رواية : ّكائن لا تحتمل خفّته صـ310 الكتب : ميلان كونديرا . الطبعة الثالثة عام 2013
ترجمة: ماري ماًطوق .
مهدت الإمبراطورية الروسية الجرائم الظالمة لدول ولشعوب، كما مهد الاتحاد السوفياتي أيضاً لحروب واحتلال دول حاولت أن تستقل كربيع براغ/ تشيك عام 1968، ومنذ ستة أشهر غزت أكرونيا.
“يصر فلاديمير بوتين على رسم المستقبل على شاكلة الماضي كما يراه في منظوره. غزا الرئيس الروسي أوكرانيا ليس لأنه شعر بالتهديد من توسع الناتو أو الاستفزازات الغربية وحسب. لقد أمر بـ عمليته العسكرية الخاصة لأنه يعتقد أن لدى روسيا الحقّ الإلهي بأن تحكم أوكرانيا، وأن تمحو الهوية الوطنية للبلاد، وأن تدمج شعبها في روسيا الكبرى.” فيونا هيل أنجيلا ستينت.
ومنذ عام 2015 تدخل بوتن ووزير دفاعه والجيش الروسي إلى ربيع الشعب السوري وإلى مدينة حلب …مستهدفاً المدارس والمشافي ومؤسسات الدولة، واعترف مع رجاله بتجربة أسلحته وقذائفه، فيها معيداً ربيع براغ التشيك، فروسيا القيصر والاتحاد السوفيلتي وبوتن ……” نفي نصف الاجئين من سكان لتوانيا وقتل مئات الآلاف من البلونيين، وتصفية التتر في كريميه، كل هذه الجرائم بقيت في الذاكرة من دون صور تقيم الدليل على وقوعها…..أمضيت الأيام السبعة تلك في شوارع براغ، وهي تلقط صوراً لجنود وضباط من الروس في أوضاع مشبوهة مختلفة، ولم يكن الروس مستعدين لمثل هذا الأمر….فالإجتياح الروسي، تكرر، لم يكن مأساة فحسب، …” صـ65
بينما كانت الجماهير المتدفقة على جادة سان جرمان في ساحة الجمهورية بتجاهل الباستيل في ربيع باريس عام 1968 ” الجماهير التي تتقدم هاتفة بالشعارات هي صورة عن أوروبا وتاريخها هي مسيرة، كبرى عن ثورة إلى ثورة من نضال إلى نضال ودائما إلى الأمام ” صـ87
” سُلت ألا ترغبين إذاً في النضال ضد اجتياح بلادك ؟ كانت تود أن تقول لهم إن الشيوعية والفاشية وكل أنواع الاحتلالات تخفي في طياتها سراً أكثر خطورة وشمولاً. وصورة هذا السر تتجلى في مواكب الناس الماشين في صفوف وهم يرفعون قبضاتهم هاتفين بالمقاطع اللفظية نفسها على نسق واحد ” صـ 98………..ثم قال بلهجة أبوية ” السيدة تيريزا، للشرطة مهام عدة، المهمة الأولى كلاسيكية ومفادها يسمعون، وينقلوه لرؤسائهم والمهمة الثانية هي يالتهديد. يظهرون لنا أنهم يضعوننا تحت رحمتهم ومرادهم أن نخاف وهذا ما كان يبغيه رجلك الأصلع، والمهمة الثالثة تعني مواقف يمكنها توريطنا ما من عاد يهتم بالناس على النظام هذا يزيد من تعاطف الناس معنا. لذلك فهم يفضلون العثور على حشيشة في قعر جيوبنا أو أن يثبتوا بأننا اغتصبنا فتاة في الثامنة عشرة، ويحضرون صبية تشهد على ذلك” صـ 161
ليننغراد، وشارع روستوف، وشارع نوفوسيبرك وشارع كييف………..كل الأسماء مأخوذة من روسيا ومن التاريخ الروسي…” عندما انهار الاتحاد السوفييتي بأسباب داخلية وبلا مقاومة ودفاع عنه، تسارعت اشتراكيات شرق أوروبا وتخلت عنه واتجهت غرباً. ” هؤلاء الناس يعتقدون أن الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية هي فقط من صنع مجرمين، فإنهم يغفلون حقيقة أساسية. الأنظمة المجرمة لم ينشئها أناس مجرمون، وإنما أناس متحمسون ومقتنعون، بأنهم وجدوا الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى الجنة، فأخذوا يدافعون ببسالة عن هذا الطريق الذي يؤدي إلى الجنة، فأخذوا يدافعون ببسالة عن هذا الطريق”، ومن أجل هذا قاموا بإعدام الكثيرين. ثم فيما بعد أصبح جلياً وواضحاً أكثر من نور النهار، أن الجنة ليست موجودة وأن المتحمسين كانوا إذاً مجرد سفاحين ” صـ 172
الكتّاب ينشرون مقالات يسألون فيها ” أسئلة على نمط من هو المذنب؟ أو إلى أي حد ارتكبت جرائم قضائية خلال المحاكمات السياسية في السنوات الأولى لنظام الشيوعي ….حدث ذلك أثناء ربيع 1968 كان الكسندر دوبشك مستلماً سدة الحكم ومحاطاً بالشيوعين الذي يحسون ومستعدون لعمل شيء ما من أجل إصلاح خطتهم، ولكن الشيوعيين الآخرين الذين كانوا يزعمون….” صـ 174
أول بيان كبير ظهر في ربيع براغ عام 1968 كان يطالب ” بنشر جذري بديمقراطية في النظام الشيوعي. وقع هذا البيان حشد من المثقفين ثم وقع عليه أناس عاديون، و بدأت تتدفق حتى لم يعد بالإمكان إحصاؤها، عند اجتياح الروس بوهيمياً وبدأت عمليات التطهير السياسية، كان هناك سؤال موجه إلى المواطن يقول: هل وقعت أنت أيضاً على بيان الألفي كلمة، فصرف هؤلاء الناس الذين اعترفوا بأنهم وقعوا من وظائفهم في الحال” صـ 211
ذهب الطبيب الجراح توماس وتيريزا إلى الريف الجراح سائق والصحفية راعية بقر! ” إلى مدينة المياه المعدنية حيث اكتشفا أن جميع الشوارع هناك قد تغيرت أسماؤها وأصبحت روسية، وحيث التقيا بأحد مرضى الجراح توماس القدامى، أثر فيه هذا اللقاء فها إن أحداً يتحدث معه فجأة كما يجري الحديث مع طبيب ” صـ 228
لا مَن يحدثه في المجالات والبيوت وهو يغسل ويمسح الزجاج، إثر استقالته من الطب كجراح مختص بأورام الرأس، تخلصاً من تحقيقات الشرطة معه. قالت تيرزا: براغ تصير بشعةا قال توماس، هذا صحيح، مرت خمس سنوات على اجتيا ح الجيش الروسي لبلاد توماس بطل الرواية والمتحدث ” وبراغ كانت تتغير كثيراً: لم يكن الناس الذين يصادفهم توماس في الشارع هم أنفسهم الذين كان يراهم في السابق، وكان نصف أصدقائه قد هاجروا والنصف الآخر الذين لم يهاجروا ماتوا ” صـ 231.
هذا الحدث لن يدونه أي مؤرخ كانت السنوات الكثرة، ” حصل مع الشاعر فرنتشل هروبين الذي مات وهو يتهرب من محبة الحزب، لحقه وزير الثقافة، وهو الذي كان حاول بكل ما أوتي من فوة الفرار منه، لحقه حتى النعش وألقى الوزير كلمة على قبره خطبة ضمنها محبة الشاعر للاتحاد السوفياتي،
الوطن الذي جرت خيانته، وذكر الحب الأول يسيل دون انقطاع، ومعنى ثائر الدمعة الأولى تقول:
– ما أجمل أن يهرول صبية على مرحه والدمعة الثانية تقول
– ما أجمل أن تتأثر الإنسانية جميعاً بمنظر صبية يركضون على مرحى وحدها
– الدمعة الثالثة تجعل الكيتش كيتشاً، ذلك أن أخوة الناس جميعهم لا يمكن أن تبنى أصلاً إلا على أساس ” الكيتش” .” صـ”252
” لكن القرية في ظل الشيوعية لم تعهد تشبه هذه الصورة. كانت الكنيسة موجودة في مجتمعه مجاور، ولا أحد يذهب إليها أما النُزل فقد تحول إلى مكاتب ولم يعد الرجال يعرفون اهتمام أحد…..بينما أن الجميع كان راغباً في الرحيل فإن وضع تبريزا وتوماس يصير إذ ذاك استثنائياً: لقد أتيا بكامل إرادتهما…أصبح رئيس التعاونية صديقهما المخلص ” صـ 282
بدأ الروس بتغيير أسماء الشوارع والمؤسسات، وكان عليهم أن ينتقوا من بين التشيكيين ” رجالاً يضعونهم في سدة السلطة”، ولكن كيف تجدهم خصوصاً وأن الإيمان بالشيوعية وحب روسيا باتا أمرين مفروغاً منهما، بين هؤلاء الذين يغذون في داخلهم يغذون الرغبة الحقودة في تسديد حساباتهم مع الحياة ” ” بعد مرور على ذلك انصبّ الحقد المتراكم والمجرب في البدء على الحيوانات ……. استطاعت الحيوانات أخيراً أن تستعيد أنفاسها ” صـ289″ أمام عيني ماثلة أبدأ تيروز الجالسة على أرومة شجرة وهي تداعب رأس الكلبة كارنينا، وتفكر في اخفاق الإنسانية. وفي الوقت ذاته تنبثق صورة أخرى أمام عيني: صورة نتشه وهو خارج من فتدق في فوران، يرى حوذياً ينزل على حصانه بالسوط. يقترب نيتشة من الحصان ويحيط عنقه بذراعيه أمام ناظري الحوذي، ويجهش في البكاء.
صـ 290 ” حدث هذا في عام 1889 عندما كان تيتشه قد تنحى كلياً من الناس، وبكلمة أخرى في تلك الفترة تحديداً انتشر في مرضه العقلي …جاء نيتشه يطلب لديكارت المغفرة من الحصان وهذه “النيتشه” بالذات هو الذي أحبه، كما أحب تماماً تيريزا التي تداعب كلبتها المريضة حتى تتابع الإنسانية الطبيعية وما لكتبها ” تقدمها إلى الأمام ” “الزمن الإنساني لا يسير في شكل دائري بل يتقدم في خط مستقيم. من هنا ، لا يمكن للإنسان أن يكون سعيداً لأن السعادة رغبة في التكرار” ص ـ 300
أخيراً تكتب إعلامية فرنسية الجنسية وإيرانية الأصل: أيام الشاه كنا نشرب الخمر نهاراً علناً،” ونصلي سراً ليلاً، واليوم نصلي نهاراً علنا، ونشرب الخمر ليلاً سراً. وبالأمس تقتل فتاة لخلل في حجابها في مخفر شرطة إيراني، ووأدت الصين ربيع بكين، وغسلت ساحاتها بدماء طلابها .