تغطي العدالة الانتقالية المجموعة الكاملة للعمليات والآليات المرتبطة بمحاولة المجتمعات إعادة بناء نفسها من جديد والانتقال من تاريخ عنيف خلّفه نزاع ماضٍ أو قمع أو انتهاكات أو تجاوزات، بهدف ضمان المساءلة وتحقيق العدالة وحقوق الإنسان.
وتشمل هذه العمليات كلاً من الآليات القضائية وغير القضائية، بما في ذلك تقصي الحقائق ومبادرات الملاحقات القضائية والتعويضات والتدابير المختلفة لمنع تكرار الانتهاكات من جديد، بما في ذلك: الإصلاح الدستوري والقانوني وفي الحالة السورية إصلاح المؤسسات الأمنية والعسكرية فهي الجهة المنفذة للانتهاكات، ولابد من تقوية المجتمع المدني. تهدف العدالة الانتقالية إلى الاعتراف بالضحايا، وتدعيم احترام حقوق الإنسان وتعزيز سيادة القانون، كخطوة نحو منع الانتهاكات الجديدة.
وقد أظهرت مبادرات العدالة الانتقالية مرارًا وتكرارًا أنه يمكنها أن تساهم في معالجة المظالم والانقسامات. وتحقيقًا لهذه الغاية، يجب أن تكون هذه العمليات محددة السياق، ووطنية، وأن تركز على احتياجات الضحايا. وبالتالي يمكنها أن تربط المجتمعات وتمكّنها وتحوّلها، فتساهم في السلام الدائم.
الوضع في المجتمع السوري متعدد البنى الاجتماعية ومختلف الانتهاكات، فالوضع في محافظة الحسكة وريف دمشق مثلاً تعرض لانتهاك صارخ لحقوق الملكيّة (الاستملاك والمصادرة) سواء من النظام أو قوات قسد، وكذلك حالات وضع اليد على الممتلكات الخاصّة للسكّان وهذا كان بعموم المحافظات المنتفضة، وتفسّر هذه الإجراءات بأنّها محاولة من النظام الديكتاتوري بتغيير التركيبة السكانية لدوافع سياسيّة-فئويّة (طائفيّة أو قوميّة)، وبالتالي فإنّ هذا التغيير يستهدف الوجود القانوني والفيزيائي للضحايا على الأرض، كمجموعات بشريّة مختلفة عن “المستوطنين”، خاصّة في مناطق التماس بين المكوّنات السوريّة.
كما أن هناك مسألة فيما يتعلق بزمن الانتهاكات فمجازر في حلب وحماة حدثت في الثمانينات من القرن الماضي ثم تكررت الآن وأذكر مثالين فقط على سبيل المثال (في حلب مجزرة المشارقة في الثمانينات وفي الانتفاضة السورية مجزرة النهر).
لكن هنا يكمن التحدي الحقيقي: هل هناك قدرة لأجهزة الدولة تحت سيطرة النظام الحالي على تحقيق العدالة.!!
هذه مسألة مستحيلة وغير ممكنة طبعاً، فلا يمكن أن يكون الخصم هو الحكم، فانتشار الفساد والمحسوبية في الجسم القضائي منذ بدايات صعود النظام وحتى الآن، ومحاكمة قطاعات واسعة من المعارضين للنظام أمام محاكم شكلية تتّبع إجراءات مسيّسة وإعداماتهم، والمفقودين في السجون والمعتقلات، أفقد كل ذلك السلطة القضائيّة استقلاليتها، وبالتالي ثقة غالبية الشعب فيها ضئيلة، وبقدرتها على تحقيق العدالة إذا ما تمّ الاحتكام لهذا القضاء. كما أنّ بالطرف المقابل حول قدرة المعارضة حتى الآن على إنشاء بديل حقيقي للنظام في المناطق التي تسيطر عليها، وماتزال التجارب ناشئة ولا يعوّل عليها.
لكن أدوات العدالة الانتقالية تحتاج التوثيق المهني لهذه الانتهاكات وحفظ تلك الملفات وتوعية المجتمع بضرورة ذلك، ما حصل ويحصل في سورية لم يتبقَ نوع انتهاك من انتهاكات حقوق الإنسان في العالم إلا وجرى في سورية وحجم الضحايا أصبحت تشبه حالات الحروب الدولية الكبرى وتعددت مصادر الانتهاكات التي بدأها النظام السوري ضد شعبه ومايزال، ثم إلى انتهاكات داعش، وإلى انتهاكات قسد.
وهذه تحتاج جهود مضنية لتحقيق العدالة الانتقالية ليعم السلام ويشعر الناس بتحقيق مستوى من العدل مرضي للجميع لاسيما بظل الاستعصاء السياسي والعسكري الحاصل حالياً ويحتم علينا جهود أكبر لتحقيق التغيير في سورية وتحقيق العدالة.
المصدر: إشراق