عن دار كتاب سراي في اسطنبول صدر كتاب ملحمة داريا لرامي القادري وهو كاتب سوري متميز، ينتمي للثورة السورية، قرأت له كتابه السابق ملحمة الغوطة – حرملة – حب وقدر. وكتبت عنه.
ملحمة داريا – درع المطار- رواية تمثل شهادة توثيقية عن الثورة والثوار والناس وعنف النظام السوري الإجرامي على أهلنا في داريا، من بداية الثورة أواسط آذار ٢٠١١م وحتى خروج بقايا أهل داريا المدنيين والثوار منها عام ٢٠١٦م، مرحلين جبريا الى الشمال السوري المحرر.
تبدأ الرواية من ذهاب هاني الشاب السوري اللاجئ في المانيا الى بروكسل عاصمة النرويج لمراجعة طبيبة نفسية، يطرح عليها مشكلته وهي أنه لم يعد يعيش انفعالاته النفسية بمنعكساتها الجسدية، وانه يعاني من إحساس الغربة مع الآخرين فهو يظهر دائما جامد الملامح غير متفاعل وسلبي رغم أنه يعيش في داخله فوران نفسي وعاطفي. كما أنه قادر بفعل إرادي على خلق انفعالات نفسية وجسدية -اراديا- قاسية ومؤثرة، جرب ذلك أمام الطبيبة النفسية وجعلها شبه منهارة من هول تأثيره عليها من إظهار سلوكيات ومشاعر واحساس قاسية جدا، لم تنجح في علاجه عاد إلى ألمانيا حيث يعمل هناك و يعيش مع عائلته…
هذا هو هاني المشارك بالثورة في داريا حتى الترحيل…
تعود الرواية للبدء من أواخر عام ٢٠١١م متحدثة بلسان هاني الشاب الدمشقي في أواخر عام ٢٠١١م، الشاب السوري الذي يعمل في المنظمات الإغاثية في عمّان، التي تدعم السوريين سواء الذين لجؤوا إلى الأردن، أو الذين ساءت حياتهم وتشردوا ونزحوا في الداخل السوري، وهذا يعني اشارة ضمنية دون الخوض في التفاصيل؛ أن مضي حوالي التسعة اشهر على الثورة السورية، ورد فعل النظام السوري الوحشي من قتل واعتقال وتهجير وتدمير للبلاد خلق هذه الكارثة السورية التي قلبت حياة السوريين إلى جحيم.
لاحظ هاني التفاوت في مصداقية الجمعيات التي تريد الدعم الإغاثي للسوريين، بعضهم مخلص ومتفاني والبعض يخدم أجندات الدول والأطراف الداعمة، والبعض يفكر باستثمار حال السوريين ليعيش تجربة مراهقة متأخرة بزواج – يدّعون أنه شرعي – بفتيات سوريات أغلبهن قاصرات، كان ذلك مؤلما لهاني حيث ضرب ذلك الداعم العربي القادم من بريطانيا، وخاطبه قائلا: ان كنت تبحث عن دعارة فاذهب الى تايلاند.
لم يستطع هاني تحمل أن يكون في الصفوف الخلفية للثورة عبر عمله الإغاثي، فقد قرر العودة الى سورية، تحديدا الى داريا ومشاركة ثوارها ثورتهم وصمودهم. أخرج زوجته وابنته الصغيرة من سورية إلى الأردن حرصا عليهم. وعاد من الأردن إلى سورية بداية عام ٢٠١٢م. هاني ينتمي لعائلة دمشقية، يعتبر والده معارضا للنظام اعتقل وسجن في السبعينات والثمانينات على فترتين، مدة سبع سنوات متهما في الأولى أنه شيوعي وفي الثانية انه اخوان مسلمين؟!!، له اخ التحق بالثورة مثله، والده متوفي وامه ما زالت تعيش في دمشق، وهذا يعني أن الاستعداد الثوري عند هاني اصيل به.
عاد هاني الى دمشق التقى بصديقه الكردي ياسر المنتمي للثورة السورية ايضا، ذهب للقاء والدته في حي ركن الدين حيث تسكن، ومن هناك الى صحنايا حيث دخل عبر نفق صنعه ثوار داريا، وصل الى نقطة تحت مرمى قناص النظام، تجاوزها دون إصابة، وصل الى مشرف العمل الثوري هناك ابو رضا، حيث كان بينهم معرفة سابقة وجيرة.
كانت داريا في ذلك الوقت تغلي بالعمل السلمي للتظاهر، وكان النظام مازال يجتاح البلدة متى شاء، وتحصل مداهمات وتفتيش من بيت إلى بيت واعتقالات عشوائية وسقوط شهداء، كل ذلك عاشه هاني وهو جزء من الحراك الثوري. كما اعتقل هاني في احدى المداهمات بعد دخوله داريا بأيام معدودة، حققوا معه، لم يكن من المطلوبين للنظام، أُفرج عنه وعاد إلى نشاطه مع الشباب، استمروا يعملون معه رغم ارتيابهم من سهولة الافراج عنه، قد يكون مخبرا عند النظام ؟. حافظ على عمله معهم، واستمر يحصل على ثقتهم به وبدوره معهم، كان يمتلك عقلا تحليليا مدركا لكل ما يحصل بشأن الثورة السورية، كما يعتمد على الوسائل التكنولوجية في الرصد والمتابعة، له شبكة واسعة من داعمي الثوار متوزعين في جميع أنحاء العالم، يستعين بهم في كل شيء: مال، معلومات، أدوات تكنولوجية…الخ.
في داريا كان قد تشكل فيها تنسيقيتين تتابعان شؤون التحرك الثوري، كان الالتزام في العمل الجماعي نموذجيا. كما أن هناك ترابط عميق بين العمل الثوري والبنية المجتمعية لداريا، كل داريا مع الثورة، كان المزاج العام للناشطين مع الاستمرار في العمل المدني السلمي، كما أن هناك إدراك عام أن النظام يعمل لدفع الناشطين نحو العمل المسلح، ليؤكد نظريته الكاذبة عن وجود جماعات مسلحة إرهابية في الثورة السورية. ويبرر للعالم استعماله جميع انواع الاسلحة ضد الشعب السوري والبلدات السورية الثائرة كما سيحصل بعد ذلك. أصبح الشباب الثائر في التنسيقيات يفكر بالعمل المسلح، اكتفى القادة بالدفع لتدريب الكوادر وتأمين بعض قطع السلاح الفردي، من باب التحضير لاحتمال قادم، بالعمل المسلح ضد النظام ومواجهة عنفه ووحشيته واجتياحه واعتقالاته للناشطين وقتلهم، لقد وصلت الأخبار عمّا يحصل في المعتقلات؛ التعذيب حتى الموت، القتل العشوائي، تسليم بعض المعتقلين المقتولين لذويهم، لأجل الترهيب والتخويف، ودفن الأغلبية المقتولة في مقابر جماعية. لقد تابع الثوار في داريا الكثير من عمليات انشقاق جنود من النظام في الوحدات المجاورة والمحاصرة لداريا. وكذلك تابعت التنسيقيات الجوانب الحياتية لكثير من اهل داريا الذين تضرروا في أرزاقهم وأعمالهم التي لم يعودوا يستطيعون متابعتها. كما استقبلت داريا الكثير من المهجّرين القادمين من مناطق اخرى هربا من ظلم النظام وبطشه.
حصل تطور نوعي في داريا في تلك الفترة، حيث تواصلت بعض الكتائب العسكرية للجيش الحر من بلدات ريف دمشق، طالبة السماح لها ان تقصف اجتماع تمت معرفتهم بحصوله لقيادات أمنية وعسكرية في مطار المزة العسكري، وذلك لقرب داريا من المطار، اجتمعت قيادة العمل في التنسيقيتين مع المجلس المحلي لداريا، ورفضوا الطلب، وذلك خوفا من عمل انتقامي من النظام سيكون ضحاياه أهل داريا المدنيين. لكن بعض الشباب الثوري من المجموعات الاولى التي تجهزت لتكون نواة الجيش الحر في داريا، التقت بممثلي ثوار ريف دمشق واتفقوا معهم على تلبية طلبهم وتم قصف المطار وقت الاجتماع، وحصلت به إصابات. كان لذلك نتائج مباشرة على داريا. حيث حصلت حملة عسكرية في ٢٦ آب العام ٢٠١٢م حيث اجتاحت داريا، كان ذلك في صباح عيد الأضحى، حصلت مجازر كثيرة أهمها مجزرة جامع ابو سليمان الديراني كذلك في قبو احدى البنايات حيث كانت تختبئ النساء ومعهم الاطفال. كما تم فرز الرجال والفتيان حيث أعدموا ميدانيا. وتم دهس النساء والأطفال بالدبابات. كل ذلك ذكّر بما حصل في حماه عام ١٩٨٢م، من حصول مجازر النظام بحق أهلها. كان للناشطين الإعلاميين الثوريين ومنهم هاني دور أساسي في توثيق المجازر ونقلها للانترنت و تناقلها عبر وسائل الإعلام باسرع وقت، أدى ذلك لتوقف الحملة العسكرية، وانسحاب الجيش من داريا، مع نصب حواجز قطعت البلدة وجعلتها تحت رحمة جيش النظام وأمنه وقناصته، لقد علم الثوار من بعض الضباط المنشقين والمستمرين على رأس عملهم أن الهدف من الحملة هو قتل أكبر عدد من أهل داريا وتهجير المتبقين. لقد وثّق الثوار استشهاد ما يزيد عن ألف إنسان من اهل داريا اغلبهم نساء واطفال في هذا الاجتياح. كما استمر النظام في إرسال جثث الشهداء من الناشطين المعتقلين من رموز الحراك الثوري وقادته مثل الناشطين عبد الأكرم السقا ونبيل الأحمر. لقد تغيرت حسابات الناشطين وقيادات العمل الثوري في داريا، لقد أصبح خلق الكوادر العسكرية للجيش الحر ضرورة ملحّة، كان هاني الملقب أبو القسّام منهم والذي لم يكن يعلم هويته الحقيقية الا ابو رضا قائد الحراك في داريا لمعرفته السابقة به. كان ابو حازم وأبو زيد والاخوة امير وأنس وغيرهم كثير من يعمل معهم هاني. لقد عاد الشباب للتظاهر في مظاهرات طيارة سريعة خاطفة في مناطق مختلفة، تحصل بسرعة، تُصوّر وتُعمم على النت، تنسحب المظاهرة قبل حضور الأمن والشبيحة مانعا من حصول اصابات وشهداء بين المتظاهرين جراء اطلاق النار عليهم. كما رعى الثوار عمليات انشقاق جنود من النظام. كما رصد الثوار سرقة النظام وشبيحته لكثير من الأبنية وتعفيش كل شيء. لقد بحث الشباب الثائر عن الداعم لهم ماديا وعسكريا. كما بدؤوا يفكرون بتصنيع بعض العبوات الناسفة وحشوات بعض اسلحة الار بي جي. وإن دون الكفاية. شكلوا كتيبة السمح بن مالك الخولاني، التي اسماها هاني درع المطار. كما كانت لدى أهل داريا هاجسا امنيا كبيرا بأن النظام على اطلاع على اغلب تحركاتهم وأهدافهم ويكون متقدما عليهم في اغلب اعمالهم. لقد قرروا معرفة الجواسيس ودفهم للتوبة أو مغادرة داريا. خطب الشيخ عبد الله الرحال منددا بالمخبرين وبضرورة استئصالهم من داريا. استطاعوا معرفة ذلك المخبر عبر رصد وتدقيق وهو خطيب أحد المساجد يدعى أبو هيثم، من أنصار الشيخ البوطي، واجهوه، اعترف وافتخر بما يفعل، أوضحوا له انه يسبب بقتل الناس والناشطين ويسبب الضرر لأهل داريا كلها. تعنّت ورفض وحاجج ودافع عن فعله واستمر مقتنعا بعمله، طالبوه بمغادرة داريا بناء على قرار مجلس مدينة داريا. لكنه رفض، كانت نهايته اغتيالا على يد مجموعة مسلحة ملثمة لم تعرف من هي. هذا أدى لهرب وخروج كل مخبري النظام من داريا. وأصبحت داريا غير مخترقة معلوماتيا لصالح النظام من داخلها. وهذا زاد من قدرتها و صمودها ومقاومتها أمام النظام وحصاره وهجماته المتكررة على داريا التي ستحصل لاحقا وعجزه عن اجتياحها. لقد عاد النظام الى المداهمات والاجتياحات، لذلك كان قرار ثوار داريا هو أن يحرروها من حواجز النظام الموجودة داخلها او على مداخلها وهذا ما حصل وتحررت داريا في تشرين الثاني ٢٠١٢م. وهكذا تم تشكيل بنية عسكرية واحدة بقيادة واحدة وتوزع في كل المواقع المطلوبة، كان هاني والمجموعة التي معه تناوب وتقاوم وتهاجم على أحد قطاعاتها. كما تم التواصل بين ثوار ريف دمشق والغوطة وتم تبادل التنسيق والدعم. واستمر هاني أبو القسام بالتواصل مع شبكة داعمي الثورة مثل العرّاب في ألمانيا. وكذلك مع ضابط منشق وتأمين بعض الدعم من الغذاء والعتاد مما في حوزة النظام في مواقيت وأماكن محددة . كما تم اللقاء مع قادة الثوار في الغوطة الشرقية ومنهم أبو سليمان المعروف من بعض قادة ثوار داريا، الذي أخبرهم عن حصول لقاء مع الأمريكيين عبر غرفة الموك وانهم سيساعدون الثوار، لكنهم لم يصدقوا وعودهم. كما تم طرد بعض قادة الكتائب التي لا تنضبط بخطط الدول التي تدّعي أنها مع الثورة ولكن تستخدمها وفق أجندات تلك الدول الخاصة، لقد أبعدوا هؤلاء الثوار إلى تركيا.
في شباط من عام ٢٠١٣م تمكن الثوار من تحرير حاجز حرملة في جوبر، الذي كان ينتهك الحرمات ويعتقل النساء و يشكل كابوسا أمنيا على جوبر واهلها. كذلك تم الهجوم على ادارة المركبات في حرستا في ذات الفترة، كان ذلك نصرة لداريا ايضا. وكان اقتراح ابو القسام أن يدعم ثوار داريا ثوار جوبر وحرستا بمهاجمة رتل خرج من مطار المزة العسكري لدعم قواته في جوبر وحرستا، وهذا ما حصل.
وتابع هاني سرد تطورات حياة عائلته حيث أقدمت زوجته بالاتفاق معه على تقديم طلب هجرة الى المانيا مع ابنتهما. وحصلت عليها وذهبت إلى هناك. كما أن الحياة في داريا رغم الحصار والنقص المادي والقصف الدائم والضحايا الذين يسقطون جراء ذلك كل وقت والحياة القاسية، هناك من الثوار من يفكر بأن يتزوج ويحصل ذلك فالحياة تستمر رغما عن النظام واجرامه.
لقد حاول النظام مرارا وتكرارا اجتياح داريا وفشل. كان لحضور القائدين ابو رضا وأبو حازم دورا واقعيا ومعنويا قويا. الطيران يقصف و المروحيات بالبراميل المتفجرة، كذلك صواريخ الفيل. كلها تدمر وتقتل عشوائيا من المدنيين المتبقين في داريا. الكل متحصن في الخنادق والملاجئ ومع ذلك هناك شهداء ومصابين دوما. هناك مشافي ميدانية بإمكانيات متواضعة جدا لكنها تقوم بدورها كل الوقت.
بمضي الوقت وعندما عجز النظام عن مواجهة ثورة الشعب السوري فقد بدأ يستعين بالحرس الثوري الإيراني الذين حضروا الى جبهات داريا وقتل بعضهم هناك. وحزب الله اللبناني الذي حضر لمواجهة ثوار القصير. وكذلك عصائب اهل الحق الافغانية في حلب. وكذلك بداية ظهور جبهة النصرة التي تواجدت في الغوطة الشرقية. وبداية حضور داعش في المشهد العسكري السوري.
لقد كان لتدمير بناء كان ملغما و يتحصن به الثوار على احدى جبهات المواجهة مع النظام وسقوط حوالي مئة شهيد من الثوار. ضربة قاسية جدا أصابت ثوار داريا واثرت بهم كثيرا. لكنهم تجاوزوا ذلك بسرعة وعادوا متماسكين مانعين النظام من هزيمتهم أو اجتياح مدينتهم. يسقط شهداء من الثوار يكبر الصغار يلتحقوا بالثورة ويشكلون الجيل المقاتل الجديد. هاني أبو القسام يلتقي مع ضابط كبير للنظام اعتقل في إحدى الهجمات للثوار على مناطق التماس. كان من الطائفة العلوية. من صلب النظام. تحدث بعنجهية وثقة مطلقة، بأنهم أسياد البلد واصحابها. أنهم سيفنون كل من يقف بوجههم. وانهم مدعومون دوليا واقليميا. وان الثوار سيهزموا ويفنوا، وإن لا ظهير حقيقي لهم. لقد كان لقاء مؤلما. زاد يقين هاني بأن لا مساعد للثورة السورية الا الله. بأنهم متروكون إلى مصير غامض .
كما يتواصل ثوار داريا مع ثوار الغوطة الشرقية لتبادل الدعم والمساعدة. كما تواصلت معهم جبهة النصرة لدعمهم. لكنهم رفضوا لكون النصرة تعمل مستقلة وتحت رايتها وتابعة لأميرها. بينما ثوار داريا يعملون تحت راية علم الثورة وتحت قيادة عمليات داريا. لقد توضح لثوار داريا الاجندة المختلفة للنصرة عن الثورة السورية باكرا.
يتابع هاني أحوال ابن عمه يحيى الذي كان قائدا ميدانيا في جوبر الذي استشهد في تحرير حاجز حرملة. وكذلك تابع خبر مقتل أخيه في المعتقل بعدما ضبطوا في جواله بعض المقاطع الثورية، كما تابعوا اصابة بعض الثوار و سفرهم للاردن ومنها الى تركيا او اوربا للعلاج. كل ذلك كنماذج ميدانية عن الثوار المضحين في الثورة السورية. كما أظهر هاني اهتماماته في كرة القدم وكذلك الآخرين وأن الثوار هم شباب عاديين لهم هواياتهم وميولهم وطموحاتهم وآمالهم البسيطة المتواضعة. لكنهم استجابوا لنداء الحرية والكرامة والعدالة وحقهم الإنساني بالعيش الكريم والتحقوا بصفوف الثورة السورية.
تمضي السنين واهل داريا تحت الحصار صامدين ويردون محاولات التغلغل. وواقع الثوار في أغلب سورية على تراجع. النظام يستعين بحزب الله اللبناني والحرس الثوري الايراني والميليشيات الطائفية الأفغانية وغيرها. يحاصرون الزبداني ومضايا. وتحصل مفاوضات مع الموك وتنتهي بترحيل الثوار الى الشمال السوري المحرر. أما داريا فتبقى جبهة حرب. ومع ظهور صور قيصر سيبحث الثوار عن معتقليهم بينهم.
لقد عاش شباب داريا وثوارها بطولات كبيرة جدا قياسا بعددهم وعدتهم. ومع ذلك أصبحت امكانياتهم في متابعة القتال ضعيفة. تصنيع السلاح أقل من الحاجة والمستهلك، والإمداد من الخارج أقل. أصبح التفكير بالهدنة حاضرا وان يتم إجلاء ما تبقى من أهل داريا وهم حوالي الألف انسان مع الثوار الى الشمال السوري المحرر.
حصلت تطورات ميدانية متسارعة، استشهاد ابو سليمان القائد الميداني بغارة جوية لطائرة ميغ بصاروخ موجه. القبض على الضابط المنشق الذي كان يساعد الثوار واعدامه ميدانيا. إصابة هاني ابو القسام برصاص القناص وهو يحاول إنقاذ طفلة ستكون ابنة القائد الميداني أبو زيد. وتستشهد لاحقا بقصف يطال الملجأ التي تتحصن به.
النظام يتقدم في اجتياح داريا، عبر كاسحة روسية لم يستطع أي سلاح لدى الثوار مواجهتها. والثوار يفاوضون على خروج مع اهلهم للشمال السوري المحرر والنظام يطالب استسلامهم. يرفضون وينوون الشهادة وهم يقاتلون. ويتم اخيرا ترحيلهم إلى الشمال السوري المحرر. حيث يعيدون تشكيل كتيبة شهداء داريا هناك لتشارك في معارك ثوار حلب ضد النظام. كان ترحيلهم عام ٢٠١٦م. الكل يعيد بناء حياته في الشمال السوري من جديد على وعد و يقين وأمل أن تنتصر الثورة ويعود السوريون جميعا الى ديارهم.
أما ما حصل مع هاني فقد كانت إصابته في ساقه وظهره، وكانت معالجته غير كافية في المشفى الميداني في داريا. لذلك أرسل عبر الانفاق الى المعضمية المجاورة. حيث تم معالجته. وبعد ان تماثل للشفاء. وعلم أنه مطلوب للنظام تحت رقم ٢٧من لائحة ثوار داريا. وأنه غير معروف بهويته الحقيقية. فاوض محاميا يتواصل مع النظام لعله يخرج من المعضمية. ولكن ذلك شك به. خاف هاني ان يوشي به للنظام ويعتقل ويعذب ويتحدث عما عنده ويقتل. سارع للخروج من المعضمية التي فتحت للناس الخروج كموظفين وطلاب بعد انتهاء الحصار عنها. غامر بالذهاب الى الحاجز الفاصل بين المعضمية ودمشق،وقدم عن نفسه حكاية انسان كان يسكن بين المعضمية وداريا وأنه حوصر هناك ولم يستطع الخروج. استفاد من شهادة جندي سوري كان قد التقاه ولم يصطدم معه. وهكذا خرج من المعضمية بعد أن قدم رشوة كبيرة للضابط. انتقل بمساعدة صديقه حسام الذي أخذه من المعضمية إلى بيت امه في ركن الدين، نام هناك ليلة. ودّع أمه وخرج في اليوم الثاني بصحبة فتاة من داريا الى لبنان ومن هناك الى المانيا ملتحقا بزوجته وطفلته. كان ذلك في عام ٢٠١٨م.
هنا تنتهي الرواية.
في التعقيب عليها نقول:
لقد أبدع مرة اخرى رامي القادري بعد كتابه ملحمة الغوطة في أحياء الثورة في داريا وبطولات ثوارها ووقائعها بتوثيق يكاد يكون سجلا للتاريخ… لكي لا ننسى.
كما استطاع أن يظهر حقائق مؤلمة ان يعرفها الشعب السوري وان يكون ضحيتها. وهي أن العالم كله صمت عمّا حصل ويحصل للشعب السوري. وان الادعاء بانهم انصار الشعب السوري بإسقاط الاستبداد والفساد والطائفية والقمع وبناء دولة ديمقراطية عادلة، ليس إلا واجهة لخلق صراعات إقليمية ودولية تنتهك الشعب السوري، تقتله وتشرده وتدمر مدنه. ويحضر حلفاء النظام روسيا وإيران والميليشيات الطائفية حزب الله والمرتزقة الافغان والعراقيين وغيرهم، وتصبح سورية ارضا يتكاثر عليها كل الارهابيين الدوليين من القاعدة وداعش والنصرة، ليتم اعادة شرعنة النظام عبر أحجية محاربة الارهاب. ويكون الشعب السوري بملايينه المهجرة وشهدائه ومعتقليه، مجرد حكاية يسارع العالم كله الى تجاوزها ونسيانها.
كما تضعنا الرواية، الشهادة، الوثيقة، إمام بطولة الانسان، انساننا ابن داريا. النموذج الذي تقدم بثبات يصنع مجده وعظمته وبطولاته واستشهاده ان تطلّب الأمر. شباب متواضع منتمي مضحي صادق، يحب بعمق، يصادق بوجدان، يؤمن كمثل متصوف، يعمل كرسول ويندفع كقذيفة. ويستشهد وهو مستغرق بما يأمله عند الله العادل الكريم. لا يفكر أن يحصل على مطامع ولا مكتسبات، فقط ينتصر لكرامته الإنسانية وحقه بالحرية والعدالة والمشاركة السياسية والديمقراطية، لا يقارن بين تضحياته وما سيكسب. يدرك انه مهزوم عاجلا أو آجلا بمعايير موازين القوى والظلم الدولي وغياب الحق والعدل. لكنه يستمر يقاتل، لأن استمرار القتال انتصار للكرامة الانسانية وحقوق الانسان كنموذج وإن لم تكن في متناول يدهم او يحصلون على الانتصار في نهاية معاركهم. لقد كانوا ككل الثوار السوريين الذين اعتقلوا واستشهدوا و حملوا راية الحق والحرية للشعب السوري يصنعون النموذج عبرهم لنا كشعب سوري بأجياله الحاضرة والقادمة وللعالم أجمع…إن رسالة الثورة السورية مستمرة حتى انتصارها وتحقيق مطالب الشعب السوري كاملة ،ولو بعد حين.