من يعتقد أن الانسداد السياسي في العراق قد انتهى بعد التصويت على عبد اللطيف رشيد (رئيسًا) للعراق وتكليف محمد شياع السوداني رئيسًا للوزراء فهو واهم ، بعد أن مر عام على مسرحية الانتخابات وانتهاء جميع المدد القانونية منذ فترات طويلة .
لقد بدأت مرحلة جديدة من الانسداد ، حيث أن الأزمة تشظت إلى مجموعة اتجاهات ، فالكورد استغلوا صراع القوى الشيعية وفرضوا شروطهم التعجيزية التي يستهجنها كل مواطن حر شريف من أقصى الشمال إلى الجنوب ، لتحقيق مكاسبهم الحزبية والشخصية على حساب المصلحة الوطنية العليا ، بالرغم من أنهم كقوى سياسية متخاصمة فيما بينها خصاما شديدا مشابها خصام القوى العراقية الأخرى ، أو يتعدى ذلك لدرجة أن عبد اللطيف رشيد فرض ترشيحه على الاتحاد الوطني الكوردستاني من قبل خصمهم مسعود البارزاني ، علما أن عبد اللطيف رشيد هو عضوا في الاتحاد الوطني الكوردستاني ، وزوجته إبنة القيادي الكوردي الراحل ابراهيم احمد زعيم المحفل الماسوني في الشرق الأوسط ، وقد سبق أن كلف عبد اللطيف وزيراً بعد إحتلال العراق عام 2003 ، إلا أنه كان وزيراً فاشلاً لم يترك اي بصمة إيجابية في وزارته لخدمة العراق ، بل العكس من ذلك ، فقد أصاب البلاد الخراب والجفاف نتيجة إدارته لوزارة الموارد المائية لمدة سبع سنوات والذي ما زال يعاني منها العراق لغاية الآن .
هذا من حيث الأحزاب الكوردية وإستغلالهم للوضع المتصارع بين الأحزاب الأخرى .
أما الأحزاب الشيعية التي قدمت التنازلات الخطيرة وخضعت لإرادة مسعود البارزاني وهيمنته ولم تحسب حساب مصلحة الشعب والوطن ومناطق نفوذهم ، فهي الخاسر الأكبر في هذا الصراع ، وهذه الأحزاب التي لم تستطع أن تتصالح مع بعضها البعض غير قادرة على تنفيذ أي مشروع يخدم المصلحة العامة ، غير أنها تعتقد أن لديها فرصة لإجتثاث المختلفين معها سياسيا ، سواء من طائفتها وعلى رأسهم الولائيين للسيد مقتدى الصدر من التيار ، أو قيادات المتظاهرين الذين لم يتمكنوا من شراء ذممهم ، ودون تحقيق أي إنجاز يذكر على مستوى الخدمات العامة .
أما الأحزاب السنية ، فهي لم تختلف عن رديفاتها من الأحزاب الشيعية والكوردية ، سيما والصراع واقع تحت ضغط الدول المجاورة الكبيرة {إيران وتركيا} التي تحاول كلا منها تعزيز نفوذها في العراق .
أما رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني ، فهو الواقع بين ضغوط الأحزاب التي جاءت به وتطالب بحصصها ، أو نفوذ الدول الإقليمية والقرار الدولي وأجنداته ، وبالتالي لن تكون حكومة «إنجاز» كما صرح عنها ، بل سوف تكون حكومة ترقيعية لتسيير الأعمال وإعلان عن إنجازات لمشاريع وهمية أمام الاستحقاقات المرحلية الملحة ، في المقابل أن القوى المعارضة امثال التيار الصدري وقوى تشرين تتربص الفرص لفضح هذه الحكومة ومن جاء بها من احزاب ، وتمارس الضغوط العالية وحالة التظاهرات التي قد تؤدي إلى العصيان المدني والصدام مع السلطة وشل حركتها وتعطيل أعمالها .
يضاف إلى كل ذلك أن الرؤوس التي تصدت للمناصب العليا في السلطة من عبد اللطيف رشيد إلى محمد شياع هم مجربين سابقاً ، وقد خسروا مقبوليتهم عند الشعب والمرجعية الدينية في النجف الاشرف ، إضافة إلى أن المرجعية سوف تبقي أبوابها مغلقة بوجههم .
أما الدول التي تهيمن على القرار السياسي العراقي ، فالفائز منها بالصفقة في هذه المرحلة إيران التي سوف توظف هذا النجاح الذي عكسته في عدة مواقع ، وظهر منها التواجد العلني لدبلوماسييها في الانبار غرب العراق ، سوف تضمه إلى ملف التفاوض النووي مع الغرب ، مقابل ضعف وتردد القرار الأمريكي في العراق .
كل هذا والخاسر الأكبر هو الشعب العراقي الذي يتأهب للتصعيد والانقضاض على رؤوس الفساد وصولاً إلى مرحلة التغيير الجذري إن شاء الله .