في إطار الدعاية التي يبثها النظام السوري في الأيام الأخيرة عن عودة مئات المهجّرين إلى المناطق التي يسيطر عليها في محافظة إدلب، وخاصة مدينة معرة النعمان، كبرى مدن المحافظة، زار وفد من حكومة النظام يوم أمس الأربعاء المدينة لتفقد الوضع الخدمي فيها وفق وسائل إعلام النظام.
يأتي ذلك في وقت كذّب فيه ناشطون والعديد من الأهالي هذه المزاعم، بينما تحدثت مصادر عن اتفاق ضمني بين النظام وروسيا وتركيا على عودة الأهالي، مقابل أن يسحب النظام قواته العسكرية، ويبقي على مؤسساته المدنية.
وذكرت وسائل إعلام النظام أن الوفد ضم وزراء الإدارة المحلية والبيئة حسين مخلوف والأشغال العامة والإسكان سهيل عبد اللطيف والصحة حسن الغباش والكهرباء غسان الزامل والتربية دارم طباع لـ”الاطلاع على الواقع الحالي للمدينة والإشراف المباشر على إعادة الخدمات الأساسية إليها، بالتوازي مع عودة الأهالي”.
وأضافت أن الوفد اطلع على “الواقع الحالي للمدينة، وسير عملية ترحيل الأنقاض، وتحديد وتقدير الأضرار التي خلفتها الاعتداءات الإرهابية، وإعداد الدراسات لتأهيلها”.
وقال الوزير حسين مخلوف إن الجولة تأتي بعد “توجيه” من رئيس النظام بشار الأسد بعودة أهالي معرة النعمان إلى مدينتهم، بينما زعم وزير الكهرباء غسان الزامل أن التيار الكهربائي سيغذي المدينة مجدداً قبل نهاية العام الجاري، بينما تشير الوقائع إلى أن معظم مناطق النظام، بما فيها العاصمة دمشق، لا تتلقى التيار الكهربائي إلا لساعات محدودة جدا خلال اليوم.
من جهته، قال “محافظ إدلب” المعين من النظام ثائر سلهب إنه تم تقديم مذكرة للوفد لرفعها إلى حكومة النظام تتضمن ما هو مطلوب لإعادة الخدمات إلى مدينة معرة النعمان من كهرباء ومياه وصحة وغيرها من الخدمات بشكل سريع، من دون أن يذكر تكاليف هذه المشاريع، ومصادر تمويلها، وهو ما اعتبره ناشطون مجرد فقاعات إعلامية.
وبشأن عودة العوائل إلى المدينة، زعم سلهب أنه وسطياً يعود إلى مدينة معرة النعمان نحو 75 عائلة يوميا، مشيراً إلى افتتاح “مركز النافذة الواحدة” قبل أيام في معرة النعمان ليتم عن طريقها التسجيل على عودة الأهالي لمنازلهم.
وكانت وكالة “سانا” التابعة للنظام ذكرت في قت سابق أن أكثر من 800 عائلة من أهالي مدينة معرة النعمان عادت السبت الماضي إلى مدينتها، بتنسيق مع الجهات الأمنية التابعة للنظام.
عودة وهمية
غير أن ناشطين من أبناء المدينة نفوا هذه المزاعم، مشيرين إلى أن عدداً محدوداً عاد بالفعل، بينما غالبيتهم استخدمهم النظام لالتقاط الصور، ومن ثم عادوا أدراجهم من حيث أتوا.
وقال الناشط رامي ازمرلي، من أبناء معرة النعمان لـ”العربي الجديد”، إن من مكثوا بالفعل في المدينة بعد انقضاء حفلات الدبكة والتصوير التي نظمها النظام، لا يتجاوز عددهم 170 شخصاً، أما البقية فقد عادوا إلى محافظة حماة حيث يقيمون منذ نزوحهم عن مدينتهم قبل نحو ثلاثة أعوام لأن بيوتهم غير صالحة للسكن، مشيرا إلى أن معظم من حضروا يقيمون أصلا في مناطق تحت سيطرة النظام، وليس سيطرة المعارضة.
وبين ازمرلي أن العائدين “هم إما موظفون حضروا لاستلام رواتبهم، أو ممن ضاقت بهم الحال جدا، وما عادوا يستطيعون دفع ايجارات منازلهم في حماة، أو أنهم محسوبون على النظام أصلا، ولديهم أبناء في جيش النظام أو أجهزته الأمنية”.
وأشار إلى أن أحد الأشخاص العائدين يدعى حسين سلامة أبو أحمد عمره يزيد عن السبعين عاماً، عاد لتفقد بيته وحين شاهد حالته المزرية وما لحق به من تدمير وسرقة، أصيب بجلطة وتوفي في المكان.
وأوضح أن حجم الدمار في المدينة واسع جدا، حيث نحو 90 بالمائة من المنازل مدمرة كليا أو جزئيا، وتعمدت قوات النظام تدميرها كعقاب للأهالي، خاصة في الأيام الأخيرة التي سبقت سيطرتها على المدينة، ثم جاءت عمليات السرقة و”التعفيش” لتكمل على ما تبقى، مشيرا إلى أن التدمير طاول أيضا مجمل المؤسسات الخدمية والصحية والتعليمية، بما فيها المسجد الأموي الكبير الذي يمتد عمره لمئات السنين، والذي تعرض للنهب أيضا.
بدوره، رأى الصحافي والباحث شادي العبدلله أن للنظام “مصلحة في الترويج لمثل هذه المزاعم عن عودة كثيفة للأهالي إلى المناطق التي يسيطر عليها في محافظة إدلب، وخاصة مدينة المعرة التي تعد أكبر مدن إدلب، بهدف تصدير دعاية بأن أهلها عادوا إليها، وأن للنظام حاضنة شعبية في المحافظة”.
وأوضح العبدلله أن النظام “حرص على بث المشاهد المفبركة لعودة الأهالي إلى معرة النعمان، بالتزامن مع الاقتتال الفصائلي في الشمال السوري، لتثبيت صورة أن النظام هو من يحمي المدنيين ويحرص على راحتهم، عكس الفصائل التي تعبث بأمنهم واستقرارهم”.
وكانت قوات النظام استعادت السيطرة على معرة النعمان، ومناطق أخرى في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي مطلع العام 2020، بعد أن ظلت تحت سيطرة فصائل المعارضة منذ العام 2012. وتخلل إعادة السيطرة عليها تدمير واسع للممتلكات ومنازل المدنيين، إضافة إلى عمليات السرقة والنهب التي تمت بعد ذلك على يد قوات النظام ومليشياته.
المصدر: العربي الجديد