ارتفعت وتيرة الهجرة من أبناء محافظة الحسكة، شمال شرقي سوريا، بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة، سعياً للوصول إلى أوروبا، الأمر الذي دفع العديد من الأسر لبيع منازلهم والممتلكات لتغطية التكاليف الباهظة لرحلة التهريب إلى تركيا ومن ثم إلى دول أوروبا الغربية.
وتشهد المحافظة، انتشار ظاهرة جديدة وغير مسبوقة لتأمين تكاليف التهريب، وهي بيع العديد من الأسر منازلها للمهرب مباشرة أو تأجيره الأرض لقاء تهريب أحد أفراد الأسرة أو أكثر إلى أوروبا.
وأمام الظروف الاقتصادية الصعبة في سوريا، التي يقبع 90% من سكانها تحت خط الفقر وفقاً لتقارير دولية، لا يجد كثير منهم بداً سوى الهجرة إلى أوروبا لطلب اللجوء.
من لم يجد منهم المال للوصول إلى أوروبا بسبب الفقر، لم يجد سوى بيع أملاكه، وتحول الأمر إلى تجارة لها طرقها وتجد رواجاً تغذيها سوء الأوضاع الأمنية والاقتصادية وانسداد الأفق بحثاً عن مخرج.
وتقع معظم محافظة الحسكة تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وأجزاء منها لا يزال تحت سيطرة نظام الأسد.
بيتك مقابل الوصول أوروبا
أحمد ومحمود، شقيقان من مدينة الحسكة، يعتزمان الهجرة إلى أوروبا بعد نجاحهم في بيع منزلهم إلى وسيط يدعى “ع . د” يعمل لصالح مهرب يقيم خارج سوريا يدعى “أبو النور”.
يقول الشابان، إن عائلتهم باعت منزلهم في شارع فلسطين بالحسكة إلى “أبو النور” مقابل 22 ألف دولار أميركي، ولكن والداهما لم يقبضا من هذا المبلغ سوى 4 آلاف دولار، وبقيت 18 ألف دولار بذمة المهرب، وهي ثمن رحلتهما إلى ألمانيا، ولن يتم تسديدها إلى والدهم، موضحين أن السداد سيكون عبر إيصالهم إلى وجهتهم.
وأوضحا، أن عائلتهم باعت المنزل بأقل من سعره الحقيقي بنحو الثلث، حيث يصل سعره نحو 35 ألف دولار.
وأضاف الشقيقان، في حديثهما لموقع “تلفزيون سوريا”، أن وكيل المهرب بالحسكة قام بتسجيل المنزل بالسجل العقاري بشكل رسمي لدى مؤسسات النظام السوري ولدى بلدية “الإدارة الذاتية”.
تجري هذه العملية عبر سماسرة ولا ضمانات مكتوبة فيها سوى “الثقة”، ويقول الشابان إنهم بحكم التجربة فقط والثقة يضمنون أن المهرب لن يسرق ثمن المنزل “ولكن لسنا وحدنا.. سافر قبلنا شباب من الحسكة ووصلوا إلى أوروبا”.
ويشير الشابان إلى أن عشرات المنازل في الحسكة وخاصة بحي العزيزية بيعت بالأسلوب ذاته، للمهرب نفسه.
يتكفل المهرب بنقلهم من كراج تل حجر بالحسكة وصولاً إلى رأس العين شمال غربي المحافظة الواقعة تحت سيطرة الجيش الوطني السوري ثم تركيا ومنها إلى أوروبا عن طريق البر، بحسب ما أورده الشابان.
عائلة سورية: أجرت 20 دونماً لمدة 20 سنة مقابل تهريب أحد أبنائها
شاب ثالث، من القامشلي طلب عدم ذكر اسمه، لم يجد من يشتري منزله لدفع تكاليف التهريب، واضطر إلى الاستدانة بالفائدة المضاعفة، المعروفة محلياً باسم “السلف” أو “الربا”.
يقول الشاب، في حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”، إنه عرض منزله على طريق المتحلق بنحو نصف الثمن ولم يباع إلى الآن، ما اضطره للبحث عن حل آخر، وهو استدانة المبلغ من أحد العالمين بالسلف (المرابين)، رغم أن الفائدة كبيرة وقدرها مئة بالمئة للعام القادم، يعني أنه سوف يستدين 10 آلاف دولار ويدفعها بالعام القادم 20 ألفا.
ويضيف الشاب، أن هؤلاء المرابين يضمنون ديونهم عن طريق كفلاء يثق فيهم الطرفان.
ويلفت أن هذه ليست الطريقة الوحيدة، فقد عمدت الأسر إلى تأجير أرضها لسنوات مقابل الحصول على المال اللازم لتأمين ثمن رحلة شاب على الأقل من أفرادها.
ويوضح أن ثمن تأجير 10 دونمات بالعام هو نصف مليون ليرة سورية، ما قد يدفع البعض لتأجير أرضهم لسنوات كما حصل مع عائلة في قرية دلي حرب قرب القامشلي، حيث قامت بتأجير مساحة 20 دونما لمدة 20 عاما لتأمين المبلغ لشاب واحد من أبنائها.
وفي القامشلي أيضا بحسب مصادر لـ “تلفزيون سوريا”، تنشط عدة مكاتب بشكل معلن منها (ميديا وغاندي ومنجي) في تسيير رحلات الهجرة من المدينة حيث يتراوح ثمن الرحلة على الشخص بين 14 و20 ألف دولار أميركي بحسب طريقة السفر.
وفي هذا السياق، كتب الأكاديمي والمحلل السياسي فريد سعدون، قبل أسبوعين، على فيسبوك، “أحد أهل الخير من (المهربين) قال خلال الشهرين الماضيين نجحت في إيصال 250 راكبا إلى أوروبا عبر بيلاروسيا، كل شخص دفع 16 ألف يورو”.
ازدحام على الحدود
مصدر من الشرطة المدنية في رأس العين، قال لـ “تلفزيون سوريا”، إن المخافر التركية تعيد بشكل يومي أكثر من 100 شخص إلى رأس العين، من الأشخاص الذين يحاولون دخول تركيا بشكل غير شرعي.
وأضاف المصدر، أن هؤلاء هم الرجال والنساء والأطفال وينحدرون بشكل أساسي من مدن الحسكة والقامشلي ومناطق سيطرة “قسد” في دير الزور، وغالبيتهم من العرب مع وجود فئة أقل من الأكراد، والمسيحيين في بعض الأحيان.
ولفت أن الظاهرة اتسعت بشكل كبير منذ بداية الصيف الحالي، بعد تحسن الظروف الجوية، موضحاً أن الأشخاص الذين ينجحون بالعبور أكثر بكثير من الذين تتم إعادتهم والقبض عليهم من الجانب التركي.
كما تشهد الحدود مع العراق توافد الأشخاص الراغبين بدخول تركيا للوصول إلى أوروبا، خلال آب/أغسطس الجاري، قبض حرس الحدود العراقي على 29 شخصا خلال محاولتهم الدخول إلى الأراضي العراقية بطريقة غير شرعية، في ثلاث عمليات منفصلة، وهذا لا يعني أن آخرين لم ينجحوا بالدخول.
وفي إيران أيضاً، تداول ناشطون، قبل أسابيع، مقطعا مصورا يظهر تعذيب عصابة إيرانية لمجموعة من السوريين دخلوا الأراضي الإيرانية من الطرف العراقي في طريقهم لدخول تركيا.
لماذا انخفضت أسعار المنازل وارتفعت الهجرة؟
تراجعت في الآونة الأخيرة عمليات شراء المنازل في سوريا، عبر الطرق التقليدية العادية، الأمر الذي ساهم في نشوء سوق بيعها للمهربين بأثمان غير مقبوضة لقاء أجرة التهريب إلى أوروبا.
ويقول الصحفي السوري مصعب الحامدي، لموقع “تلفزيون سوريا”، إن أسعار عمليات شراء المنازل كانت تتم بشكل أساسي لصالح السوريين في أوروبا، وهؤلاء توقفوا معظمهم عن الشراء بعد حصولهم على جنسيات بلدان اللجوء بعد سنوات من الإقامة فيها أو على الإقامة الدائمة هناك، وانقطاع الأمل من العودة بسبب سوء الأوضاع في المنطقة، إضافة إلى أن بعض هؤلاء بدؤوا بمساعدة أقاربهم على الخروج من المنطقة عبر دفع تكاليف رحلات التهريب.
ويضيف الحامدي، أن عدم استقرار الوضع العسكري في المحافظة والخوف من تغير الطرف المسيطر عليها يعيق أي عمليات شراء بسبب الخوف من النزوح، وهذا الأخير من الأسباب الدافعة إلى الهجرة.
ويشير إلى أن التجنيد الإجباري الذي تمارسه “قسد” والوضع الاقتصادي المتردي والجفاف الشديد هذا العام، وانعدام المستقبل بالنسبة لأهالي المنطقة وخاصة الشباب، دفعهم إلى المخاطرة بحياتهم في رحلات التهريب المحفوفة بالمخاطر.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا