على الرغم من أن الوقت لا يزال مبكراً للحكم على التظاهرات الشعبية التي تجتاح إيران منذ نحو خمسة أسابيع ومدى قدرتها على إسقاط نظام حكم رجال الدين، إلا أن الكثير من المراقبين يرون أن ما يجري اليوم مختلف تماماً عما شهدته البلاد خلال “الثورة الخضراء” في 2009 والاحتجاجات على ارتفاع أسعار الوقود في 2019.
وتحولت الاحتجاجات، التي اندلعت على خلفية وفاة مهسا أميني بعد ساعات من اعتقالها من قبل شرطة الأخلاق، إلى أحد أخطر التحديات التي تواجه حكام إيران منذ ثورة عام 1979.
وتوفيت أميني (22 عاما) الشهر الماضي عندما كانت قيد الاحتجاز بعد اعتقالها من قبل شرطة الأخلاق بتهمة انتهاك قواعد الزي الصارمة التي تفرضها السلطات على النساء والتي تتطلب منهن الاعتدال في الملبس.
سرعان ما انتشرت الاحتجاجات، التي بدأت في جنازة أميني في مسقط رأسها “سقز” الكردية، في مختلف أنحاء البلاد، لتصل إلى العاصمة طهران ومدن في وسط إيران وفي جنوب غرب وجنوب شرق البلاد حيث تتركز الأقليات العربية والبلوشية.
وتقول منظمات حقوقية إن أكثر من 200 شخص قُتلوا في حملة القمع في سائر أنحاء البلاد، من بينهم فتيات أصبح موتهن دافعا جديدا لتفجر مزيد من المظاهرات المطالبة بإسقاط الجمهورية الإسلامية.
يرى الناشط والباحث السياسي الإيراني حسن راضي الأحوازي أن احتجاجات 2022 مختلفة تماما عن سابقاتها، من حيث المطالب ونسبة المشاركة والشرائح والمكونات التي انخرطت فيها.
ويقول الأحوازي لموقع “الحرة” إن “الجميع في إيران خرجوا للمشاركة في الاحتجاج، العمال والموظفين والطلاب والمعلمين وأساتذة الجامعات والرياضيين والفنانين والنساء والشباب وحتى التلاميذ”.
كذلك شملت الاحتجاجات، وفقا للأحوازي “جميع الشعوب داخل إيران، من الأذريين إلى الكرد والبلوش ومشهد والمدن الفارسية المركزية والأحواز ويجمعهم شعار واحد هو إسقاط النظام الإيراني”.
وعن الفرق بين احتجاجات 2022 وباقي التحركات التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية يقول الأحوازي إن “الحركة الخضراء في 2009 خرجت احتجاجا على تزوير الانتخابات وكانت سياسية بامتياز واقتصرت على مدن رئيسية معينة كطهران وشيراز وأصفهان ولم تمتد للأقاليم والشعوب غير الفارسية”.
كذلك يشير الأحوازي إلى أن “الأمر كان مشابه تقريبا لما جرى في 2019 عندما خرجت بعض المدن الإيرانية ضد غلاء الأسعار وارتفاع أسعار الوقود وتردي الوضع المعيشي”.
ويصف الأحوازي ما يجري حاليا في إيران بأنه “ثورة سياسية بمعنى الكلمة.. مطالبها واضحة وهتافاتها واضحة وتميزت بالشمولية والجرأة والمطالب المختلفة عن سابقاتها والمتمثلة بتغيير النظام”.
“النساء، الحياة، الحرية” كان الشعار الأبرز الذي رفع في احتجاجات إيران إلى جانب “الموت للديكتاتور”، في إشارة إلى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي.
وأنحت إيران باللائمة على “عناصر إجرامية” ذات صلة “بالأعداء الأجانب” في الاضطرابات، ويتهم رجال الدين الذين يتولون الحكم في إيران الغرب بتأجيج الاحتجاجات.
وتقول الناشطة الحقوقية الإيرانية منى السيلاوي لموقع “الحرة” إن الاحتجاجات تسببت بخلخلة أعمدة النظام الإيراني، الذي يواجه صعوبات في الترويج لرواية أن الاحتجاجات مدعومة من الخارج.
وتضيف السيلاوي أن الاحتجاجات الحالية ليست مطلبية أو مرحلية بسبب ارتفاع سعر المحروقات كما حصل في 2019 أو سياسية كتلك التي خرجت في 2009 ورفعت بها مطالب تدعو الولايات المتحدة للتدخل.
وتتابع السيلاوي أن “المتظاهرين الإيرانيين غير مهتمين بالغرب ورأيه فيها ولا يهتمون لأسعار الخبز أو المحروقات، بل هم يرون أنهم باتوا غير مستعدين للعيش في ظل هذا النظام”.
وتحدثت السيلاوي عن “الحضور النسائي اللافت جدا على عكس الاحتجاجات السابقة، مشيرة إلى أن “المرأة تمثل أكثر من 50 بالمئة من المجتمع الإيراني وخروج النساء مع أبنائهن وأزواجهن أعطى دفعة قوية للاحتجاجات وضغط كثيرا على الأجهزة الأمنية الإيرانية”.
بدروها ترى مهناز أفخمي، الوزيرة الإيرانية السابقة لشؤون المرأة، أن الاحتجاجات المستمرة ضد النظام في إيران، تشكل مصدر فرح وخوف بالنسبة لها، حيث عبرت عن خشيتها من نتائج قمع النظام لمواطنيها.
وقالت في حديث لإذاعة “سي بي سي” الكندية إنها “المرة الأولى في تاريخ حركتنا النسوية على مستوى العالم التي تتسبب فيها النساء في إحداث ثورة.. لذا فهي نقطة فخر”.
وأشارت إلى أن النظام واجه سابقا احتجاجات جماهيرية، كان آخرها في الحركة الخضراء لعام 2009، لكنها تعتقد أن “هذه الاحتجاجات مختلفة”.
وقالت في الصدد: “الجميع يشارك في هذه الاحتجاجات، العمال، التجار، وحتى الأطفال وكبار السن”.
وأضافت أفخمي، التي تعيش في منفاها في الولايات المتحدة، إن الاحتجاجات هي أكثر من مجرد رفض لقوانين إلزامية الحجاب “الأمر يتعلق بالقهر، بالاستبداد، إنه يتعلق بالضغط”، مشيرة إلى أن النظام في نهاية المطاف “يخاف النساء أكثر من أي شيء آخر”.
وفي مقال لها بصحيفة “واشنطن بوست”، تقول الكاتبة مريم بيرغم إن حركة الاحتجاج، التي لا توجد لها أي قيادة واضحة، ركزت على توحيد الإيرانيين ورفض الانقسامات العرقية التي يستغلها قادة النظام الإيراني لصالحهم.
ورأت الكاتبة أنه ومع ذلك فإن قبضة رجال الدين في إيران لا تزال قوية، حيث تواصل السلطات فرض الرقابة وقطع الإنترنت لمنع الناس من مشاركة أخبار ومقاطع فيديو عن الحملة القمعية والهتافات المصاحبة للاحتجاجات.
وفي ظل ارتفاع عدد قتلى الاحتجاجات وحملة القمع والاعتقال التي تشنها السلطة ضد المتظاهرين، تشير الكاتبة إلى أن شعارات الاحتجاجات بدأت تتغير وتنتشر بشكل لافت وخاصة شعار أطلقه طلاب جامعات “لا تسمي ذلك احتجاجا، بل سميها ثورة”.
بالمقابل ترى السيلاوي أن “من الصعب جدا أن نحكم على الحراك الحالي ونحن في منتصف الطريق، ونسميه ثورة.. يتم تسميته ثورة عندما ينجح في تحقيق أهدافه”.
لكن مع ذلك تقول السيلاوي إن “هذا الحراك بدأ يقترب من التحول لثورة حقيقية تقضي على النظام”.
ويتفق الأحوازي مع هذا الطرح ويبين أن “الوقت مبكر بالفعل للحكم على مدى قدرة الاحتجاجات في إسقاط النظام، وهل تستمر بنفس الزخم أو تتراجع؟ وهل سيكون هناك تصعيد أو دعم خارجي حقيقي، وتؤدي إلى انشقاقات في داخل الحرس الثوري والجيش؟”.
ويتابع الأحوازي: “لكن بالتأكيد هي حركة قوية هزت أركان النظام الإيراني المتخوف والمرتبك حاليا والذي يحاول إبعاد الأنظار عما يجري داخليا من خلال استهداف كردستان العراق بالصواريخ والمسيرات وتصوير الازمة أنها اقليمية وليست داخلية”.
وأجبرت الاحتجاجات الممثلة الإيرانية المنفية، غولشيفته فرحاني، عن الخروج عن صمتها بعد أن تجنبت الحديث في الموضوعات السياسة في الماضي.
وقالت النجمة البالغة 39 عاما وتعيش في المنفى في فرنسا منذ أكثر من عقد لفرانس برس “لم أتحدث قط عن السياسة، لكن هذا الحدث أثار في داخلي شيئا عميقا”.
وأضافت أنها تشعر أن “الأمر مختلف هذه المرة” في إشارة إلى إمكانية حدوث التغيير المنشود في إيران إثر هذه الحركة التي امتدت منذ الشهر الماضي.
المصدر: الحرة. نت