقها العسكري والتكنولوجي إلى هيمنة مستدامة على الأرض، تداعت الولايات المتحدة، وحلفاؤها الغربيون معها، بمعدل أسرع بكثير مما كان متوقعًا. كانت “إعادة التمحور إلى آسيا” التي انتهجتها إدارة باراك أوباما -مصحوبة بالانسحاب العسكري من الشرق الأوسط الغني بالنفط- مجرد البداية لمسار حتمي من الانحدار، والذي لا يمكن لأي إدارة أميركية، مهما كانت عدوانية وغير عقلانية، أن توقفه.
بعد أن وجدت نفسها عاجزة إلى حد كبير في وجه الأزمات الطاحنة التي واجهت النظام الرأسمالي الذي كان منتصراً ذات مرة، أصبحت المؤسسات الغربية المهيمنة، مثل منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، عديمة الجدوى ومختلة وظيفياً. لا نبوءات مطلوبة هنا لافتراض أن عالم ما بعد فيروس كورونا سيقوض الفكرة نفسها وراء الاتحاد الأوروبي. ومن المثير للاهتمام، ولو انه من غير المستغرب، أن “المجتمع الأوروبي”، في وقت أكبر أزمة تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، أظهر كونه مجرد مهزلة، حيث كانت الصين وكوبا هما اللتان مدتا يد المساعدة لإيطاليا وإسبانيا، وليس ألمانيا، ولا فرنسا أو هولندا.
من المفارقات أن القوى ذاتها التي دافعت عن العولمة الاقتصادية -وسخرت من البلدان المترددة التي رفضت الانضمام- هي نفسها التي تدافع الآن عن شكل من أشكال السيادية والانعزالية والقومية.
هذه بالضبط هي “فترة خلو العرش” التي تحدث عنها غرامشي. ومع ذلك، لا ينبغي أن يكون مسلماً به أن هذا الفراغ السياسي يمكن أن يُملأ بالتفكير التمني وحده، لأن التغيير الحقيقي والدائم والمستدام لا يمكن أن يكون إلا نتيجة لعملية واعية؛ واحدة تضع في الاعتبار طبيعة الصراعات المستقبلية وموقفنا الأيديولوجي والأخلاقي في الرد على هذه الصراعات.
من المؤكد أن فلاسفة المشاهير لا يمثلون، ولا يملكون الحق في التحدث نيابة عن “الطبقات التابعة” -لا محلياً ولا عالمياً. وما هو مطلوب، بدلاً من ذلك، هو “هيمنة ثقافية” مضادة، والتي يعتنقها الممثلون الحقيقيون للمجتمعات المضطهدة (الأقليات التي يوحدها التضامن المتبادل، والدول المضطهدة، وما إلى ذلك)، الذين يجب أن يكونوا على دراية بالفرصة التاريخية وبالتحديات التي تنتظرنا في الأمام.
كان أحد الأعراض المميزة لـ”فترة خلو العرش” هو الانفصال الواضح الذي أظهرته الجماهير عن الأيديولوجيات التقليدية -وهي عملية بدأت في وقت أبكر بكثير من تفشي فيروس كورونا.
كتب غرامشي: “إذا فقدت الطبقة الحاكمة إجماعها، أي أنها لم تعد ‘قائدة’ وإنما ‘مهيمنة’ فحسب، والتي تمارس القوة القسرية وحدها، فإن هذا يعني على وجه التحديد أن الجماهير العظيمة أصبحت منفصلة عن الأيديولوجيات التقليدية لتلك الطبقات، ولم تعد تصدق ما اعتادت أن تصدقه سابقاً”.
ينبغي الاعتراف بأن هناك مشكلة في التمثيل الديمقراطي الحقيقي في جميع أنحاء العالم، بسبب صعود الديكتاتوريات العسكرية (كما في حالة مصر) والشعبوية اليمينية المتطرفة (كما هو الحال في الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية والهند. وهكذا دواليك).
مع أخذ كل ذلك في الاعتبار، فإن الاعتماد ببساطة على “الثقة في الناس والعِلم” -كما وصفها جيجيك بطريقة مقلقة- لن “يعيد اختراع الشيوعية”، ولن يستعيد الديمقراطية أو يعيد توزيع الثروة بشكل عادل ومنصف بين جميع الطبقات. وغني عن القول إنه لن ينهي الاحتلال الإسرائيلي أو أزمة اللاجئين العالمية بطريقة إنسانية.
في الواقع، العكس هو الصحيح. تحت غطاء محاولة السيطرة على انتشار فيروس كورونا، اتخذت العديد من الحكومات إجراءات استبدادية تهدف فقط إلى تعزيز قبضتها على السلطة، كما كان الحال في المجر وإسرائيل.
وليس الأمر أن المجر وإسرائيل حُكمتا بمعايير ديمقراطية عالية قبل انتشار فيروس كورونا. إن الذعر الجماعي الذي نتج عن ارتفاع عدد القتلى من مرض مفهوم بالكاد، كان بمثابة “الصدمة” الجماعية المطلوبة -انظر كتاب نعومي كلاين Naomi Klein “عقيدة الصدمة” The Shock Doctrine- المطلوبة من الأنظمة الاستبدادية لاغتنام اللحظة وحتّ المزيد من أي مظهر للديمقراطية في مجتمعاتها الخاصة.
في أعقاب أي وكل أزمة عالمية، يندفع المحللون والاستراتيجيون العسكريون والفلاسفة إلى أي منصة متاحة للتنبؤ بالتغيرات الزلزالية والتحدث عن تحولات في النموذج. بل إن البعض يذهبون إلى حد إعلان “نهاية التاريخ”، و”صدامات الحضارات”، أو كما هو الحال في حالة جيجيك، شكل جديد من الشيوعية.
ذات مرة، كتب الناقد والصحفي الفرنسي جان بابتيست ألفونس كارJean-Baptiste Alphonse Karr (المولود في تشرين الثاني/ نوفمبر 1808): “كلما تغيرت الأشياء أكثر، استمرت أكثر في أن تكون الشيء نفسه”.
في الحقيقة، من دون شكل مدفوع جماهيرياً من التغيير، يبدو أن الوضع الراهن يعيد اختراع نفسه باستمرار، مستعيداً هيمنته، وهيمنته الثقافية، واستيلاءه غير الديمقراطي على السلطة.
لا يمكن إنكار أن الأزمة العالمية التي استدعاها تفشي وباء فيروس كورونا تنطوي في داخلها على فرصة لتغيير أساسي (نحو مساواة أكبر أو استبداد أكبر)، أو لا تغيير على الإطلاق.
نحن، الناس، وأصواتنا الأصيلة الحقيقية -“المثقفون العضويون”، وليس فلاسفة المشاهير- هم الذين لهم الحق والشرعية الأخلاقية في النهوض من أجل استعادة ديمقراطيتنا وإعادة تعريف خطاب جديد عن شكل عالمي -ليس بنزعة مركزية-إثنية، من العدالة.
وإما أن نمارس هذا الخيار، أو أن “فترة خلو العرش” الحالية سوف تذهب وتتحول إلى فرصة ضائعة أخرى أيضاً.
*الدكتور رمزي بارود: صحفي ورئيس تحرير مجلة “ذا بالستاين كرونيكل”. وهو مؤلف لخمسة كتب. آخر مؤلفاته هو “هذي السلاسل سوف تُكسر: قصص النضال والتحدي الفلسطينية في السجون الإسرائيلية” (مطبعة كلاريتي، أتلانتا). وهو زميل بحث رفيع غير مقيم في مركز الإسلام والشؤون العالمية (CIGA)، في “جامعة اسطنبول زعيم” (IZU).
*رومانا روبيو: كاتبة إيطالية ومديرة تحرير صحيفة “ذا بالستاين كرونيكل”. ظهرت مقالاتها في العديد من الصحف والمجلات الأكاديمية على الإنترنت. حاصلة على درجة الماجستير في اللغات الأجنبية والأدب، وتتخصص في الترجمة السمعية البصرية والصحافة.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Will the Coronavirus Change the World? On Gramsci’s ‘Interregnum’ and Zizek’s Ethnocentric Philosophy
المصدر: (كاونتربنتش) / الغد الأردنية