تنتاب المرء الكثير من الحالات الشعورية، والعديد من طرق التفكير السياسي، أثناء محاولة الإمساك ببعض مافعلته دولة الإرهاب والدمار الإيراني عبر سنين طويلة من وجودها داخل الجغرافيا السورية، حيث مارست وتمارس كل أنواع القتل والإرهاب النابع من صلب تفكير دولة الملالي الإيرانية وهي تلج داخل أتون المجتمع السوري، وضمن مفاعيل الواقع الجغرافي السوري حيث أغرقته بالدم والقمع والاعتقال، وإحالة الملف السوري إلى أن يكون في سياق اهتمام السياسة الإيرانية الأمنية، تعبيرًا عن استطالات مشروعها الفارسي الطائفي للمنطقة، ومن ضمنه الحالة السورية.
سارعت دولة الملالي الإيرانية ومنذ بدايات الثورة السورية، ثورة الحرية والكرامة، التي انطلقت أواسط شهر آذار/ مارس 2011، لتحقق حلمها الذي طالما تطلعت إلى إنجازه، عبر الغوص في واقع سوري تعتبره إيران ضمن أساسيات مشروعها للمنطقة، وهي ترى أنه لا مفر لديها من احتجاز الواقع السوري ليكون ملامسًا ومتساوقًا مع انزياحات التمدد الإيراني للمنطقة برمتها.
واليوم ومع مرور ذكرى تجرع (الخميني) كأس السم السياسي لحظة قبوله بوقف الحرب التي قام بها ضد البوابة الشرقية للعالم العربي/العراق، والتي دامت هذه الحرب القذرة، ماينوف عن ثمان سنوات، أنهاها بقبوله القرار الأممي بوقف الحرب العدوانية، وتجرعه السم، كما أعلن في حينها آيه الله الخميني، وابتلاعه الخسارة العسكرية الكبرى، من حيث أنه لم يستطع أن ينال من الأرض العراقية في حينها، أو يكسب أي شبر، بل كانت نتيجة حربة تلك مئات آلاف القتلى وتدمير البنية التحتية والعسكرية الكبيرة داخل إيران، التي يفترض أنها كانت بقوة صعودها مع انتصار مايسمى الثورة الإسلاميىة الإيرانية عام 1979. نجد أن تمدد المشروع الإيراني داخل سورية وفي العراق واليمن ولبنان بات أمرًا واقعًا يتكيء إلى استمرار أدوات القتل والقمع والاعتقال، وتغيير الديمغرافيا، في المحيط الاقليمي العربي، والذي كان على أشده في سورية عبر سنوات خلت من الفعل الإجرامي الواضح، الغارق في الوحل السوري، حيث يمكن إبراز أهم انتهاكاته الممنهجة تلك كما يلي:
- بدخول مايسمى الحرس الثوري الإيراني إلى الواقع السوري، ومعه كل الميليشيات الطائفية التي استجلبها من كل بقاع الدنيا، تمكن من الإجهاز على العسكريتاريا السورية التابعة للنظام السوري، بحيث لم يعد هناك من سيادة لجيش النظام السوري، ولا لقواته الأمنية الأخرى، بل ولا لأي سيادة للحكومة السورية، ليصبح الحرس الثوري الإيراني هو المسيطر على مفاصل الجيش في سورية، وقد تمكن من أن يُحدث هناك الكثير من التغييرات العسكرية داخل جيش النظام لتأتي على هواه، وضمن التابعية له، بحيث أضحت قوات الفرقة الرابعة مثلًا تابعة بشكل كلي للحرس الثوري الإيراني وقادته، ولم يعد من دور في أي قرار أمني أو عسكري، إلا ويمر عبر شبكات القيادة الإيرانية.
- ثم كانت مصانع الكبتاغون والحشيش المهرب من لبنان عبر حزب الله، ترتبط من خلال أعلى القيادات العسكرية والأمنيىة الإيرانية، التي تمكنت بالفعل من أن تنشيء لها ميليشا وعصابات كبيرة، تمتلك تلك المصانع وتحميها، وتساهم في الترويج للمخدرات، داخل المجتمع السوري، وأيضًا عبورًا نحو حدود الأردن في الجنوب السوري، وهو ماتبين وانكشف اكثر خلال الحملة الشعبية السورية في السويداء للقضاء على إحدى هذه الميليشيا وهي ميليشيا المدعو راجي فلحوط. وهذا يؤكد أن إيران تريد خرابًا مجتمعيًا للبنيان المجتمعي السوري، كما تريد اشتغالًا جديًا على تصدير هذا الخراب نحو دول الخليج، عبر الأردن، وهو ماوعته دولة الأردن وأعلنت تخوفها منه.
- ومن جملة هذه الانتهاكات الخطيرة التي تمارسها إيران في سورية ماتفعله من تعديات أخرى على مداميك البنيان المجتمعي السوري، عبر التغيير الديمغرافي الذي تعمل عليه بشكل حثيث، من خلال استقدام ميليشيا طائفية إيرانية أو باكستانية أو أفغانية أو سواها وإحلالها مكان السوريين وفي منازلهم التي تم تهجيرهم منها قسرًا، ومن ثم الضغط على النظام السوري لمنحهم الجنسية السورية، وصولاً إلى تغيير ديمغرافي واسع وكبير في كل من أرياف دمشق وحمص، وكذلك أرياف حلب والبوكمال، وهو موضوع خطير للغاية ويتخطى في خطورته كل مافعلته وتفعله إيران في سورية.
- كذلك فإن استخدام أنواع حديثة من السلاح الإيراني، وتمليكه للميليشيا التي شكلتها داخل سورية، لتجهز على السكان المدنيين وغير المدنيين، ولتدمر البنية التحتية السورية، ويصبح المجتمع السوري على يديها خرابًا كبيرًا لايمكن إعادة بنائه من جديد إلا بعد عشرات السنين. وهناك معلومات تؤكد أن الكيماوي الذي استخدمه النظام الأسدي المجرم الأسدي كان من منتجات الدولة الإيرانية ومخزنًا لدى ميليشيا حزب الله في لبنان، وهي من كانت تأتي بالنترات ليتم عبرها إلقاء هذه الأدوات التدميرية المحرمة دوليًا فوق رؤؤس البلاد والعباد في سورية.
– ولاننسى أن إيران تمتلك اليوم داخل الأراضي السورية الكثير من المعتقلات وأماكن الاحتجاز المخفية، حيث تتواجد ميليشياتها على معظم الأراضي السورية من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب، ويمارس فيها كل أنواع التعذيب والاخفاء القسري، ومن يدخل إلى هذه المعتقلات من الصعب جدًا أن يخرج منها إلا وقد انتهت حياته على أيدي الجلادين والإرهابيين الطائفيين الحاقدين. - ولن نتجاوز مافعلته إيران عبر استيلائها على الكثير من المرافق المدنية السورية، كالموانيء أو أماكن استخراج الفوسفات، حيث تتم سرقة الثروات الفوسفاتية الكبرى بشكل يومي وتتجه عبر الأراضي العراقية بالحاملات والشاحنات الكبيرة نحو طهران، وهو تعدي صارخ أمام أعين أجهوة النظام، على ثروات باطنية هي ملك للشعب السوري، ولا يحق لأحد التصرف بها.
- علاوة على السيطرة الإيرانية الكاملة على الكثير من المساحات الجغرافية السورية، ومنع السوريين من الدخول إليها، تحت دعاوى فجة وغير عاقلة تدعي عبرها أنها تأتي لتحمي المراقد الشيعية والمزارات، مثل مقام السيدة زينب بالقرب من دمشق، ومراقد أخرى في داريا وعدرا والسيدة رقية، وأيضًا في حلب/ جامع النقطة، والكثير من المساحات الجغرافية السورية التي أضحت جزءً من أماكن السيطرة الإيرانية في سورية، والتي لايحق للسوريين العبور نحوها، وكأن السوريين لم يكونوا على مدى التاريخ حامين لها، ومحتضنين لوجودها، ومحبين لكل آل بيت رسول الله (ص).
ليست هذه كل الانتهاكات التي مارستها إيران ومازالت تمارسها بحق الشعب السوري وأرض سورية الجغرافية، بل هذا غيض من فيض، مما يعتبره الشعب السوري وكل المنصفين الدوليين أنه تعدي وانتهاك لحقوق الشعب السوري في الحياة، بل وعلى تاريخ ومستقبل السوريين، عبر أدوات إيران في المنطقة، الذين يظنون أن بهذا يمكن لإيران أن تستولي كلية على الوطن السوري وتلحقه يومًا ما بدولة الملالي الإيرانية، لكن هذا هو الحلم الإيراني بعينه، والذي لايمكن تحقيقه، بوجود شعب سوري يعرف ويعي أن إيران دولة عدوة له، ولكل العرب والمسلمين، وهي اليوم توازي بخطرها في المنطقة الكيان الصهيوني، إن لم تكن قد جاوزته.
المصدر: موقع وكالة ثقة