لم تنته صدمة وتفاعلات تسريبات “مجزرة التضامن” التي ألقت بظلالها القاتمة على عموم السوريين، وحركت مواجعهم، وهزت ضميرهم ووجدانهم، حتى أتت تسريبات مجازر سجن حلب المركزي قبل أيام، التي يقول مسربها، وموثقها، المنشق عن النظام [صف ضابط اتخذ لقباً مستعاراً: أبو أحمد]، لصحيفة (زمان الوصل) الالكترونية أنها تتجاوز ال800 ضحية نصفهم لقوا حتفهم نتيجة القتل العمد أو التصفية المباشرة، ونصفهم الآخر جراء التعذيب الوحشي المتواصل للسجناء، وانعدام الغذاء والرعاية الطبية، والحالات كلها وثقت بتقارير كاذبة من الأطباء الشرعيين على أنها بفعل (ارهابي) أو جراء رصاص طائش من الخارج، وكل ذلك في العام 2013_ 2014 جراء حصار سجن حلب المركزي من قبل فصائل الثورة التي حاولت تحرير السجناء المعارضين الذين تم اعتقالهم بشكل عشوائي على خلفية نشاطاتهم المدنية، وكدسهم النظام في أجنحة السجن حتى ضاق بهم.
يتزامن هذا التسريب الجديد المفزع والذي عدته (زمان الوصل) أنه ينكأ صور “قصير”، والذي أشار إليه، أيضاً، الناشط الحقوقي المحامي مازن درويش في كلمته أمام مجلس الأمن في جلسة مفتوحة لمناقشة آخر تطورات الوضع السوري، يوم الأربعاء 14 أيلول/ سبتمبر الجاري، لعل ذلك يحدث أثراً ويحرك ضمير المجتمع الدولي، يتزامن مع تقرير آخر ل(رابطة أسر ومفقودي سجن صديانا)، سيصدر قريباً حسبما قال معدوه، موثق بشهادات دامغة، عن ما أطلق عليه “غرف الملح” لتتكشف، يوماً بعد آخر، أهوال الانتهاكات الجسيمة مدعمة بالوثائق والاعترافات والصور، وحجم الجرائم التي وقعت على الشعب السوري الذي خرج مطالباً بالحرية والكرامة الإنسانية في منتصف آذار/ مارس 2011.
التسريبات_ الاعترافات على أهميتها، لم تحرك ساكناً، حتى الآن، ضد نظام الطغيان في دمشق من قبل المجتمع الدولي ومؤسساته الحقوقية، فقط أضيفت إلى ملفات إدانته الكثيرة والعديدة التي وثقها قبل ذلك “قيصر” وتقارير المنظمات الدولية بما في ذلك منظمة حظر الأسلحة الكيماوية التي أدانته بشكل واضح وجلي على استخدامه السلاح الكيماوي في أكثر من منطقة ومكان.
لاجديد في التسريبات المتتالية سوى تفاصيل الزمان والمكان لوقوع تلك المجازر الخرافية، ما يؤكد أن القتل والاجرام سياسة ممنهجة اتبعها نظام آل الأسد (الأب والابن) وماشجعه على الاستمرار، وألغي بلاحدود، هو التراخي الدولي في التعاطي معه، وعدم معاقبته وإحالة ملفه إلى محكمة الجنايات الدولية كمجرم حرب، وأما التصريحات الأخيرة الأميركية والأوربية عن موقفها الثابت من نظام الأسد، وتوصيفه، فهي لاترقى إلى ماهو مطلوب منها، سياسياً وأخلاقياً، ولاتعدو عن كونها إبراء ذمة مل السوريون من عباراتها وكلماتها، رغم كل نداءاتهم وصرخات ألمهم ووجعهم كأنهم يقولون مع الشاعر عمرو بن معدي بن الربيعة الزبيدي: لقد أسمعت لو ناديت حياً.!!
في السياق ذاته أصدرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسورية تقريرها الخاص الذي ستقدمه إلى مجلس حقوق الانسان الدولي يوم 22 أيلول/ سبتمبر الجاري، عن الفترة الممتدة بين بداية العام الحالي ونهاية حزيران/ يونيو الماضي، والذي أكد على استمرار كل السياسات التي أشرنا إليها من اعتقال وإخفاء قسري وقتل عمد، وجاءت في إطار التسريبات والتقارير الموثقة، مايرسم صورة واضحة بتفاصيل دقيقة عن الهولكوست السوري المستمر وجحيم معاناة ملايين السوريين دون أفق أو نهاية قريبة، ووفق قرارات الأمم المتحدة ذاتها.
الحال هذه التي يعيشها السوريون تدفع بعضهم لخيارات خاطئة، بل انتحارية، مثل دعواتهم لقوافل السلام والحرية للوصول إلى ملاذات آمنة تحفظ لهم كرامتهم وتبقيهم على قيد الحياة والأمل، وذلك كله بسبب حالة الضياع والتيه التي تعيشها غالبيتهم العظمى، في عالم لايرى ولايسمع وإن تكلم فهو خجول لامحل لكلامه للصرف أو الإعراب، ومعارضة ضعيفة ومرتهنة ومشتتة، ونخب لا تعرف من أين تبدأ.
آن أوان التفكير بفعل وطني جامع لا يستثني أحداً، وما هذه المؤتمرات في هذه العاصمة أو تلك، وهذا الميثاق أو الوثيقة، إلا تعبيراً عن بدايات قاصرة، إن لم نقل فاشلة.
السوريون يتوقون، مع اشتداد أزمتهم و تبدلات المصالح الإقليمية وخطابها إلى فعل وطني حقيقي، طالما دعونا إليه، وبغير ذلك فإن كل ماتسرب وتأكد عن جحيم المحرقة الواقعة بحقهم، والمستمرة، لن تجد من يسمعهم وينصفهم ويوفر لهم بعض العدالة المفقودة.