في الوقت الذي يناقش فيه ممثلو الدول التي تجري المفاوضات مع إيران حول الاتفاق النووي، في هذه الأثناء، المسودة الأخيرة للاتفاق، وينتظرون ما يعتبر “قراراً سياسياً”، الذي سيتخذ أو لا يتخذ في إيران، يحتفل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بمرور سنة على توليه لمنصبه. الرئيس الذي وعد بحل الأزمة الاقتصادية خلال شهرين وبناء مليوني وحدة سكنية واستثمار المليارات في تطوير الصناعة والإثبات بأنه بثبات موقف إيران رغم العقوبات المفروضة عليها، وجد نفسه يتلوى داخل وعوده، ويهاجم من قبل خصوم سياسيين.
مؤيدو النظام، من بينهم وسائل الإعلام الخاضعة للنظام وفقهاء الشريعة المحافظين وأعضاء برلمان من جناح اليمين، يوجهون إليه اتهامات شديدة وينشرون قائمة إخفاقاته الطويلة. صحيفة الإصلاح “اعتماد” نشرت بمناسبة الذكرى السنوية لتولي رئيسي لمنصبه، قائمة مفصلة تعرض نسبة زيادة الأسعار في عهده. على سبيل المثال، ارتفع سعر الأرز 200 في المئة، والزيت 367 في المئة، والبيض 116 في المئة، والجبن 133 في المئة. مواطنو الدولة لا يحتاجون إلى قوائم أسعار لمعرفة مدى تقلص قوة شراء الريال الإيراني، وما الذي يجب عليهم اختصاره من سلة المشتريات كي يتمكنوا من إنهاء الشهر. المواطنون الثمانية الذين انتحروا بإحراق أنفسهم منذ أيار بسبب صعوبات مالية، أدركوا ذلك كما يبدو أكثر من الجميع.
في وسائل الإعلام يمكن قراءة وسماع البيانات الرسمية، التي بحسبها قفز حجم تصدير النفط والغاز من إيران في السنة الأخيرة 77 في المئة. وأدخل 39 مليار دولار مقابل 22 مليار دولار في السنة الماضية. ولكن المواطنين يعرفون أيضاً بأنه لن يصل الكثير إلى جيوبهم من هذه الأموال، كانت هذه السنة جيدة نسبياً للنفط الإيراني، الذي حظي بأسعار عالية بسبب الحرب في أوكرانيا، وأيضاً المداخيل من تصدير منتجات غير النفط، التي ارتفعت أسعارها بشكل كبير. ولكن حسب تقارير سلطة الضرائب في إيران، فإن الزيادة في المداخيل تنبع من ارتفاع الأسعار وليس من الزيادة في الكميات. في الفترة بين آذار وتموز، جلب تصدير السلع غير النفطية مداخيل تبلغ 17 مليار دولار، وهذه زيادة 22 في المئة مقارنة مع السنة الماضية. ولكن كمية البضائع التي تم تصديرها انخفضت 10 في المئة.
وفق تقارير رئيسي عن زيادة كبيرة في عدد أماكن العمل في السنة الماضية، تشير البيانات إلى اتجاه معاكس. فقوة العمل في الزراعة انخفضت 10 في المئة، والعاملون في هذا المجال يفضلون الانتقال إلى المدن من لكسب الرزق ولو مقابل أجرة متدنية جداً. الصناعة، التي تعهد رئيسي بدعمها عن طريق تقديم قروض مريحة واستثمارات حكومية، تقلصت. وحسب تقرير قُدم للحكومة، فإن 100 ألف مكان عمل فقدت في فرع الصناعة في ربع السنة الأخير. تحاول الحكومة تقليص غلاء المعيشة من خلال طباعة مكثفة للريالات. ولكنها تغذي التضخم الذي بلغ 50 في المئة، وقد يزداد قبل نهاية السنة.
إذا تم التوقيع على الاتفاق النووي، يمكن أن تضع إيران يدها على نحو 100 مليار دولار، تم تجميدها في بنوك العالم، وزيادة حجم النفط الذي تصدره بنحو مليون برميل إضافي يومياً في المرحلة الأولى، وحتى نحو خمسة ملايين برميل بعد ذلك. النظام الإيراني يجند النقص العالمي في النفط لإقناع الدول الغربية بالموافقة على طلباتها. وهو يقول: “إذا كنتم تريدون الحصول على نفط إيران، فعليكم اتخاذ القرارات السياسية الصحيحة (في الموضوع النووي)”.
هذه مقارنة مضللة، لأن أوروبا تحتاج إلى الغاز أكثر من النفط. ولا تملك إيران فائض غاز يمكنها تصديره. إيران مقيدة أيضاً باتفاق طويل المدى مع الصين لتزويدها بالنفط، وهي تطمح إلى أن تعيد الهند وكوريا الجنوبية واليابان إلى حضنها. لذلك، ستعرض النفط على هذه الدول بسعر مخفض لمنافسة الدول المزودة التي حلت مكانها في السنوات الأخيرة، لا سيما دول الخليج العربي.
لا شك أن إيران ستعود لتصبح دولة غنية بعد رفع العقوبات، لكن هناك فجوة كبيرة بين ثراء النظام وتحسين مستوى معيشة المواطنين، وبين الإمكانية الكامنة في الأرباح والقدرة على استغلالها كما يجب. فبدون إصلاح اقتصادي عميق ورقابة على طرق صرف الأموال وإصلاح منظومة البنوك وسن قانون يشجع على الاستثمار، خصوصاً استئصال الفساد، ستواصل إيران السير على شفا أزمة حتى بعد رفع العقوبات. ولن يكون وضعها مختلفاً عن وضع العراق الثري بالنفط والغارق في أزمة اقتصادية بسبب الإدارة الفاشلة والفساد الكبير الذي حطم برامج كبيرة للتطوير وإعادة الإعمار.
0.3 في المئة يملكون 8 في المئة من الناتج المحلي الخام
الفجوة الكبيرة التي بين طبقة أصحاب المليارات والملايين في إيران وبين المواطنين الباقين تعد مثالاً على ذلك؛ ففي حزيران 2021 نشرت مجلة “فوربس” بأن عدد من لديهم مليون فأكثر في إيران وصل إلى 250 ألف شخص. وهذا يضع إيران في المكان 14 في العالم من حيث عدد أصحاب الملايين بالنسبة لعدد السكان. حسب هذا الرقم، يتبين أن 0.3 في المئة من سكان إيران لديهم عقارات تبلغ 250 مليار دولار، التي تبلغ 8 في المئة من الناتج المحلي الخام.
بقدر معدل الثراء يكون معدل التهرب من الضرائب. حسب تقارير رسمية، فإن حجم خسارة الضرائب نتيجة التهرب يبلغ 3 مليارات دولار، في حين أن عجز الميزانية قدر بـ 15 مليار دولار. الخسارة في هذه المداخيل لا تشمل الإعفاء الذي تعطيه إيران لمؤسسات اقتصادية ضخمة، التي تسيطر على ممتلكات تبلغ مليارات الدولارات، لكنها تعتبر جمعيات خيرية. إضافة إلى ذلك، ثلث الأطباء ونسبة مشابهة لأصحاب المهن الحرة غير مسجلين في جهاز الضرائب ولا يدفعون ضريبة دخل.
ستضطر الحكومة الإيرانية إلى إجراء إصلاحات كبيرة في جهاز الضرائب وزيادة تطبيق القانون من أجل استنفاد الإمكانية الكامنة في المداخيل غير المستغلة. ولكن هذا الإصلاح، بعد عشرات السنين من الإهمال وغض النظر، لا يمكن تنفيذه مرة واحدة، هذا إذا كان يمكن تنفيذه. الكثير من أصحاب النفوذ والمصالح يستفيدون من هذا الوضع القائم. وإذا لم تنجح حكومة إيران في فترة الأزمة الاقتصادية في زيادة حجم الضرائب، فمن باب أولى ألا تستطيع عندما تبدأ المداخيل الكبرى في التدفق التي ستأتي عقب رفع العقوبات.
الرئيس السابق، حسن روحاني، أدرك البئر التي سقطت فيها إيران، وحاول البدء في إجراء إصلاحات تضمنت تعميق الجباية وإلغاء الدعم، لكنه ووجه بجدار حصين ومقاتل لخصومه السياسيين الذين منعوا سن القانون المطلوب لهذا الغرض. مشكوك فيه أن ينجح رئيسي في المكان الذي فشل فيه أسلافه، لأنه رغم الانتقاد الموجه إليه من قبل أعضاء البرلمان والمطالبة بإقالة وزراء الاقتصاد، يبدو أنهم أيضاً سيكونون أول من يقف في طريقه عندما يعرض برنامج إصلاحات قد يمس بهم أو برجال الأعمال المقربين منهم.
المصدر: هآرتس/ ذي ماركر/القدس العربي