كي لا نفقد الأردن كما فقدنا فلسطين!!

د. رلى الحروب

ما يحدث في البتراء خطير جداً …المسألة ليست مجرد فيلم يؤسس لحق لليهود في البتراء، وليست مجرد صلاة يهود متدينين فيما يسمى مقام النبي هارون دون أي سند تاريخي لدفن هارون في هذه المنطقة، وليست مجرد أقاويل لإيدي كوهين يزعم فيها أن عشيرة البدول كانت تعتنق الديانة اليهودية ، وليست مجرد تغيير قانون سلطة البتراء للسماح لغير الأردنيين بالتملك هناك لإفساح المجال للتسلل وتملك الأراضي في وادي موسى وحول البتراء الأثرية، وليست مجرد ترويج البتراء منذ أربعة عقود من الزمن على أنها جزء من الأراضي المقدسة لليهود وجزء من الكيان غير الشرعي المسمى “إسرائيل”، وليست مجرد سرقة الآثار وإعادة زرعها في أماكن محددة لإثبات حق زائف لليهود في المنطقة كلها، فلسطين والأردن، وليست مجرد مؤامرة التعزيم لإفقار أهالي وادي موسى والبتراء، وليست مجرد دفن أشخاص أمريكيين يهود في البتراء ووضع شواهد على قبورهم، فهذه كلها أجزاء في صورة أكبر، أو الاشجار في غابة المؤامرة الصهيونية على البتراء والاردن بشكل عام، وربما المنطقة العربية كلها!
ما يجري الآن هو أن الصهاينة دخلوا مرحلة جديدة تمهد للاستيلاء على الأردن من بوابة البتراء، وكي يستولوا على البتراء فإنهم بحاجة إلى إقامة الحجة على حقهم فيها، وهذه الحجة تستوجب التأسيس لعناصر منها:
1. شرعية دينية أو تاريخية، وهذا موجود بالفعل في نصوصهم الدينية التي تدعي أنه كي يبعث المسايا (المخلص) لتقوم المعركة النهائية معركة نهاية الزمان (أرماجيدون) بين جيوش الايمان والكفر لا بد أن تكون البتراء تحت سيطرة اليهود، بمعنى أن هناك شرعية دينية تدعيها كتبهم المقدسة.
2. شرعية سكانية وهو ما بدأوا بالترويج له من الزعم بان عشائر البدول يهود أصلا واضطروا إلى اعتناق الإسلام، ومن حمل جثامين لأشخاص غير أردنيين من بلدان أجنبية ودفنهم في البتراء بمساعدة سفاراتهم، ومن الهجمة المتواصلة لشراء وتملك الأراضي والعقارات في البتراء عبر محاولات متكررة بمساعدة الحكومة الأردنية للأسف لتغيير قانون سلطة البتراء للسماح لغير الأردنيين بالتملك في البتراء، وها هو القانون يدفع به الى مجلس النواب في هذه الدورة الاستثنائية، وذلك للمرة الرابعة على التوالي في مجلسين متعاقبين.
3. شرعية تاريخية يفتح أبوابها هذه التسميات الشعبية لبعض المواقع، ومنها المقام المزعوم للنبي هارون، ومحاولات زرع آثار لليهود في المنطقة ودفنها في مواقع متفرقة، وهو ما اعترفت به وزيرة السياحة السابقة مها الخطيب التي اثارت هذه القصة ويبدو أنها عوقبت عليها بفقدان منصبها!
4. شرعية سياسية يستمدونها اليوم من ضعف الدولة الأردنية وتهاوي الأمة العربية، ومن سيطرة اللوبي الصهيوني الكاملة على القرار في عواصم القرار العالمية، واعتماد سياسة الامر الواقع من قبل أميركا وإسرائيل أسلوبا لفرض الشرعية بدلا من سياسة الحق القانوني والتاريخي.
5. استثمارات سياحية وتجارية في المنطقة وهو ما يحاولون فعله منذ التسعينات ومشروع الشرق الأوسط الكبير والسلام الاقتصادي، وها هي ثماره تتحقق عبر مشاريع السكك الحديدية وخط الغاز ومشاريع المياه والمناطق الصناعية المؤهلة وغيرها.

على ذلك، فإنه لا بد من خلق واقع جديد عبر قانون يوافق على استملاكات الأراضي لغير الأردنيين، حتى إن تم استثناء الإسرائيليين من نصه، وعندها سيأتي اليهودي أو حتى الإسرائيلي بجواز سفره الكندي او الأمريكي أو الاسترالي أو الالماني او الروسي أو العراقي او غيره ليشتري آلاف الدونمات في البتراء تمهيدا لإنشاء واقع جديد على الأرض مشابه لقصة الباقورة والغمر وقصة أراضي عجلون، يتزامن ذلك مع محاولات ممنهجة لإفقار أهالي المنطقة بدأت بتجاهل الحاجات التنموية في المنطقة وتغييبها عن خارطة المناطق الاستثمارية ذات الأولوية من قبل الحكومة في عمان، وتطورت إلى عزل قرارات الإقليم عبر خلق سلطة ضعيفة للبتراء بلا موازنة كافية، ويعين أفرادها عبر الواسطات والتنفيعات غالبا وعاجزة عن تقديم أي خدمة حقيقية للإقليم، وانتهت بمؤامرة التعزيم التي أدت إلى رهن العقارات والممتلكات من قبل أهالي المنطقة، مهيئة الأجواء النفسية لقبولهم ببيع أراضيهم وممتلكاتهم للأجانب بدعوى إقامة مشاريع استثمارية وخلق فرص عمل، وهو ما سيجعل أهالي البتراء غريبين عنها خلال بضع سنوات!!!
ما يحدث خطير، ولا بد من وقفة، وقد تداعينا مع عدد من القوى الوطنية والشعبية والسياسية لتنفيذ وقفة احتجاجية الساعة الخامسة يوم الثلاثاء 6 أغسطس الجاري في مركز زوار البتراء وعلى أبواب المدينة الوردية دفاعا عن البتراء في مواجهة الهجمة الصهيونية، كما سينعقد ملتقى وطني يوم الخميس المقبل في مجمع النقابات المهنية لمواجهة هذه المؤامرة على البتراء والأردن والمنطقة.
الساكت عن الحق شيطان أخرس، وإن ركعنا اليوم سنظل نركع بعد آلاف السنين…يجب أن نتحرك جميعا لإحباط المؤامرات على وطننا وإلا فقدناه كما فقدنا فلسطين، وسنجد أنفسنا عبيدا بلا كرامة في منظومة جديدة للهيمنة لا ترحم!!


المصدر: وطنا اليوم

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى