لا يحتاج أي متابع أو دارس لقضايا الشأن العام في أوطاننا الحبيبة. هذه القضايا التي يعتبر خطاب النخب السياسية والثقافية إحداها والتي احتلت أي النخب، المواقع السلطوية في هذه الأوطان أو تلك النخب التي كانت خارجها أي تلك التي يمكن أن نسميها بالمعارضة الشكلية…
لا يحتاج جهداً كبيراً كي يسجل لها وعليها أنها عاشت فترة ما يمكن أن نسميه فترة بُعيد الاستقلال عن الاستعمار الغربي وحتى اليوم… أي على مدى ما يقارب ثلاثة أرباع القرن، وهي محكومة بمعادلة تتماهى مع مفاهيم العمل السياسي وتعاريف هذه المفاهيم التي ترقى إلى المستوى الأكاديمي كتلك التي تقول إن السياسة فن الممكن.
وكذلك ضرورة الأخذ بعين الاعتبار لما يسمى بموازين القوى المتحركة على ساحة العمل السياسي والدور المركزي والمهيمن للنظام الدولي السائد.
إلا أن الثورة السورية العظيمة لم تكن لتنطلق عام ٢٠١١ لولا الحائط المسدود الذي وصلت اليه مجتمعاتنا وشعوبنا على كافة المستويات الحياتية والتي يؤرخ لها منذ بدء الاستقلال الأول… وحتى ما قبل العام ٢٠١١… ولولا هذا المنهج في العمل والفهم السياسي لإدارة شؤون الوطن والمجتمع.
فقد كانت ثورات الربيع العربي وعلى رأسها الثورة السورية بمثابة الصرخة الانفجارية الأخيرة بوجه هذا المسار الانهياري والكارثي على كافة الصعد الحياتية كما أسلفنا، حيث دخلت الأوطان في مسار التجزئة وربما التشظي إلى جانب الاحتلال الناعم الذي هيمن على مقدرات شعوبنا وأراضيها حيث بدأ تربع الكيان الصهيوني في سدة المشهد المجتمعي والسياسي والديمغرافي في منطقتنا خير دليل على هذا الانهيار المريع….
وضمن هذا المشهد الكارثي لحال الاوطان والشعوب، نشهد اليوم بالمقابل فشلاً وعجزاً شديدين يَسم نخبنا ويمنعها من القيام بدورها التاريخي والعمل على انقاذ الوطن مما هو فيه والذي يمكن اختصار وصفه بالمقتلة التي دُفعت إلى فضائها مقدرات الثورة من خلال التآمر واللعبة الدولية القذرة التي كانت وراء هذه الاندفاعة المتوحشة اللاإنسانية واللاأخلاقية.
ومن المؤلم أيضاً أنه وبعد كل ما وقع علينا من أشكال السحق المدمر والإجرام اللامتناهي حتى درجة الإبادة والاحتلال المباشر والمعاصر نجد أن نخبنا هذه والتي حُشرت في دوائر التأثير في الحدث السوري المقتلة، لازالت تمتهن نفس المنهج الذي إعتاش عليه أسلافها في إدارة شؤون مجتمعاتنا وشعوبنا، أي منهج الواقعية السياسية التي ظهرت جميع عوراتها والتي ثبت أنها لا تعني سوى المزيد من الاستسلام والانبطاح والتبعية.
والعودة مرة أخرى إلى تسليم مقدرات الوطن والشعب إلى جلاديه ومستعمريه أسياد هذا النظام الدولي المتوحش، الأمر الذي يفسر من وجهة نظرنا السبب الذي لم يُمَكن هذه النخب من إنجاز ما هو مطلوب منها والذي يتناقض جذرياً مع تطلعات شعبنا وأهداف ثورته العظيمة.
وأمام هذا الانسداد التاريخي والاستنقاع المدمى، كان لابد للثورة والثوار من اختيار منهج آخر…. منهج ثوري سيادي في كل ابعاده.
يُسقط من جدول أعماله هذه النخب وثقافتها العاجزة وكذلك مرتكزاتها المرتهنة إلى واقع يفرضه ما يسمى بأذرع النظام العولمي السائد، النظام الذي بدأ يتصدع في أكثر من موقع من هذا العالم… والعمل الحثيث على الربط بين المستوى النظري الذي يُعنى بإنتاج خطاب ثوري قاعدته:
السيادة والحرية والاستقلال الكامل، والمستوى العملي التنظيمي الذي يشكل حاملاً مؤمناً ملتزماً بهذا الخطاب ايماناً فولاذياً لا يتزعزع.