هل ستمزق أزمة الصحراء الغربية المغرب العربي؟

سابينا هينبرج

على الرغم من أنه ليس هناك تهديد كبير بنشوب نزاع مسلح في منطقة المغرب العربي، إلا أنها قد تكون هناك عواقب اقتصادية بعيدة المدى للصراع الدبلوماسي المتفاقم في المنطقة.

* * *

منذ أواخر آب (أغسطس)، دخل المغرب وتونس في خلاف دبلوماسي توشك أن تمتد تداعياته إلى علاقاتهما التجارية. فقد سحب المغرب سفيره من تونس في 26 آب (أغسطس) بعد أن استقبل الرئيس التونسي، قيس سعيّد، زعيم “جبهة البوليساريو” إبراهيم غالي، وهي الحركة التي تطالب بتقرير المصير لشعب الصحراء الغربية التي يطالب المغرب بالسيادة عليها. وردا على ذلك، استدعت الحكومة التونسية سفيرها من الرباط أيضا. وكان غالي قد جاء إلى تونس للمشاركة في “مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية”، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور يظهر فيها سعيّد وهو يرحب به في المطار. وسرعان ما أعلن المغرب أنه لن يشارك في المؤتمر، وظهرت تقارير في 31 آب (أغسطس) مفادها أن الرباط تفكر في قطع العلاقات الاقتصادية مع تونس. وفي الأسبوع قبل الماضي أعلن “الاتحاد المغربي لجمعيات حماية المستهلكين” عن حملة لمقاطعة البضائع التونسية.

جرّت الأزمة تونس حالياً إلى خصومة طويل الأمد بين الجزائر والمغرب، كانت تتمحور حول قضية الصحراء الغربية. فقد دعمت الجزائر “جبهة البوليساريو” منذ تشكيلها، وهو ما وضَع البلد بالتالي في مواجهة مع المغرب. لكنّ تونس سعت تاريخيا إلى البقاء على الحياد.

كيف أصبحت تونس فجأةً متورطة في الخلاف بين الجزائر والمغرب حول الصحراء الغربية، وما الذي يمكن أن نتوقعه في المستقبل؟

لماذا الآن؟

تصاعدت التوترات بين المغرب والجزائر بشأن قضية الصحراء الغربية منذ ما يقرب من عامين. ففي تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، أعلنت “جبهة البوليساريو” إنهاء وقف إطلاق النار الذي استمر قرابة ثلاثة عقود بعد أن عبرت القوات المغربية منطقة عازلة لإبعاد متظاهرين صحراويين كانوا يغلقون الطريق الرئيسي الذي يربط المغرب بموريتانيا، والذي يمرّ عبر الصحراء الغربية. وفي الشهر التالي، اعترفت إدارة ترامب بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية مقابل تطبيع المغرب علاقاتها مع إسرائيل. وشكل ذلك تحولا عن موقف واشنطن السابق الداعم لتنفيذ عملية وساطة بقيادة الأمم المتحدة.

وبحلول منتصف العام 2021، قطعت الجزائر علاقاتها مع الرباط بعد أزمة دبلوماسية دامت لأشهر. وفي وقت سابق من الصيف، وفي أعقاب تصريح أدلى به سفير المغرب لدى الأمم المتحدة يدعم حق “منطقة القبائل” الجزائرية في تقرير المصير، اتهمت الجزائر جارتها على حدودها الغربية بدعم الجماعات المسؤولة عن الحرائق المنتشرة في “منطقة القبائل”. وحدث الانشقاق الأخير بسبب استخدام المغرب المزعوم لبرنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس” للتنصت على المسؤولين الجزائريين.

وفي غضون ذلك، بدأت تونس في معايشة أزمة داخلية خاصة بها. ففي 25 تموز (يوليو) 2021، جمد سعيد البرلمان التونسي لمدة ثلاثين يوما في البداية، مستنداً إلى مادة في الدستور قال إنها تسمح له بتعليق هذه الهيئة في مواجهة “خطر وشيك”. وفي حين قوبلت هذه الخطوة بتأييد كبير في البداية، إلّا أنها أدت في النهاية إلى إجراء استفتاء دستوري أُجري بعد عام واحد بالضبط، والذي عكس الشرعية المشكوك فيها للمشروع الدستوري الخاص بالرئيس.

كما واجه الدعم المحلي لسعيّد تحديات بسبب المشاكل الاقتصادية الحادة في البلاد. فعلاوة على الضربات التي تعرض لها قطاع السياحة المهم في البلاد بسبب الوباء وتفاقم أزمة الديون، والتي أجبرت الحكومة على رفع أسعار الغذاء والوقود والكهرباء، تحتاج تونس حالياً إلى المزيد من الغاز الطبيعي لتوليد الطاقة. وهنا يأتي دور الجزائر.

تزود الجزائر تونس بحوالي ثلثي الغاز الطبيعي الذي تحتاجه، والذي تعتمد عليه البلاد بشكل كبير لتوليد الطاقة. وقد أجبرت درجات الحرارة المرتفعة تونس أيضاً على زيادة وارداتها من الكهرباء من الجزائر في النصف الأول من العام 2022. وتفوق المستويات الإجمالية للتجارة بين تونس والجزائر تلك التي بين المغرب والجزائر إلى حدٍ كبير. في العام 2019، على سبيل المثال، بلغ إجمالي قيمة الصادرات الجزائرية إلى تونس 1.43 مليار دولار، مقارنةً بمبلغ 482 مليون دولار للمغرب.

يرى بعض المحللين أن هذا الوضع يعكس استثماراً أوسع نطاقاً تقوم به الجزائر في استقرار تونس، تعززه الأحداث الأخيرة مثل إعادة فتح الحدود البرية بين البلدين، والدعم الذي أعرب عنه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لسعيّد، فضلا عن القروض والمساعدات الأمنية وهبات خزانات الأكسجين خلال ذروة انتشار جائحة “كوفيد 19”.

على نطاق أوسع، مع اشتداد أزمة الطاقة العالمية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، يبدو الآن أن الجزائر تعزز من مركزها كمورّد للغاز الطبيعي. في أوروبا، أبرمت الجزائر صفقات لتزويد دول مثل إيطاليا بمزيد من الطاقة، بينما تراجعت أيضاً علاقاتها مع إسبانيا بسبب اعترافها العلني بخطة المغرب للحكم الذاتي في الصحراء الغربية (الذي رفضته “جبهة البوليساريو”). كما هددت الجزائر بتحويل إمدادات الغاز الطبيعي إلى إسبانيا، ولكن يبدو أنها لم تنفذ هذا التهديد قط. وأفادت بعض التقارير أن شركة المرافق الفرنسية “إنجي إس. إيه” (Engie SA) تجري محادثات مع الجزائر بشأن زيادة واردات الغاز الطبيعي بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المستعمرة السابقة، مما أثار التعليقات على ما تمثّله هذه الزيارة من تحوّل في العلاقات الفرنسية الجزائرية.

بالإضافة إلى الانخراط الجيوسياسي الأكثر نشاطاً للجزائر في أوروبا، تحوّلت سياستها الخارجية في السنوات الأخيرة إلى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وعلى الرغم من أنه من المحتمل أن تكون المخاوف الاقتصادية والأمنية الأوسع نطاقاً قد أثارت هذه الخطوة، إلّا أنه يُعتقد أيضاً أنها جاءت جزئياً كرد على نشاط المغرب في القارة. وقد أدى هذا النشاط مؤخراً إلى قيام المغرب باتهام الجزائر بالضغط على الدول التي أعربت عن دعمها لموقف المغرب من الصحراء الغربية.

وهكذا، يمكن ربط الخلاف الأخير بين المغرب وتونس بأزمة الطاقة العالمية وموقف الجزائر الحازم بشكل متزايد في الجغرافيا السياسية، فضلاً عن حاجة تونس إلى الغاز الطبيعي الجزائري وتزعزع مكانة سعيّد أكثر فأكثر. كما لم يكن هذا الخلاف ليحدث لولا التوترات المتزايدة بين الجزائر والمغرب حول الصحراء الغربية.

ماذا بعد؟

في حين أن خطر اندلاع نزاع مسلح أكثر خطورة في شمال غرب أفريقيا حول مسألة الصحراء الغربية ليس حاداً بشكل خاص، فمن المرجح أن تستمر الأزمة الدبلوماسية بين بلدان المغرب العربي في التأجج.

وتعاني البلدان الثلاثة في المغرب العربي من ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب الحرب على أوكرانيا وحالات الجفاف الأخيرة. وقد يهدد نقص الغذاء شعبية حكومات هذه البلدان واستقرارها.

كما تواجه كل دولة أيضاً ضغوطها السياسية الداخلية الخاصة بها. وليس هناك ما يشير إلى أن المغرب ستتراجع عن إصرارها على “السلامة الإقليمية” للصحراء الغربية، خاصة وأن موقفها يحظى بدعم واعتراف الولايات المتحدة وإسبانيا- ومؤخراً ألمانيا. وقد فتحت عدة دول أفريقية أيضاً قنصليات في هذا الإقليم منذ صدور قرار الولايات المتحدة.

يعني اعتماد الجزائر اقتصادياً على النفط والغاز أن أنشطتها الحالية لن تكون مستدامة من دون تنفيذ الإصلاحات الهيكلية والتنويع. وعلاوةً على ذلك، فإن محدودية القدرة على التصدير والبنية التحتية الحالية لخطوط الأنابيب في الجزائر، فضلاً عن حاجتها إلى اعتبارها موردا موثوقا به، تعني أنها لا تستطيع أن تصبح منقذة لأوروبا، ولا أن تلوّح بصادرات الغاز على الدوام كوسيلة للضغط.

من جهتها، تقف تونس حالياً في طور التفاوض للحصول على قرض من “صندوق النقد الدولي”، لكن الوضع يشكل معضلة لا يمكن تجنبها بالنسبة لسعيّد. ففي حين أن القرض سيساعد البلاد على تجنب الأزمة المالية، إلّا أنه لا يحظى بشعبية كبيرة على المستوى المحلي، ويمكن أن يعرّض للخطر الدعم الضعيف أساساً الذي يتمتع به الرئيس سعيّد.

ويشعر بعض المراقبين بالقلق من إمكانية أن تصبح الجزائر معزولة أكثر فأكثر مع قيام عدد متزايد من الدول العربية بالتطبيع مع إسرائيل والاصطفاف ضد إيران، التي حافظت معها الجزائر على علاقات إيجابية نسبياً. ويبدو أن الجزائر بدأت تواجه معارضة لسياستها الخارجية الحازمة بينما تستعد لاستضافة قمة جامعة الدول العربية في تشرين الثاني (نوفمبر). وعلاوة على ذلك، ربما يكون المغرب هو الفائز في المنافسة الجارية بين الخصمَين في المغرب العربي للحصول على وجود استراتيجي في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وأخيراً، أشار الخبراء على مدى عقود إلى أن إحجام “الاتحاد الأوروبي” والولايات المتحدة عن الإخلال بالعلاقات مع المغرب قد سمح لها بعرقلة عمليات الوساطة التي تقوم بها الأمم المتحدة.

المقاربات التي يمكن أن تعتمدها واشنطن

أدّى النزاع الجاري في الصحراء الغربية إلى إيقاف عملية التكامل المغاربي، مما تسبّب في ضياع فرص الازدهار في المنطقة. كما غذى سباق التسلح بين الجزائر والمغرب وأدّى إلى انتهاكات لحقوق الإنسان ضد النشطاء. ويُعَدّ النمو والاستقرار في المغرب العربي عنصرَين مهمَين لمكافحة الإرهاب ومراقبة الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك، أوضحت إدارة بايدن أنه بينما تجدد تركيز الولايات المتحدة على عملية الأمم المتحدة الخاصة بالصحراء الغربية، إلّا أنها لن تتراجع عن اعتراف إدارة ترامب بالسيادة المغربية.

على الولايات المتحدة أن تُواصل التلميح للجزائر بأنها شريك مهم، من أجل تحقيق التوازن مع الموقف الحالي الذي تتخذه واشنطن بشأن الصحراء الغربية. وبالإضافة إلى توسيع واشنطن مشاركتها في العملية التي تقودها الأمم المتحدة، سيكون استمرار انخراطها رفيع المستوى مع الجزائر أمراً مهماً لثني الأخيرة عن اتخاذ موقف خارجي أكثر حزماً وتعريض استقلال بلدان مثل تونس للخطر.

*سابينا هينبرج Sabina Henneberg: زميلة حائزة على زمالة ما بعد الدكتوراه في “كلية الدراسات الدولية المتقدمة” في “جامعة جونز هوبكنز”، حيث تقوم بالبحث والنشر في القضايا المتعلقة بالتحولات السياسية في شمال إفريقيا.

المصدر: (ناشيونال إنترست) /الغد الأردنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى