طالبت وزارة الخارجية السورية الولايات المتحدة الأميركية بالسحب “الفوري” و “غير المشروط” لقواتها الموجودة على أراضي الجمهورية العربية السورية بشكل غير شرعي. وجاء بيان الخارجية السورية غداة تعرّض قاعدتين أميركيتين لهجومين منفصلين يوم الاثنين. ورغم أنه جاء ردّاً على مزاعم أميركية حول احتجاز الصحافي الأميركي أوستن تايس في معتقل سوري، فقد رسم تصويبه المباشر على الحضور العسكري الأميركي في سوريا علامات استفهام كثيرة حول خلفياته ودلالاته، وما إذا كان يمثل الجانب السياسي لتسخين الجبهة ضد القوات الأميركية بعد ما تكفلت ميليشيات إيرانية بمهمة تسخين الجانب العسكري عبر تنفيذها هجومين على قاعدتي التنف وحقل العمر.
وإذ نفى بيان الخارجية السورية ” أن تكون (سوريا) قد اختطفت أو أخفت أي مواطنٍ أميركي دخل إلى أراضيها أو أقام في المناطق التي تخضع لسيادة وسلطة الحكومة السورية”، رمى الكرة في الملعب الأميركي عبر تحميله مسؤولية السماح لمواطنين أميركيين بالدخول إلى الأراضي السورية من دون مراعاة الإجراءات القانونية، وقال: “الحكومة الأميركية هي من خرقت أحكام اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية وأحكام اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، حين غضَّت الطرف بل وشجَّعت العشرات من المواطنين الأميركيين على السفر إلى سوريا والدخول إلى أراضيها من دون إذنٍ من حكومتها وبشكلٍ غير شرعي، عبر معابر حدودية غير نظامية أو بالتسلل إلى مناطق تسيطر عليها جماعاتٌ إرهابيةٌ مسلحة”.
وفي ردّ على ما نشره الإعلام الأميركي الأسبوع الفائت حول وجود اتصالات مباشرة بين واشنطن ودمشق لبحث قضية الصحافي أوستن تايس، قال بيان الخارجية السورية إن “أي حوارٍ أو تواصلٍ رسمي مع الجانب الحكومي الأميركي، لن يكون إلا علنياً ومؤسساً على قاعدة احترام سيادة واستقلال ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”. وشدد على أن ذلك يفرض على “الجانب الأميركي وبشكلٍ فوري وغير مشروط سحب قواته العسكرية التي تتواجد على أراضي الجمهورية العربية السورية بشكلٍ غير شرعي، والامتناع عن سرقة وتهريب النفط والقمح السوريين”.
وأشار البيان بشكل واضح إلى قاعدة التنف التي تعرضت لهجوم بطائرات مسيّرة قبل أيام، وطالب الولايات المتحدة بضرورة “رفع الغطاء والحماية عن الجماعات الانفصالية المسلحة وعن الجماعات الإرهابية المسلحة التي تتواجد في قاعدة “التنف” العسكرية الأميركية غير الشرعية”.
وشهد يوم الاثنين هجمتين منفصلتين ضد أهم قاعدتين تتمركز فيهما قوات أميركية في سوريا، هما: قاعدة التنف، التي استهدفتها طائرات مسيّرة صباحاً، بينما تعرضت قاعدة حقل العمر لاستهداف صاروخي، مساء اليوم عينه.
وفي حين سارع فصيل أطلق على نفسه اسم “المقاومة العراقية” إلى تبنّى المسؤولية عن الهجوم الذي طاول قاعدة التنف، لم تتبنَ أية جهة المسؤولية عن الهجوم على قاعدة حقل العمر حتى ساعة إعداد هذا التقرير، مع أن العديد من المراقبين لم يخفوا شكوكهم في أن تكون ميليشيا إيرانية أيضاً وراء تنفيذه.
ومن غير المستبعد أن يكون ثمة تنسيق مباشر بين دمشق وطهران في استهداف الحضور العسكري الأميركي في سوريا بغرض تسخين الجبهات ضده إلى حد لا يهدد باندلاع مواجهة مباشرة مع القوات الأميركية، وهو ما يكشفه تريث الخارجية السورية في إصدار البيان إلى ما بعد الهجمات التي طاولت القاعدتين الأميركيتين في محاولة على ما يبدو لضبط الضغط السياسي على إيقاع التهديدات العسكرية، الأمر الذي من شأنه أن يعطي الرسالة السورية بعداً أقوى مما لو جاءت مجردة من القوة العسكرية، وإن جاء استخدامها رمزياً ومحكوماً بسقف منخفض.
ومع غياب ذكر إسرائيل من بيان الخارجية السورية، يصبح من المتعذر الربط بشكل مباشر بين استهداف القواعد الأميركية والرغبة في اعتباره ردّاً على الاعتداء الإسرائيلي الذي طاول محافظتي طرطوس وريف دمشق قبل أيام. ويغدو من الأرجح النظر إلى التصويب على الحضور العسكري الأميركي باعتباره يأتي هذه المرة ضمن استراتيجية موسعة ومنسقة تستهدف ما هو أكثر من مجرد استخدامه منصة للضغط على واشنطن لكبح جماح تل أبيب ووضعها ضمن معادلة أن اي استهداف إسرائيلي لسوريا سيكون الرد عليه ضد قواعد الانتشار الأميركي هناك.
وتلعب قاعدة التنف دوراً في ربط الملف السوري بملفات إقليمية ودولية تهمّ السياسة الأميركية، قد يكون على رأسها تطويق النفوذ الإيراني في المنطقة، وعدم السماح لروسيا بتحويل إنجازاتها العسكرية في سوريا إلى مكاسب سياسية، لذلك فإن استهداف هذه القاعدة لا يمكن النظر إليه من زاوية الملف السوري الضيقة، بل هو يتعلق بملفات أوسع وأكثر تعقيداً.
وقد تكون طهران اختارت هذا التوقيت لاستهداف قاعدة التنف من أجل ممارسة ضغوط لتحصيل مكاسب في المفاوضات الجارية بخصوص الملف النووي، أكثر من اختياره لإظهار قدرتها على الرد على الطائرات الإسرائيلية التي تلاحق مواقع انتشار قواتها في سوريا.
وفي المقابل قد تكون دمشق وجدت في الاستهداف المزدوج للقاعدتين الأميركيتين فرصة لجعل بيانها بخصوص الصحافي الأميركي يتردد صداه قوياً في أروقة السياسة الأميركية التي تنظر إلى قضية اوستن باعتبارها من الأولويات الهامة لديها، لا سيما على صعيد السياسة الأميركية الداخلية التي تنتظر انتخابات الكونغرس النصفية.
ولا يخفي بعض المراقبين أن يكون الاستهداف العسكري للحضور العسكري الأميركي ومن ثم التصويب السياسي عليه، من قبيل تجسيد التفاهمات التي حصلت بين رؤساء إيران وتركيا وروسيا في قمة طهران قبل نحو شهر، اذ كان من الواضح أن الاعتراض على الوجود الأميركي شكّل قاسماً مشتركاً في مواقف الرؤساء الثلاثة.
المصدر: النهار العربي