الأكراد في إيران بين الماضي والحاضر تاريخ عاصف و”دموي”

سوسن مهنا

طهران ترد على التظاهرات إما بالقمع وإما بقصف مناطقهم على الحدود مع العراق.

فيما تتواصل التظاهرات في الداخل الإيراني منذ نحو أسبوعين على التوالي احتجاجاً على وفاة الشابة الكردية مهسا أميني (22 سنة)، والتي فارقت الحياة أثناء احتجازها لدى “شرطة الأخلاق”، ترد سلطات طهران إما بقمع المتظاهرين، إذ قالت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية، ومقرها النرويج على “تويتر” إنه “تم التأكد من مقتل 83 شخصاً على الأقل بينهم أطفال في احتجاجات إيران”، كما تم اعتقال عشرات النشطاء والطلاب والفنانين، إذ أشارت لجنة حماية الصحافيين على “تويتر” إلى أنها علمت أن قوات الأمن اعتقلت 28 صحافياً على الأقل حتى 29 سبتمبر (أيلول)، أو بقيام “الحرس الثوري” باستهداف وقصف مواقع المعارضة الإيرانية الكردية في بربزين ضمن ناحية “سيدكان”، وكذلك أطراف قرى هورنا وبن بريز ودرهول وبن رشكين على حدود برادوست في ‫أربيل بكردستان العراق، إذ أكدت وسائل إعلام كردية أن “الحرس الثوري” استخدم طائرات مسيرة في قصف المناطق الحدودية التابعة لمناطق سيدكان وجومان، موضحة أن المناطق التي تعرضت للقصف يتمركز بها مقاتلو الحزب “الديمقراطي الكردستاني الإيراني” وحزب الحياة الحرة الكردي “بيجاك”، لليوم السابع على التوالي.

إيران تتهم المعارضة بزعزعة الأمن

وكانت قناة “برس تي في” الحكومية قد نقلت أن قوات إيرانية تابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني شنت هجوماً مدفعياً على قواعد عسكرية على المناطق الكردية شمال العراق. وقالت القناة “باستخدام نيران المدفعية من قاعدة حمزة (…) هاجم (الحرس الثوري) الإيراني قواعد الإرهابيين المعادين لإيران على حدود إيران الشمالية الغربية وهاجم بعض القواعد الحدودية في بلدنا”. وتحمل طهران المجموعات الكردية على طول الحدود مسؤولية إرسال أسلحة وشن هجمات في الداخل. وكانت “وكالة فارس” شبه الرسمية قد نقلت بدورها عن مصدر عسكري مطلع قوله “لقد جاء الهجوم المدفعي لـ(الحرس الثوري) رداً على الاضطرابات وتصرفات العصابات وبهدف معاقبة وضرب هذه المجموعات، وستتواصل هذه الهجمات المدفعية”، بحسب قوله.

كردستان

لا يعتبر الأكراد أنفسهم حزباً سياسياً، وليسوا طائفة أو شعباً دخيلاً على المنطقة، بل هم جزء من الأمة الكردية، يتمتعون بكل المواصفات التي تعطيهم الحق بدولة، ودولتهم ليست منة أو عطية، لهم لغتهم الكردية، كردستان أي “وطن الكرد”. لم تشكل كردستان بلداً مستقلاً ذا حدود سياسية معينة في يوم من الأيام، على رغم أنه يسكنها شعب متجانس عرقاً. وظهرت كلمة “كردستان” كمصطلح جغرافي أول مرة في القرن الـ 12 الميلادي في عهد السلاجقة، عندما فصل السلطان السلجوقي سنجار القسم الغربي من إقليم الجبال وجعله ولاية تحت حكم قريبه سليمان شاه وأطلق عليه كردستان. وكانت هذه الولاية تشتمل على الأراضي الممتدة بين أذربيجان ولورستان (مناطق سنا، دينور، همدان، كرمنشاه.. إلخ)، إضافة إلى المناطق الواقعة غرب جبال زاجروس، مثل شهرزور وكوي سنجق. تتوزع كردستان بصورة رئيسة في ثلاث دول هي العراق وإيران وتركيا مع قسم صغير يقع في سوريا، فيما يوجد عدد من الكرد في بعض الدول التي نشأت على أنقاض الاتحاد السوفياتي السابق. وتشكل كردستان في مجموعها ما يقارب مساحة العراق الحديث. وتختلف التقديرات في شأن عدد الكرد بين 25 إلى 40 مليوناً، موزعين بنسبة 46 في المئة في تركيا، و31 في المئة في إيران، و18 في المئة في العراق، و5 في المئة في أرمينيا وسوريا. ويتكلم الكرد في تركيا وسوريا وقسم منهم في كل من إيران والعراق باللهجة البهدينانية، في حين يتكلم معظم الكرد في العراق وإيران اللهجة السورانية. والدين الإسلامي هو دين الأغلبية الساحقة في كردستان، وفي غالبيتهم العظمى سنيون شوافع، ويوجد بينهم القليل من الشيعة يرتكزون في جنوب كردستان.

الأكراد في إيران

ظلت المناطق الكردية جميعها جزءاً من الأراضي الإيرانية التاريخية إلى أن قسمتها معركة جالديران الفاصلة بين الدولتين العثمانية والصفوية عام 1514، فخضعت بعدها مساحات شاسعة من تلك المناطق، وصفت لاحقاً بكردستان العثمانية وضمت “كردستان الشمالية” و”كردستان الغربية” و”كردستان الجنوبية”، لسيطرة الإمبراطورية العثمانية المنتصرة في هذه المعركة. بحسب صابر كل عنبري، كاتب وباحث إيراني “لم تكن هذه المعارك السبب النهائي في سيطرة العثمانيين على معظم المناطق الكردية، وإنما لعب قادة وأمراء كرد، على رأسهم الشيخ إدريس البدليسي دوراً محورياً في إطلاق هبات شعبية ضد الدولة الصفوية بدوافع مذهبية، ولاستمالة الكرد نحو الانضمام إلى الإمبراطورية العثمانية. ظلت “كردستان الشرقية” ضمن الأراضي الإيرانية، لكنها بقيت في صدام مرير مع الدولة الصفوية، في بدايات تأسيس هذه الدولة التي كانت تسعى إلى فرض المذهب الشيعي بالقوة، وبالذات في عهد مؤسسها الشاه إسماعيل الأول. ويشكل عهد الصفويين منعطفاً مهماً في تاريخ الكرد بالمنطقة، إذ فضلاً عن انفصال مناطق كردية شاسعة عن إيران، فإن العلاقة التناحرية بين الكرد والصفويين غرست بذور القومية في الوجدان الكردي بإيران، وباتوا يشعرون بأنهم هم “الآخر المختلف”.

البعض يعتبر الكرد ثاني مجموعة عرقية بعد الفرس والأذربيجانيين الإيرانيين، ويشكلون نحو 10 في المئة من سكان البلاد، لكن وبحسب وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، يأتي ترتيبهم كثالث مجموعة عرقية على الأراضي الإيرانية “روجهيلات”، أو كردستان الشرقية، هكذا يسمي الأكراد مناطقهم في شمال غربي إيران التي يرى عديد منهم أنها واقعة تحت الاحتلال من “عجمستان” أي “إيران”، كما يسمونها، حيث يشكل الفرس نسبة 35 في المئة فقط من مجموع سكان هذا البلد، أما البقية فينتمون لقوميات وعرقيات متنوعة، من الكردية والعربية والأذرية والبلوشية، فإن النظام يفرض ثقافته ولغته الفارسية على الجميع بالقوة. يتراوح تعداد الأكراد في إيران ما بين 8 و10 ملايين نسمة، ويتركز وجودهم في محافظات كرماشان، وإيلام وكردستان وأذربيجان الغربية ولورستان، في شمال وغرب إيران، إضافة إلى محافظتي، خراسان وطهران، شمال وشرق البلاد. ويرجع تاريخ وجود الأكراد في المنطقة إلى نحو عام 1500 قبل الميلاد، عندما هاجرت قبائل آرية من حوض نهر الفولغا، لتستقر على ضفاف بحر قزوين. واستطاعت هذه القبائل تشييد ممالك في أزمان لاحقة، كان أهمها “مملكة ميديا” التي يرجع تاريخ تأسيسها إلى القرن السابع قبل الميلاد، وبلغت ذروة اتساعها خلال القرن السادس قبل الميلاد.

وخلال العصور الوسيطة، وبعد الدخول في الإسلام، ظهرت عدة إمارات كردية في المنطقة، كالإمارة الحسنوية البرزكانية (959 – 1015)، والعنازية (990 – 1117)، وقد حاول الصفويون أثناء فترة حكمهم إخضاع القبائل والإمارات الكردية تحت نفوذهم، وأدت هذه المحاولات إلى صراعات دموية انتهت بهزيمة الأكراد، وعقاباً لهم قام الصفويون أثناء حكم تاهماسب الأول (1514 – 1576) بتدمير معظم القرى الكردية، وتهجير ساكنيها إلى منطقة جبال البرز وخراسان، حيث لا يزالون يوجودون هناك إلى اليوم. وتعد معركة دمدم التي يسميها الكرد “ملحمة دمدم” واحدة من أهم المعارك التاريخية الموثقة في تاريخهم، ووقعت عام 1609، بالقرب من بحيرة أرومية، حيث فرض الصفويون حصاراً على القلعة من شتاء عام 1609 إلى صيف عام 1610، وقام الصفويون بعد ذلك بحملة إبادة وتهجير بحقهم في تلك المنطقة. ويعتبر هذا الحدث من قبل الكرد ملحمة تاريخية ذات أهمية بالغة.

محاولات الأكراد للاستقلال

استمرت محاولات الأكراد للاستقلال عن الحكم الفارسي إلى التاريخ الحديث، فمع نهاية الحرب العالمية الأولى، اندلعت في مناطق الأكراد انتفاضة، قامت ضد الحكم القاجاري الإيراني، قادها الزعيم الكردي سمكو آغا من قبيلة توركوفون، وينظر إلى هذا التمرد باعتباره أول محاولة لإقامة كردستان المستقلة داخل إيران الحديثة. وبعد أن نصت معاهدة “سيفر” عام 1920 على إقامة دولة كردية، جاءت معاهدة لوزان عام 1923 لتنسف أي أمل بهذه الدولة، إذ قضت بتوزيع الأكراد بين البلدان الأربعة، تركيا وإيران والعراق وسوريا. وعلى رغم من ذلك عزم سمكو آغا على الاستمرار في ثورته حتى تحقيق مطالب الدولة الكردية المستقلة، حيث استمرت حركات التمرد والعصيان ضد الحكم الإيراني حتى عام 1930، إذ استدرجت الحكومة الإيرانية سمكو آغا إلى مدينة “شنو” للتفاوض ونصبت له كميناً واغتالته غدراً. وفي خريف عام 1931، ظهرت في همدان حركة جعفر سلطان هورمان المسلحة التي تم القضاء عليها بقسوة شديدة، وكان من نتائجها أن “اعترف” ممثل الكرد في البرلمان الإيراني بأن ليس ثمة مشكلة كردية، وأن الكرد يعتبرون أنفسهم إيرانيين، وقد منعوا من استعمال لغتهم أو من ارتداء زيهم القومي، وذلك تحت طائلة العقوبة.

وبعد حركة هورمان بنحو 10 سنوات خرجت عام 1941 حركة قبلية مسلحة قادها الشيخ حمه رشيد خان الذي استولى على مهاباد وإقليم ساقز – بانة، ولكن الجيش الإيراني ما لبث أن طرده فلجأ إلى العراق عام 1942، إذ ألقي القبض عليه. وعاد لإيران مجدداً عام 1945 مع مجموعة من رجاله قوامها 200 رجل، ولكن حركته انتهت من دون أي نتائج تذكر. بعد دخول قوات الحلفاء إيران عام 1941 خلال الحرب العالمية الثانية، مع القوات الروسية للقضاء على حكم رضا شاه بهلوي الموالي للنازيين، أعلن الأذر في شمال إيران إقامة حكومة يسارية مستقلة، مدعومة مادياً وسياسياً من روسيا، وقد شجع بقاء جزء من الشمال الإيراني، وبالتحديد في مناطق الأكراد، بعيداً من قوات الدول الحلفاء، الأكراد على إعلان المنطقة، منطقة سيادة كردية، وبذلك أعلن عن تأسيس جمهورية مهاباد في 22 يناير (كانون الثاني) عام 1946، برئاسة زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني قاضي محمد، واتخذت من مدينة مهاباد عاصمة لها.

إلا أن الضغط الكبير الذي مارسه الشاه رضا شاه على الولايات المتحدة، والتي ضغطت بدورها على الاتحاد السوفياتي لسحب قواته، كان كفيلاً بإسقاط الجمهورية الوليدة بعد 11 شهراً من قيامها، وتم إعدام قاضي محمد في مارس (آذار) 1947 في ساحة جوارجرا بمدينة مهاباد، وشقيقه صدر قاضي الذي كان عضواً في البرلمان الإيراني، وابن عمه سيف قاضي وزير دفاع مهاباد، وغيرهم كثيرون. وبعد سقوط الدولة واصل البرزانيون مواجهتهم للقوات الإيرانية، وتعرضت مراكز إقامة عائلاتهم للقصف بالطائرات، مما دفعهم للتوجه نحو العراق، حيث كانت القوات العراقية بانتظارهم واشتبكت معهم مما اضطرهم لأن يتركوا الأطفال والنساء في بارزان، بينما دخل الرجال (ويقال إن عددهم كان 500)، تركيا، ومنها عادوا مجدداً إلى إيران لمواصلة حركتهم المسلحة إلى أن عبروا نهر أوراس ودخلوا الاتحاد السوفياتي لاجئين، ولم يعودوا للعراق إلا بعد قيام الثورة العراقية عام 1958.

مهاجمة الأكراد

ونتيجة لتعرضهم للاضطهادات المتتالية من حكومات الدولة البهلوية المتعاقبة، شارك الأكراد في الثورة على دولة الشاه، وأسهموا في إسقاطها خلال “ثورة الخميني” عام 1979، وقاموا بتشكيل ميليشياتهم الخاصة باسم “البيشمركة”. وبسبب رفض مرشد الثورة الخميني إعطاءهم حكماً ذاتياً (وبخاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني)، دخلوا في مواجهات مع القوات الإيرانية في كثير من المدن الكردية التي تعرضت لهجمات عنيفة من “الحرس الثوري” الإيراني، مما اضطر البيشمركة لأن تلجأ للجبال. وبعد الثورة قامت الحكومة الإيرانية الجديدة بإرسال لجان تقصي حقائق للوقوف على حقيقة المظلومية التي يرفعها الأكراد، لكن لم يستطع الطرفان التوصل لحل في ظل سقف مطالب الأكراد المرتفع الذي وصل إلى حد المطالبة بأحقية الحكم الذاتي. وعقب فشل المفاوضات اندلع التمرد الكردي في منتصف مارس (آذار) عام 1979، وأصبح الأكبر بين الانتفاضات على مستوى الدولة في إيران ضد النظام الجديد. وبعد تحقيق المسلحين الأكراد بعض المكاسب، أعلن المرشد الأعلى للثورة روح الله الخميني “الجهاد” ضد الأكراد، وقصف مدنهم بالطائرات، واستمرت هذه الانتفاضة حتى أواخر 1983، إذ هاجمت قوات الحرس الثوري الإيراني المناطق الکردیة في هجوم واسع أدى إلى سقوط آلاف الضحايا من الأكراد.

الحرب العراقية – الإيرانية

عند اندلاع الحرب بين العراق وإيران عام 1980-1988 تعرض خلالها الكرد لنكسات ومجازر عدة، منها مذابح حلبجة وسانجاق وباهدينان وليسير عام 1988، ولكن الوضع في نهاية المطاف استقر للسلطات الإيرانية وأصبحت المواجهات المسلحة في المناطق الكردية الإيرانية متقطعة وغير ذات أهمية، وتعرض في هذه الفترة عدد من زعماء الكرد في الخارج للاغتيال من أبرزهم زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني عبدالرحمن قاسملو. وبعد سقوط بغداد 2003، وقدوم الحكومة العراقية الجديدة وتمتع كردستان العراق بحكم ذاتي معترف به، أعطت هذه الأوضاع دفعاً لكرد إيران الذين يتخذون من الشريط الحدودي الإيراني – العراقي أرضاً لمعسكراتهم، وكثر الحديث عن هجمات متفرقة تتعرض لها القوات الإيرانية، في الوقت الذي أكد فيه بعض قادة الكرد، ولا سيما الحزب الأبرز الحزب “الديمقراطي الكردستاني” أنهم يمتلكون بيشمركة خاصة بهم وأنها تعمل وفق ظروفها الخاصة.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى