“صندوق حياة”… قروض للمشروعات الصغيرة في الشمال السوري

ميس عبد الحميد

دفعت الظروف المعيشية المتردية في مناطق الشمال السوري السكان إلى إقامة مشاريع صغيرة للتغلب على البطالة، لكن العديد من تلك المشاريع واجهته معوقات مالية، ما جعل وجود “صندوق حياة” ضرورة.تخبر عبير مستو (47 سنة)، وهي أم لستة أولاد، “العربي الجديد”، أنها نزحت برفقة أولادها من مدينة حلب إلى الأتارب، وهناك بدأت العمل في إعداد المونة وبيعها، أو تجهيز الخُضَر، وأية أعمال يمكن ممارستها من البيت لإعالة أطفالها، كذلك عملت لفترة ممرضة لدى طبيب أسنان، ومشرفة في روضة أطفال.

لاحقاً، عاد زوجها بعد خمس سنوات من الاعتقال، وبدأ العمل، لكن الحياة كانت تخبئ لها المزيد من المصاعب، تضيف: “خلال هذه الفترة استشهد ابني الذي كان عمره 20 سنة، وفي الحملة الأخيرة على الأتارب، قبل ثلاث سنوات، توفي زوجي بعد قصف بيتنا، فنزحنا مجدداً إلى سرمدا، ثم عدت بعد استقرار الوضع الأمني إلى الأتارب، ورمّمتُ البيت للعيش فيه”.

تتابع: “بعد العودة، أخبرتني إحدى النساء بمشروع “صندوق حياة”، وشجعتني على تعلم مهنة تصفيف الشعر للنساء، فتعلمتها، وقررت فتح محل في إحدى غرف المنزل بعد الحصول على قرض بقيمة 1500 دولار أميركي. كانوا متعاونين كثيراً، وافتتحت الصالون الصغير، واشتريت الأساسيات، وبدأت تسديد القرض شهرياً، والآن لديّ دخل مقبول يشعرني بالاستقرار بعيداً عن المساعدات التي توزع عشوائياً”.

أمجد أبو العنز (27 سنة) مهجر من حمص، ويقيم في باتبو في ريف حلب الغربي، يقول لـ”العربي الجديد”: “عرفتُ بمشروع “صندوق حياة” من طريق مواقع التواصل الاجتماعي، وحصلت على قرض بقيمة 980 دولاراً أميركياً ‏‪ لتقوية مشروعي الخاص، وهو مكتبة قرطاسية كنت قد افتتحتها، لكن بسبب ضيق الحال لم أكن أستطيع تزويدها بما يلزم من بضاعة والقرض أنهى معظم مشاكل مكتبتي”.

يتابع: “ليس هناك أي تمييز بين سكان المنطقة والوافدين إليها، ونحن خمسة شركاء نكفل بعضنا، بحيث إذا تأخر أحدنا في الدفع نقوم جميعاً بالدفع عنه، وحتى الآن الشركاء ملتزمون، وقبل انتهاء الشهر يُجمَع كامل قسط القرض، الذي مكنني من تحقيق دخل مقبول يسد حاجتي من دون الحاجة لأحد، خاصة مع بداية العام الدراسي”.

من جهته، يعيش محمود إسماعيل بكور في قرية باتبو، ويتحدث لـ”العربي الجديد” عن مشروع “صندوق حياة”، قائلاً: “سمعت عن الصندوق من خلال الشبان المستفيدين في قريتنا، وأنه يساعد الناس في تأمين دخل ثابت في ظل الظروف المعيشية القاسية، وقلة فرص العمل. تمكنت من فتح محل أكسسوارات وهدايا وعطور بسيط، وبعدها ذهبت إلى مقر المنظمة بعد تشكيل مجموعة مؤلفة من خمسة أشخاص، للتسجيل والاستفادة من القرض”.

ويضيف: “كانوا متعاونين في الشرح المفصل للشروط، وكيفية السداد، والضمانات، وسجلنا الأسماء والمشاريع في الزيارة الأولى، وبعد أقل من سنة، قامت لجنة بزيارة ميدانية للمحلات، وأبلغونا بأنه جاء دورنا لتسلّم القرض، وبعد يومين جاء مسؤول المشروع لمطالعة الكشوف والفواتير ومصادر البضاعة، وتسلّمنا القرض الذي تُحدَّد قيمته من قبلهم بعد الكشف الميداني”.

يتابع بكور: “استفدت من المشروع بقرض قيمته 1200 دولار، وجهّزت المحل جيداً، وحققت تطوراً كبيراً بعد تنويع بضاعتي، وأصبح لدي دخل ثابت من المحل، ولم أواجه أية صعوبات في السداد، إذ تسدد مجموعتنا حالياً 480 دولاراً شهرياً، نسدّدها قبل انتهاء الشهر”.

بدوره، يؤكد مدير فرع “صندوق حياة” في ريف حلب الغربي، المهندس محمد الحجي، لـ”العربي الجديد”، أن المشروع “مؤسسة لتمويل المشاريع الصغيرة، والمتناهية في الصغر بقروض حسنة دون فوائد تُسترَد على أقساط شهرية متساوية على مدار عام، وتستهدف أصحاب المشاريع الصغيرة في منطقتي ريف حلب الغربي وجرابلس، بالإضافة إلى بلدتي كللي وحزانو”.

يضيف الحجي: “وصل عدد المستفيدين إلى 3352 مستفيداً، وتراوح قيمة كل قرض ما بين 600 و 1200 دولار أميركي، وتُسدّد على 12 قسطاً شهرياً، ولا تمنح القروض إلا بعد أن يخضع المستفيد لدورة في إدارة المشاريع، وكيفية إدارة الحسابات، كذلك تُتابَع المشاريع دورياً”.

ويوضح أن “المشاريع المستهدفة تجارية وصناعية وخدمية، كذلك توجد محفظة مخصصة للأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة. أما المشاريع الزراعية، فهي غير مستهدفة حالياً بالتمويل، بسبب طبيعتها الموسمية. تُتابَع المشاريع من طريق منسقين مختصين لكل منطقة، ويحصل التمويل بنظام التكافل الاجتماعي، بحيث تُشكَّل مجموعة مؤلفة من 3 إلى 5 أشخاص لديهم مشاريع بحاجة للتمويل، ويتكافلون على السداد في حال تخلُّف أحدهم عن الدفع، ففي حال التخلف يعطى المستفيد مهلة للسداد قبل أن يحول إلى القضاء بعد استنفاد كل الطرق، ونسبة المحالين على القضاء قليلة جداً مقارنة بأعداد المستفيدين”.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى