حلت يوم 21 آب/ اغسطس الجاري الذكرى التاسعة للمجزرة الكيميائية التي ارتكبتها قوات النظام السوري ضد المدنيين من سكان الغوطتين الشرقية والغربية في محيط العاصمة دمشق، وأسفرت عن أعداد كبيرة من الضحايا تراوحت تقديرات إحصائها بين 1127 و 1450 قتيلاً، بينهم 201 منهم من النساء و107 من الأطفال.
وليس غريباً أن تمر الذكرى التاسعة لهذه المجزرة الكيميائية المروعة في وقت تتكشف فيه معلومات جديدة عن المجزرة التي ارتكبتها أجهزة النظام السوري في حي التضامن جنوب دمشق في أواسط نيسان/ أبريل من السنة ذاتها 2013، وشهدت دفع 41 شخصاً إلى حفرة وإعدامهم وإحراق جثثهم فيها. وكانت وزارة الخارجية الفرنسية قد أحالت إلى النيابة العامة لمكافحة الإرهاب في باريس مجموعة وثائق تتضمن صوراً واشرطة فيديو توثق للمجزرة، مؤكدة في بيان رسمي أن “مسألة النضال ضد الإفلات من العقاب هي من أجل العدالة للضحايا”، وأنها “شرط أساسي” لإنشاء سلام دائم. ويعدّ الإجراء الفرنسي خطوة متقدمة تتابع ما كانت صحيفة “الغارديان” البريطانية قد كشفت عنه قبل أسابيع، استناداً إلى تسريبات حول مجزرة حي التضامن سرّبها مجند في ميليشيا النظام التي نفذت الفظائع.
وليس إمعان النظام السوري في ارتكاب المزيد من المجازر بعد تلك السنة وحتى الساعة إلا نتيجة سافرة لاستمرار إفلاته من المساءلة والعقاب، سواء على صعيد المؤسسات القانونية والقضائية الدولية المختلفة بما فيها محكمة الجنايات الدولية وتلك التابعة للأمم المتحدة، التي تظل عاجزة عن التحرك بسبب تعطيل الفيتو الروسي أو الصيني في مجلس الأمن الدولي، أو على صعيد الجهود المختلفة لإعادة تأهيل النظام وتجميل صورته خدمة لأجندات مستجدة ومصالح تبدلت أولوياتها. وقد يكون المثال الفاضح هو وزير خارجية الإمارات الذي ناشد المجتمع الدولي في باريس صيف 2012 أن يقول للنظام السوري: “كفى قتلاً كفى تعذيباً كفى مجازر”، ثم عانق رئيس النظام ذاته في دمشق خريف 2021.
وإذا كانت الخارجية الأمريكية قد استذكرت المجزرة الكيميائية بدورها فاعتبرتها “حادثاً مأساوياً” وجددت التزامها بـ”محاسبة الجناة”، فإن الشعب السوري ليس حسير الذاكرة كي ينسى خرافة “الخط الأحمر” التي ابتدعها الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما وذهبت أدراج الرياح، وها هي تسع سنوات تنقضي من دون أي مساءلة لأي جانٍ مشارك في المجزرة، ما خلا البيانات الطنانة واللغة الجوفاء. وليس سوى إضافة الإهانة إلى جراح الشعب السوري أن تعود الإدارة الأمريكية اليوم إلى “دعوة نظام الأسد للإعلان الكامل عن برنامجه للأسلحة الكيماوية وتدميرها وفقًا لالتزاماته الدولية”، وكأنّ من منح النظام رخصة للتملص والمراوغة لم يكن اتفاق وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يومذاك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف.
وإذ يستعيد ملايين السوريين هذه الذكرى الأليمة داخل الوطن وفي الملاجئ والمنافي خارجه، فليس للترحم على أرواح الشهداء وإبقاء ذكراهم خالدة في النفوس فقط، بل كذلك لتأكيد التصميم على أن تضحياتهم لن تذهب هدراً على دروب الكفاح من أجل سوريا كريمة عادلة لكل أبنائها، وديمقراطية متحررة من ربقة الاستبداد والفساد.
المصدر: القدس العربي