تحذير من “تتريك” الشمال السوري

باريس- دعت “منظمة فرساي لتلاقي الثقافتين العربية والفرنسية” جامعة الدول العربية والأمم المتحدة، ممثلة بالـ”يونسكو” وسائر المراكز والمؤسسات الثقافية المعنية باللغة العربية، إلى وضع حد لمشاريع التتريك المتواصلة التي تقوم بها أنقرة في شمال سورية، مؤكدة أن ما يتم القيام به في المناطق التابعة لسيطرة فصائل سورية مُعارضة تتبع الاستخبارات التركية خطير جداً ويمثل ممارسات احتلالية بكل معنى الكلمة؛ حيث بات تأكيد الهوية العربية في تلك المناطق ضرباً من الخيال في ظل استمرار مشاريع التغيير الديموغرافي وطمس الهوية الثقافية.

وحذرت المنظمة، في بيان لها عبر منصاتها الإلكترونية، من تكرار المساعي التركية لمحاربة لغة الضاد في مناطق ما وصفته بـ”الاحتلال التركي” شمال سورية، ما يمثل انتهاكاً ضد الثقافة العربية السورية، ولمبادئ منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) التي تحتفي كل عام باليوم العالمي للغة العربية في 18 كانون الأول (ديسمبر)، باعتبار العربية التي يتحدث بها حوالي نصف مليار شخص (أكثر من 6 % من سكان العالم)، أحد أهم أركان التنوع الثقافي للبشرية. وهي اللغة الرسمية السادسة في المنظمة الدولية إلى جانب الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية والصينية. كما تحتفي الأمم المتحدة باليوم الدولي للغة الأم، وتصفها بأنها حق وتراث وهوية وميزة لكل من يمتلكها من الأفراد والمجموعات والدول. بينما لوحظ مؤخراً تنامي مشاعر العنصرية الواضحة لدى العديد من الأتراك تجاه لغة الضاد، إلا أن ما يحدث في البلد الذي كان يعد إحدى أهم ركائز الحفاظ على اللغة العربية التي صمدت عبر عشرات القرون، وبقيت لغة حية معاصرة ومتجددة ذات مخزون ثقافي شرقي أصيل قادر على التواصل الحضاري والابتكار، هو أمر يدعو للاستنكار ولا يمكن السكوت عنه، خاصة وأن الحكومة التركية تدعي عدم وجود مطامع استعمارية لها في الأراضي السورية بينما تقوم بممارسات عكس ما تقوله تماماً. وتتردد أنباء عن خطط لتنظيم استفتاء في بعض المدن السورية الخاضعة لسيطرة فصائل موالية لأنقرة بهدف منحها الحكم الذاتي وإلحاقها لاحقاً بالأراضي التركية. إلا أنه تم تأجيل تلك الخطط لإعادة دراستها بعد تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا في حزيران (يونيو) 2023، وانتظار أن يكون المشهد السياسي الإقليمي والدولي مواتياً.

حول خطورة ذلك، قال عبد الناصر نهار، مدير منظمة فرساي لتلاقي الثقافتين العربية والفرنسية، إنه كان لدمشق الدور الأساس على مدى القرون الماضية في الحفاظ على لغة الضاد والتصدي لمحاولات تغييبها وطمسها، خاصة في ظل الاحتلال العثماني. كما أسهمت في إعادة إحيائها في بعض الدول العربية التي كانت تخضع لممارسات استعمارية من قبل دول مختلفة، وكانت العاصمة السورية أول من أسس مجمعاً للغة الضاد، حتى باتت اليوم خامس أكثر لغات البشرية تداولاً واستخداماً. وباختصار، كانت سورية هي القلب النابض للفكر العربي وللغة والثقافة العربية. وذلك، من واجب الجامعة العربية والدول الأعضاء وسائر المراكز والمؤسسات الثقافية العربية الوقوف بجانب المساعي السورية الرسمية والشعبية على حد سواء لمنع استخدام اللغة التركية في شمال سورية بشكل تام والحفاظ على لغة الضاد في البلد الذي كان رأس حربة في مقاومة التتريك ومساعي طمس الهوية العربية.

واستنكر نهار صمت العديد من المعارضين السوريين وتقاعسهم عن الوقوف ضد محاولات تتريك المجتمع السوري شمال البلاد بحجة تخليصه من الإرهاب وتقديم المساعدة والدعم، مشيراً إلى أنه تم بالفعل إنجاز مخططات التتريك بشكل تام في العديد من المناطق شمال سورية، بهدف تكريس الانفصال عن أراضي الجمهورية العربية السورية حينما تكون الفرصة مواتية إقليمياً ودولياً لأنقرة. فقد تم استبدال أسماء معظم الشوارع والأحياء بأخرى عثمانية، وفرض التعامل باللغة والليرة التركيتين، وبشكل خاص في مدن “الباب” و”عفرين” و”جرابلس” و”اعزاز” و”أخترين” و”مارع” و”رأس العين” و”تل أبيض”. كما تم جلب موظفين وعناصر أمن أتراك لتقديم خدمات الصحة والبريد والصرافة والهاتف والمياه والكهرباء وغيرها من المستلزمات المعيشية واللوجستية، بهدف إجبار من يتعامل معهم على تعلم اللغة التركية، وبالتالي تغييب اللغة العربية عن المشهد اليومي للحياة، خاصة في الأجيال الشابة، وهو ما يترافق أيضاً مع توزيع كتب ومناهج دراسية تركية في المدارس السورية في تلك المناطق.

على الرغم من أن غالبية السوريين في المدن الخاضعة لسيطرة فصائل تابعة للحكومة التركية، يرفضون ممارساتها ويعتبرون العربية والعملة السورية ركائز هويتهم الثقافية، إلا أنهم لا يجرؤون على الاعتراض بسبب تبعية مقاتلي تلك الفصائل المرتزقة للاستخبارات التركية وما يرتكبونه من انتهاكات جسيمة ضدّهم تحت إشراف المحتل التركي بشكل مباشر، حتى أن عدد الأعلام والشعارات التركية التي تشاهد في مناطق سورية عدة شمال البلاد بات يفوق ما هو موجود في مدن تركية كثيرة.

وأوضح مدير المنظمة الثقافية الفرنسية، أنه، وفي مقابل الهجوم الذي تتعرض له اللغة العربية شمال سورية بهدف تقنين انتشارها وعدم استخدامها كلغة رسمية، فإننا نجد لغة الضاد وهي تعزز حضورها أكثر في المجتمع الفرنسي، وخاصة بين فئة الشباب، فيما يتم تعليمها في المدارس الرسمية لمن يرغب. وأشاد في هذا الصدد بالجهود التي تبذلها الحكومة الفرنسية لإتاحة تعليم وانتشار لغة الضاد وفق غايات إنسانية حضارية، وكان قد تم الإعلان مؤخراً في العاصمة الفرنسية عن إطلاق “منظمة فرساي لتلاقي الثقافتين العربية والفرنسية”، بهدف المساهمة في تحقيق اندماج أفضل للجاليات العربية في المجتمع الفرنسي وفق مبادئ وقيم الجمهورية، والسعي لخلق فهم أفضل بالعالم العربي المعاصر وتاريخه في فرنسا والاتحاد الأوروبي. والمنظمة المُجتمعية، تطوعية غير ربحية ومستقلة، مقرها في مدينة فرساي غرب باريس، تعمل وفق القوانين الفرنسية، وقد تأسست بقرار من وزارة الداخلية الفرنسية. ويضم مجلس الأمناء نخبة من الشخصيات السياسية والثقافية والأكاديمية الفرنسية والعربية. وتمثل المنظمات الدولية غير الحكومية ذات التوجه الأوروبي المجتمع المدني في الدول الأعضاء في مجلس أوروبا، وتتطلع لنقل الروح والإنجازات الأوروبية إلى مُختلف الشعوب.

المصدر:  (أحوال تركية) /الغد الأردنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى