يروّج إعلام النظام السوري بشكل غير مسبوق، لتسوية أمنية (مصالحة) تستهدف على وجه الخصوص أبناء إدلب، من المناطق التي كان قد سيطر عليها خلال الأعوام السابقة، إضافة إلى التركيز على الراغبين بالحضور من مناطق تسيطر عليها الفصائل المعارضة في شمال وشمال غرب سوريا، تزامناً مع الحديث الصاخب عن تقارب الحكومة التركية مع نظام دمشق، وترويج علني داخل مناطق المعارضة.
إغراءات غير مسبوقة
وأعلن النظام في بيان، عن افتتاح مركز مصالحة في مدينة خان شيخون بريف إدلب، “يشمل جميع أبناء المحافظة المتواجدين في مناطق سيطرة الإرهابيين في الشمال”، مشيراً إلى أنها تشمل المتواجدين أيضاً “خارج سوريا وداخلها وتشمل العسكريين والمدنيين”.
وحسب البيان، فإن العسكريين “الفارين” عن الخدمة تتم تسوية أوضاعهم وإعطائهم مهلة شهر واحد للالتحاق بالخدمة مجدداً، في حين أن العائلات الموجودة في مناطق الفصائل تتم “تسوية أوضاعهم ودخولهم لمناطق النظام مع أغراضهم من أثاث وأغنام وسيارات مجاناً بدون رسوم شرط عودة العائلة بالكامل”.
ولفت إلى أنه سيتم “تشكيل لجنة من المجتمع المحلي والوجهاء”، تكمن وظيفتها في “تسهيل وصول المطلوبين للمركز ومن يرغب بتسوية وضعه خصوصاً إدلب، من المقيمين في المحافظات السورية لمنع توقيفهم على الطرقات قبل وصولهم الى المركز”.
وتبدأ التسوية في مركز محافظة إدلب المؤقت في خان شيخون، اعتباراً من 5 أيلول/سبتمبر. وقال البيان إن الإجراءات “روتينية وبسيطة لتسوية أوضاع من يصل المركز”، ولا تشمل من “تلطخت يده بدماء السوريين”.
وتعليقاً، قال مصدر مطلع ل”المدن”، إن الاغراءات التي جاءت في البيان، لم تكن على قدر كبير من الجذب الذي أراده النظام، لذلك وجّه رئيس إدارة المخابرات العامة في النظام حسام لوقا، بتعديل المدة الزمنية اللازمة لالتحاق المنشقين والمتخلفين من شهر واحد إلى سنة، قابلة للتجديد. وأضاف أنه وجّه أيضاً بالسماح للعائلات الخارجة إن وجدت، بالذهاب إلى بيوتهم في المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام بريف إدلب.
ترويج علني
توجيهات لوقا، بدأ التداول بها بين أبناء إدلب وريفها، قبل صدور البيان بأيام، وأصبحت مادة للتداول العلني من باب التهكم، تحديداً بين أولئك الذين اضطروا للنزوح من مدن وبلدات ريف المحافظة، وسكنوا في مخيمات مدينة إدلب وريفها الشمالي بالقرب من الحدود التركية، بحسب المهجر من بلدة كفرنبل (أحمد س.).
ويقول أحمد ل “المدن”، إن حملة التروّيج مجهولة المصدر، بدأت منذ التصريحات التركية عن تقارب مع نظام الأسد، موضحاً أنها حملت نوعاً من التحذير بأن المنطقة برمتها ذاهبة نحو المصالحة مع الأسد، عدا عن ضرورة استغلالها في وقت مبكر، قبل أن تصبح إلزاماً في وقت لاحق. وأشار إلى مميزات أكبر للمصالحين من تلك التي تحدث بها إعلام النظام.
وأضاف أن الرغبة في العودة إلى المنازل والاستقرار، والاستغناء عن الخيم ومنازل الإيجار، قد تدفع العائلات نحو مناطقها التي يسيطر عليها الأسد، لكن توقعُ الغدر من قبل أجهزته الأمنية، واعتقالهم، يعيدهم إلى نقطة البداية مرة أخرى.
استغلال المصالحة
ويعتبر الحديث عن المصالحة، أحد أكبر المحرمات التي تعرّض صاحبها للاعتقال في مناطق تحرير الشام، لكن السماح بالحديث عنها في هذه المرحلة من دون محاسبة، يرى فيها مناهضو زعيمها أبو محمد الجولاني، محاولة من الأخير لاستغلالها خلال مرحلة لاحقة، عندما يتفجّر التداول بها.
وأوضح مصدر سلفي معارض لتحرير الشام ل”المدن”، أن الجولاني يريد تدوير نفسه مرة أخرى في هذا السياق، مرجحاً أن يعلن عن حملة أمنية تستهدف القبض على المروّجين للمصالحة قريباً، بهدف إظهار القدرة على حماية المنطقة من الاختراق من بوابة المصالحة مع النظام. واستبعد أن تلجأ تحرير الشام لفتح معابر للراغبين بالخروج إلى خان شيخون، وإجراء التسوية لمن يرغب، “إن وجد”.
القبض على المروّجين
وعلى الجانب الآخر من مناطق سيطرة تحرير الشام، يقول القيادي في تكتل “ثائرون للتحرير” التابع للجيش الوطني الفاروق أبو بكر إن هناك حديثاً مبطناً من بعض الأشخاص للترويج لعملية المصالحة مع النظام في مناطق سيطرتهم شمال سوريا، مؤكداً أن التكتل قام بعمليات اعتقال لاستهداف المروّجين عندما ظهروا إلى العلن.
ويرى أبو بكر في حديث ل”المدن”، أن النظام يستغل الحديث عن التقارب مع تركيا، لترويع المدنيين والعائلات، ودفعهم للخروج نحو مناطق سيطرته بالإغراءات والتحذير من التخلي التركي عنهم، مؤكداً أن لا أحد تقدم بطلب للخروج أو حاول ذلك من مناطق سيطرتهم، لإجراء التسوية في المركز الذي افتتحه الأخير في خان شيخون.
من جانبه، يعتبر القيادي في المعارضة العميد فاتح حسون في حديث ل “المدن”، أنه “لا يمكن الثقة بنظام الأسد المجرم وداعميه الروس والإيرانيين”، كما أنه “لا يوجد قناعة عند أي سوري مطلع بأنه يستطيع العيش بسلام وأمان إن عاد لحكم نظام الأسد”.
ويوضح حسون أن الأخبار الواردة من مناطق النظام “تدل يومياً على أنه ما زال يتابع إجرامه وتشفيه بالسوريين سواء ممن خرج عليه أم لا”، لافتاً إلى أن هذه المعابر “لن يكون لها أي فائدة سوى زيادة الاستهزاء بتصرفات النظام وعقليته المنحرفة”.
الهجرة عكسية
ويرى حسون أن الموجودين في مناطق النظام، يحاولون الوصول إلى المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة، إما للاستقرار فيها أو للهجرة نحو تركيا ثم أوروبا، معيداً السبب إلى أن مناطق سيطرة نظام الأسد تعاني من الحالة المعيشية الصعبة، والقبضة الأمنية الشديدة، ومن التسيّب والتعديات والمحسوبيات.
وعن أهداف التروّيج لهذه المعابر، يقول إنها تصنّف في سياق “ألاعيب نظام الأسد المكشوفة، والمدعومة من روسيا”، لإيهام المجتمع الدولي أنه يستقبل عائدين إلى مناطق سيطرته إن كان من المناطق المحررة أو من خارج سوريا، إضافة لكونها “كذبة مكشوفة” هدفها إظهار مناطقه بأنها الأفضل، وتستقبل عائدين.
المصدر: المدن