تمت دعوتي لحضور ندوتين حواريتين الأولى بتاريخ 10/08/2022 في مدينة غازي عينتاب تحت عنوان “مستقبلنا المشترك” مع الكاتبة الصحفية وعضو رئاسة الاتصالات (نورية جاقماك) والصحفي والكاتب في جريدة يني شفق التركية (آرسين جليك)، والثانية بتاريخ 22/09/2022 مع الصحفية (فاطمة أوزكان) عضو مجلس إدارة القرار المركزي لحزب العدالة والتنمية.
كان الحضور نوعياً من الجانبين التركي والسوري، وكانت الرسائل من المحاضرين واضحة بضرورة تعزيز الأواصر المشتركة بين الشعبين وعدم الركون إلى الأصوات النشاز التي تطالب بعكس ذلك، والهدف من تلك الدعوات ـ التي تتسم بالعنصرية ـ الذي يفصح عن نفسه ولا يحتاج لعناء كي نكتشفه، طالما يرتفع كلّما اقترب موعد الانتخابات، ثم يخبو بعدها.
في كلّ مرة نلتقي فيها مع الأخوة الأتراك يكون السؤال الملحّ “كيف نتصدّى لمثل هذا الخطاب العنصري والأخبار المفبركة؟”، وتأتي الإجابة من غالبية الحاضرين السوريين بضرورة إنشاء غرفة “مشتركة” من الإعلاميين كي يأخذ العمل طابعاً مؤسساتياً منظماً ومنضبطاً بإيقاع المصلحة العليا المشتركة ومنطلقاً من التاريخ المشترك والجغرافيا المشتركة والرسالة الإنسانية الواحدة المستمدّة من الدين الإسلامي السمح. ولكن لا شيء من ذلك تحقّق وتذهب المقترحات العملية أدراج الرياح.
هناك على الجانبين من يجهل التاريخ المشترك وأن دماءنا امتزجت سوية في “جناق قلعة”، وأن قبر الصحابي (أبو أيوب الأنصاري) موجود في إسطنبول حتى اليوم، فما الذي جاء به إلى إسطنبول؟!. وهناك أيضاً على الجانبين من يجهل حجم المؤامرة التي تستهدف شعوب المنطقة منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية ولم تتوقف حتى اللحظة. يقول البروفيسور نجم الدين أربكان (رحمه الله): إذا فرقتم “هذا تركي وهذا عربي” عندها لا يبقى لا تركي ولا عربي، أما إذا تحالفتم مثل تحالفكم في جناق قلعة، فلن يبقى لا إنكليزي ولا فرنسي.
في مناظرة تلفزيونية قال البروفيسور (أحمد شمشيرغل) أستاذ التاريخ العثماني في جامعة إسطنبول: ” أنا أعتبر سقوط الدولة العثمانية كان في العام 1909، وهذا مهم جداً لأن وجود الدولة العثمانية وبقائها مرتبط بوجود وبقاء إسلام أهل السنة والجماعة بالشكل الصحيح، وللمرة الأولى يتم تعيين شيخ الإسلام رجلاً ماسونياً وهو موسى كاظم أفندي، وأعطوا فتوى الحل لعزل السلطان عبد الحميد لأربعة رجال لم يكن بينهم تركياً واحداً عندما تلوا بيان العزل أمام السلطان وهم، اليهودي ايمانويل كاراصو والأرمني آرام أفندي والألباني أسعد توبتاني وعارف حكمت باشا”.
إذن المستهدف حقيقة هو الوجه الإسلامي للدولة التركية، من خلال دعم جميع الحركات المناهضة للدين والهدّامة للقيم المجتمعية كالمثلية والإلحاد بحجة الديمقراطية وحقوق الإنسان.
أعود للحديث عن المستقبل المشترك لأستشهد مرة ثانية بما قاله البروفيسور أربكان:” إذا أصبحت سورية قضية في يوم من الأيام، فاعلموا أن الهدف هو تركيا”، وهذا يدفعنا للتفكير بجدية عن الطريقة المثلى للحيلولة دون الإيقاع بين الشعبين ولابد من قطع الطريق على كل الأصوات التي تبث الفتنة وتدعوا للتفريق بينهما، والبداية من الطرف التركي الذي يمتلك كل الأدوات المادية والمعنوية في حين أن الطرف السوري لا يملك منها شيئاً سوى مدّ يد العون بما يمتلكه من خبرات وطاقات فكرية وإعلامية، بحاجة لمن يستدعيها ويقدم لها الوسائل اللازمة للتصدّي لعمليات الاختراق المتتالية عبر السوشيال ميديا لبث الأخبار الكاذبة وافتعال فتنة غرضها الأول ضعضعة الاستقرار في تركيا وما قضية اللاجئين السوريين إلّا واحدة من أدواتهم التي يستغلونها، لضرب وحدة الشعب التركي وتهشيم ثقافته خدمة للمتربصين بتركيا بعد أن أصبحت رقماً صعباً في المنطقة والعالم.
أولى الخطوات التي يمكن لصناع القرار في تركيا اتخاذها اليوم قبل الغد، هي تبديد مخاوف السوريين حول قضية الترحيل التي أرهقت السوريين نفسياً ودفعتهم للتفكير بموجة هجرة جديدة عبر البحر كما لحظناها في الآونة الأخيرة إذ تزايد عدد المغادرين باتجاه أوروبا بشكل مخيف، رغم تعرضهم لشتى أنواع المخاطر حتى بات الغرق في البحر أهونها.
فالداخل “المحرر” مازال معظم السوريين يراه غير آمن، والخطاب العنصري يطاردهم حتى في أحلامهم، وإيقاف العمل ببطاقة الحماية المؤقتة بات الهاجس الأكبر لدى معظم المتواجدين على الأراضي التركية ولاسبيل واضح لتجاوز هذه المعضلة أو حلّها وهي المرتبطة بعنوان المسكن، وهناك مناطق ممنوعة على السوريين الأمر الذي جعل الحصول على مسكن في المناطق المسموحة من رابع المستحيلات بعد أن تضاعفت الإيجارات في تلك المناطق نظراً للإقبال الشديد عليها. في ظلّ كل هذه الضغوطات المادية والنفسية تبدو فكرة “الاندماج” غير واقعية إذا لم يعاد النظر بقانونية وجود السوريين ومنحهم صفة اللجوء التي ستعزّز من الروابط الاجتماعية بين الشعبين، ويصبح حينها الحديث عن المستقبل المشترك له معنى وقابل للتحقيق.
المصدر: إشراق