ذكرت وكالة “بلومبرغ” أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدأ ينفذ صبره مع “حليفه” رئيس النظام السوري بشار الأسد، الذي “لا يبرهن على امتنانه لموسكو لبقائه في السلطة كما يحتاجه زعيم الكرملين”.
وقالت في تقرير بعنوان “بوتين يعاني من صداع سوريا والكرملين يلوم الأسد”، إن الرئيس الروسي يواجه معضلة مزدوجة، من ناحية انهيار أسعار النفط ومواجهة فيروس كورونا، ومن ناحية أخرى يريد لململة المغامرة العسكرية في سوريا واعلان النصر.
وأضافت الوكالة الأميركية أن بوتين يصرّ على أن يظهر الأسد المزيد من المرونة في المحادثات مع المعارضة السورية بشأن التسوية السياسية وإنهاء الحرب التي قاربت على عقد من الزمان.
وتسبب رفض الأسد في التنازل عن السلطة مقابل اعتراف دولي أكبر وحتى مقابل ربما مليارات الدولارات من مساعدات إعادة الإعمار انتقاداً عاماً نادراً ضده هذا الشهر من خلال منشورات روسية لها روابط مع بوتين.
وقال الديبلوماسي الروسي السابق الذي يدير مركز أوروبا والشرق الأوسط الممول من الدولة في موسكو ألكسندر شوميلين “يحتاج الكرملين إلى التخلص من الصداع السوري، المشكلة تكمن في شخص واحد هو الأسد وحاشيته”.
غضب بوتين وغموض الأسد يسلطان الضوء على معضلة روسيا الحالية، وهي أنه لا يوجد بديل للأسد في التوصل إلى إتفاق، بعد أن استغل كلّاً من موسكو وطهران للبقاء في السلطة كما استفاد من القوة العسكرية والديبلوماسية الروسية ضد جهود تركيا لتوسيع وجودها في المناطق المتبقية التي يسيطر عليها المعارضون في شمال سوريا بينما يسعى لاستعادة السيطرة على البلاد بأكملها بدعم من بوتين.
على المستوى الروسي الرسمي، نفى المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن بوتين غير راضٍ عن الأسد لرفضه التسوية مع المعارضة السورية خلال المفاوضات.
وأشارت الوكالة إلى أن روسيا كانت تضغط ومن خلف الكواليس على الأسد، للموافقة على بعض التنازلات السياسية الرمزية على الأقل لكسب تأييد الأمم المتحدة لإعادة انتخابه في عام 2021، لكن من دون جدوى.
واليوم، تُعتبر سياسة الإنتقاد العلني من خلال الصحافة المُقربة من الرئاسة تحولا حاداً في النهج الروسي مع الأسد. فقد نشرت إحدى وسائل الإعلام المرتبطة بيفعيني بريغوجين المعروف باسم “طباخ بوتين” مقالاً عبر الإنترنت يهاجم الأسد باعتباره فاسداً.
كما أشار إلى استطلاع يظهر أنه حصل على دعم 32 في المئة فقط، بينما أدرج عدداً من البدائل المحتملة من داخل النظام السوري والمعارضة، لكن المقال اختفى عن موقع وكالة الأنباء الفيدرالية في وقت لاحق.
بعد أيام نشر مجلس الشؤون الدولية الروسية ـ وهو مركز أبحاث للسياسة الخارجية أنشأه الكرملين، تعليقاً ينتقد الحكومة في دمشق باعتبارها تفتقر إلى “نهج بعيد النظر ومرن” لإنهاء الصراع.
وقال الديبلوماسي الروسي السابق ونائب رئيس المجلس ألكسندر أكسينيونوك أنه “إذا رفض الأسد دستوراً جديداً، فإن النظام السوري يعرض نفسه لخطر كبير”. وأضاف أن “المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف بشأن إعادة صياغة الدستور السوري لإدخال بعض المنافسة السياسية بدأت أخيراً في أواخر العام الماضي، لكنها أصبحت على الفور في طريق مسدود عندما قام الجانب الحكومي بتخريبها عمداً”.
وأكد شخص مقرب من الكرملين أن ما نشر في الموقعين هو رسالة قوية للقيادة السورية، كما قال شخص مقرب من القيادة الروسية إن الرئيس الروسي ينظر للأسد ك”شخص عنيد ويمثل خيبة أمل له”، ولذلك استخدم موقعاً مرتبطاً ب”طباخ بوتين” لتوصيل الرسالة.
وفي 20 كانون الأول/ديسمبر الماضي، قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا، غير بيدرسون، لمجلس الأمن، إن الجولة الثانية من المفاوضات فشلت في الانطلاق لأن معارضي الأسد أرادوا مناقشة المسائل الدستورية وهو ما رفضته الحكومة السورية.
وقال ديبلوماسي مُراقب للشأن السوري، إن تحذيرات موسكو تعكس حالة الإحباط بين رجال الأعمال الروس الذين فشلوا بالحصول على عقود تجارية بسوريا.
وأضاف الديبلوماسي أن روسيا تدرك أيضاً مدى صعوبة الوضع في البلاد، مع فشل الأسد في توفير السلع الأساسية بسبب جائحة فيروس كورونا ومشكلة الشبكات الفاسدة التي تخاطر بالتسبب بنوع من المعارضة في مناطق معينة في المستقبل.
بدوره قال مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية جوست
هيلترمان: “الأسد كان دائماً عنيداً في مواجهة الضغط الروسي لأنه يعرف أن سوريا أكبر من أن تفشل بالنسبة لروسيا”.
وأضاف “يبدو أن الحملة الإعلامية الروسية غير المسبوقة ضد الأسد والتي تتم بموافقة الحكومة، تعكس مدى حالة الإحباط في موسكو في الوقت الذي تكون فيه سوريا أقل اهتماماً”.
ورأت الخبيرة بمعهد الاقتصاد العالمي والشؤون الدولية إيرينا زفاسليسكايا إن روسيا لديها قاعدة عسكرية بحرية وأرسلت قواتها لحراسة المناطق السابقة للمعارضة والطرق الرئيسية ولديها نفوذ ولكنها ستخاطر كثيراً لو حاولت الإطاحة بالأسد.
ولفتت الوكالة إلى أن العقدة بوجه الجهود الروسية لإقناع الرئيس السوري بالامتثال للطلبات الروسية ليست فقط إيران، التي دعمت الأسد بالمال والنفط والقوات لضمان بقاء سوريا ممراً لإمدادات الأسلحة إلى حليفها “حزب الله”، بل أيضًا في الإمارات العربية المتحدة.
وقالت إن الإمارات العربية المتحدة حريصة على موازنة النفوذ الإيراني والتركي في سوريا، وهي “خدعت الأسد بعد سنوات من معاملته على أنه منبوذ إلى جانب القوة الإقليمية السعودية ثم أعادت فتح سفارتها في دمشق في نهاية 2018 وترَوج للعلاقات التجارية”.
وأضافت زفاسليسكايا “توصلت العديد من الدول العربية إلى نتيجة مفادها أن الأسد سيبقى.. إنهم مضطرون للتعامل معه”.
المصدر: المدن