انتشار أمني كثيف في الساحات الرئيسية بطهران والمحتجون يضغطون على الحكومة. فيما تواصل الاحتجاجات في أنحاء إيران الضغط على الحكومة، انتشرت شرطة مكافحة الشغب الإيرانية في الساحات الرئيسية بطهران اليوم الأربعاء لمواجهة محتجين يهتفون “الموت للديكتاتور”، فيما تزايد الضغط على السلطات بفعل احتجاجات في أنحاء البلاد أثارتها وفاة الشابة الإيرانية مهسا أميني أثناء احتجاز الشرطة لها.
وفي وقت مبكر الأربعاء، أظهر تسجيل مصور متظاهرين في طهران يهتفون “اذهبوا إلى الجحيم يا ملالي!” و”الموت للديكتاتور!” و”الموت للزعيم بسبب كل هذه السنوات من الجريمة!”.
وحذرت قيادة الشرطة الإيرانية، الأربعاء 28 سبتمبر (أيلول)، من أن وحداتها ستواجه “بكل قوتها” المتظاهرين الذين يحتجون منذ 12 يوماً، وقالت القيادة في بيان “اليوم يسعى أعداء جمهورية إيران الإسلامية وبعض مثيري الشغب إلى العبث بالنظام العام وأمن الأمة باستخدام ذرائع مختلفة”.
وأضافت، “عناصر الشرطة سيواجهون بكل قوتهم مؤامرات مناهضي الثورة والعناصر المعادين، وسيتصرفون بحزم ضد من يخلون بالنظام العام وبالأمن في كل أنحاء البلاد”.
ومنذ الإعلان عن وفاة الشابة مهسا أميني في الاعتقال، 16 سبتمبر، بعد ثلاثة أيام على توقيفها في طهران لعدم التزامها قواعد اللباس الصارمة للجمهورية الإسلامية تشهد إيران تظاهرات مسائية متتالية.
وبحسب حصيلة جديدة نشرتها، الثلاثاء، وكالة أنباء فارس “قتل نحو 60 شخصاً” منذ 16 سبتمبر وأعلنت الشرطة مقتل 10 من عناصرها، لكن لم يتضح ما إذا كان هؤلاء الـ10 ضمن الحصيلة التي أوردتها وكالة “فارس”، كما أعلنت السلطات توقيف أكثر من 1200 متظاهر.
استهداف أكراد العراق
وقتل عنصران على الأقلّ من حزب كردي إيراني معارض بقصف إيراني في إقليم كردستان في شمال العراق، استهدف الأربعاء عدة مواقع لأحزاب كردية إيرانية معارضة تندد باستمرار بقمع التظاهرات في إيران.
وفي عملية تبنتها إيران، قتل بقصف صاروخي وطائرات مسيّرة شخصان ينتميان إلى الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني المعارض، وفق بيان نشره الحزب، مشيراً أيضاً إلى وقوع جرحى من عناصره.
وجاء في البيان أن “قوات الجمهورية الإسلامية الإيرانية هاجمت قواعد ومقرات الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني بالصواريخ والطائرات المسيرة” في إشارة إلى قصف استهدف منطقة كويسنجق غرب أربيل، مضيفاً أنه “استنادا إلى المعلومات الأولية استشهد شخصان…واصيب عدد آخر” من عناصر الحزب.
وتسبب القصف أيضاً بأضرار ودمار مبانٍ في منطقة زركويز على بعد نحو 15 كلم من مدينة السليمانية حيث توجد مقار عدة أحزاب كردية إيرانية معارضة يسارية مسلحة، لا سيما حزب كومله – كادحو كردستان.
وقالت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية، إن الحرس الثوري شن هجمات بصواريخ وطائرات مسيرة على “إرهابيين” في المنطقة الكردية بشمال العراق الأربعاء.
وتتهم إيران معارضين إيرانيين مسلحين من الأكراد بالضلوع في الاضطرابات المستمرة في البلاد لا سيما في شمال غربي البلاد، حيث يعيش معظم أكراد إيران البالغ عددهم 10 ملايين نسمة.
إسبانيا تستدعي سفير طهران
ومن جانبها استدعت إسبانيا، الأربعاء، السفير الإيراني لديها للاحتجاج على قمع التظاهرات في إيران، التي أودت بالعشرات وفق مصدر دبلوماسي.
وقال المصدر إن “وزارة الخارجية استدعت السفير الإيراني لدى مدريد للتعبير عن معارضتها لقمع التظاهرات وانتهاك حقوق النساء”.
“نقطة تحول”
قالت مسيح علي نجاد وهي صحافية إيرانية تقيم في الولايات المتحدة وناشطة بمجال حقوق المرأة، إن الاحتجاجات التي اندلعت في عشرات المدن على وفاة الشابة مهسا أميني بعد أن احتجزتها شرطة الأخلاق تمثل “نقطة تحول” بالنسبة لطهران.
وأضافت نجاد لـ”رويترز”، الثلاثاء في نيويورك، “بالنسبة للجمهورية الإسلامية، قتل مهسا أميني أصبح نقطة تحول لأن الحجاب الإجباري ليس مجرد قطعة صغيرة من القماش، إنه مثل جدار برلين وإذا تمكنت النساء الإيرانيات من هدم هذا الجدار فلن تكون الجمهورية الإسلامية موجودة”.
وكانت شرطة الأخلاق التي تنفذ القيود الصارمة على ملابس النساء قد احتجزت أميني (22 سنة) وهي من مدينة سقز الكردية، بسبب “ملابسها غير المناسبة” في 13 سبتمبر في طهران.
وتوفيت أميني بعد ذلك بثلاثة أيام في مستشفى بعد دخولها في غيبوبة مما أثار أول ظهور كبير للمعارضة في شوارع إيران منذ أن سحقت السلطات احتجاجات على ارتفاع أسعار البنزين في 2019.
وتقول الشرطة، إنها أصيبت بالإعياء بينما كانت تنتظر مع نساء أخريات.
وقالت الصحافية علي نجاد “هذه الحركة هي نتيجة 40 عاماً من كفاح النساء ومقاومتهن القيود”.
وأطلقت علي نجاد حملة على وسائل التواصل الاجتماعي عام 2014 لتشجيع النساء في إيران على مشاركة صورهن من دون حجاب لتنشرها بعد ذلك على صفحتها على “فيسبوك”.
وأثارت وفاة أميني إدانات دولية واسعة بينما اتهمت إيران “مخربين” على صلة “بأعداء خارجيين” بإثارة الاضطرابات. وتتهم طهران الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية باستغلال الاضطرابات لمحاولة زعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية.
اشتباكات
وقالت وسائل إعلام رسمية ومستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي، الثلاثاء، إن شرطة مكافحة الشغب الإيرانية وقوات الأمن اشتبكت مع محتجين في عشرات المدن مع استمرار الاحتجاجات على وفاة أميني.
وعلى الرغم من ارتفاع حصيلة القتلى وشن السلطات حملة قمع شرسة ضد الاحتجاجات، أظهرت مقاطع مصورة على “تويتر” خروج متظاهرين يطالبون بإسقاط المؤسسة الدينية أثناء اشتباكهم مع قوات الأمن في طهران وتبريز وكرج ويزد والعديد من المدن الإيرانية الأخرى.
وقالت منظمة العفو الدولية على “تويتر” إن قوات الأمن الإيرانية ردت على الاحتجاجات باستخدام “القوة غير المشروعة، بما في ذلك استخدام الذخيرة الحية والخرطوش وطلقات معدنية أخرى مما أسفر عن مقتل العشرات وإصابة مئات آخرين”.
ووصف الإعلام الرسمي المحتجين بأنهم “منافقون ومثيرون للشغب ومخربون ومحضرون على الفتنة”، وقال التلفزيون الرسمي إن الشرطة اشتبكت مع “مثيري الشغب” في بعض المدن وأطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.
وأظهرت مقاطع مصورة بُثت على مواقع التواصل الاجتماعي من داخل إيران محتجين يهتفون “امرأة… حياة… حرية”، بينما لوح بعض النساء بحجابهن وأحرقنه وأقدمن على قص شعرهن.
وأظهرت مقاطع مصورة على “تويتر” محتجين يهتفون “الموت للديكتاتور”، في إشارة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي. وأظهرت مقاطع أخرى إطلاق قوات مكافحة الشغب النار على متظاهرين في مدينتي سنندج وسردشت الكرديتين.
ساحات قتال
وسُمعت هتافات للمحتجين في أحد مقاطع الفيديو من طهران “سأقتل من قتلوا أختي”، وجاء في تغريدة على حساب “1500 تصوير” على “تويتر” إن “الشوارع صارت ساحات قتال”.
وأظهرت مقاطع مصورة أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي استمرار الاحتجاجات في عشرات المدن بعد غروب شمس يوم الثلاثاء. وأصدر أكثر من 300 مسيحي إيراني بياناً لدعم الاحتجاجات.
وفرضت السلطات قيوداً على الاتصال بالإنترنت في أقاليم عدة، وفقاً لمرصد “نتبلوكس” لمراقبة انقطاعات الإنترنت على “تويتر” ومصادر في إيران، حتى تجعل من الصعب على المتظاهرين نشر مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي.
دعم متزايد
دعت متحدثة باسم المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الثلاثاء، رجال الدين الذين يحكمون في إيران إلى “الاحترام الكامل للحق في حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات”.
وقالت رافينا شمدساني، في بيان، إن التقارير تشير إلى “اعتقال المئات، منهم مدافعون عن حقوق الإنسان ومحامون ونشطاء مجتمع مدني وما لا يقل عن 18 صحافياً”.
وجاء في البيان أن “الآلاف انضموا إلى التظاهرات المناهضة للحكومة في أنحاء البلاد على مدار الأحد عشر يوماً الماضية. وردت قوات الأمن في بعض الأحيان بالذخيرة الحية”.
إضراب عام
ودعا بعض النشطاء بجانب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى تنظيم إضراب على مستوى البلاد، وعبر أساتذة جامعيون ومشاهير ولاعبو كرة قدم عن دعمهم للاحتجاجات على وفاة أميني، بحسب تصريحات نشروها على مواقع التواصل الاجتماعي.
ورفض الطلاب في عدة جامعات الانتظام في المحاضرات احتجاجاً على حملة اعتقالات واسعة للطلاب وعنف المواجهات مع قوات الأمن في الجامعات.
“ضبط النفس”
دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الأربعاء، إيران إلى ممارسة “أقصى درجات ضبط النفس” في مواجهة التظاهرات الاحتجاجية.
وقال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم غوتيريش، في بيان، إن “الأمين العام يدعو سلطات إنفاذ القانون إلى الامتناع عن استخدام أي قوة غير ضرورية أو غير متناسبة، ويحض الجميع على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس لتجنب تصعيد” الوضع في إيران.
وأضاف “نحن نشعر بقلق متزايد إزاء التقارير التي تتحدث عن عدد متزايد من الوفيات، بمن فيهم نساء وأطفال، على خلفية الاحتجاجات”، كما شدد الأمين العام في بيانه على ضرورة إجراء “تحقيق سريع ونزيه وفعال” في ملابسات موت مهسا أميني.
اعتقال فائزة رفسنجاني
واعتقلت السلطات الإيرانية الثلاثاء ابنة الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني بسبب دعمها للاحتجاجات، وفق ما أفادت وكالة “تسنيم” للأنباء، وسط موجة تظاهرات تعم البلاد.
وذكرت الوكالة أن “فائزة هاشمي اعتقلت في شرق طهران من قبل جهاز أمني” لدعمها الاحتجاج في الشوارع، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل.
وسبق لفائزة هاشمي، النائبة السابقة والناشطة في مجال حقوق المرأة، أن دخلت في مواجهات مع السلطات الإيرانية.
ففي يوليو (تموز) وجهت إليها تهمة القيام بأنشطة دعائية ضد البلاد والتجديف في تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، وفق ما أفاد القضاء في ذلك الوقت.
ونقل عنها يومها قولها على تطبيق “كلوب هاوس” إن مطالبة إيران بإزالة الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأميركية “يضر” بـ”المصالح الوطنية” للبلاد.
وكان والدها الرئيس الراحل رفسنجاني معتدلاً، وقد دعا إلى تحسين العلاقات مع الغرب والولايات المتحدة. وفي عام 2012 حُكم على فائزة هاشمي بالسجن ستة أشهر بتهمة “الدعاية ضد الجمهورية الإسلامية”.
المصدر: اندبندنت عربية