نفذت قوات النظام السوري وعيدها باقتحام بلدات في محافظة درعا، جنوبي سورية، تحت ذريعة البحث عن مطلوبين للأجهزة الأمنية، بالتزامن مع إعلان “اللجنة المركزية”، التي تضم وجهاء من المحافظة وكانت تفاوض باسم الأهالي النظام والجانب الروسي، حل نفسها.
وذكر “تجمع أحرار حوران”، وهو “مؤسسة إعلامية مستقلة، تنقل أحداث الجنوب السوري”، أمس السبت، أن “قوات النظام حاولت التقدم باتجاه الأحياء الجنوبية لبلدة طفس غربي درعا، وسط استهداف منازل المدنيين بالدبابات والرشاشات الثقيلة”.
وفي السياق، يروي الناشط الإعلامي يوسف معربة، لـ”العربي الجديد”، أن “شبان بلدة طفس تصدوا لقوات النظام، ما أدى إلى اشتباكات قصفت خلالها هذه القوات الأحياء الجنوبية للبلدة بقذائف الدبابات والرشاشات المضادة للطيران”.
نشر وحدات قتالية في محيط طفس
وأوضح معربة أن اللجنة الأمنية التابعة للنظام في محافظة درعا “كانت نشرت، أواخر الشهر الماضي، وحدات قتالية في محيط بلدة طفس، بحجة وجود مطلوبين للأجهزة الأمنية داخل البلدة”، مضيفاً: “توصلت لجنة مفاوضة من الأهالي إلى اتفاق ينص على خروج المطلوبين من البلدة مقابل انسحاب قوات النظام من محيطها، إلا أن الأخيرة طالبت بتثبيت نقطة لها قرب البلدة وهو ما رفضته اللجنة”.
وأوضح أن اللجنة الأمنية هددت الشهر الماضي بشنّ أعمال عسكرية ضد بلدات طفس وجاسم واليادودة، في حال لم يُسلّم المطلوبون، وهو ما يعيد إلى الأذهان سيناريو العام الماضي حين حاصرت هذه القوات أحياء درعا البلد، ما خلق أزمة إنسانية واسعة.
وكانت هذه القوات داهمت، الأول من أمس الجمعة، منازل في قرية البكار في ريف درعا الغربي، واعتقلت 6 أشخاص من القرية، بينهم رجل يبلغ من العمر 60 عاماً.
وأشار ناشطون محليون إلى أن “حملة الاعتقالات جاءت عقب استهداف سيارة إطعام عسكرية تابعة للواء 112 بعبوة ناسفة على الطريق الواصل بين قريتي البكار والجبيلية غربي درعا، ما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى في صفوف قوات النظام”.
النظام يدفع بتعزيزات عسكرية إلى درعا
وتشير المعطيات إلى أن قوات النظام ربما تشن حملات دهم واقتحام واسعة في محافظة درعا لفرض سيطرة مطلقة عليها. وأكدت مصادر محلية أن هذه القوات دفعت، الأول من أمس الجمعة، بتعزيزات عسكرية جديدة وصلت إلى الملعب البلدي في مدينة درعا، تشمل 8 سيارات عسكرية محملة بالعناصر، بالإضافة إلى مدرعة ومدفع وعدد من سيارات الدفع الرباعي.
كما نصبت حاجزاً عسكرياً في منطقة الري على الطريق الواصل بين بلدتي اليادودة والمزيريب غربي درعا، وجرى تعزيزه بالأسلحة والآليات الثقيلة. وأرسلت تعزيزات عسكرية جديدة، عصر الجمعة الماضي، إلى منطقة قصاد بالقرب من صوامع القمح في منطقة غرز شرق مدينة درعا، وأقامت 3 نقاط عسكرية فيها.
وكان النظام السوري قد استعاد السيطرة على محافظة درعا عبر مرحلتين؛ الأولى منتصف 2018، بعد حملة عسكرية لم تستمر طويلاً، بمشاركة من الطيران الروسي، دفعت فصائل المعارضة السورية إلى توقيع اتفاقات تسوية. والثانية العام الماضي، عندما تفجرت الأوضاع مجدداً نتيجة تراكم انتهاكات قوات النظام، فتجددت اتفاقات التسوية برعاية روسية، وشملت محافظة درعا كلها، باستثناء بلدة بصرى الشام بسبب وجود مجموعات محلية مرتبطة بالجانب الروسي منضوية في “اللواء الثامن”.
إلا أن المحافظة لم تشهد أي استقرار أمني، بل عمل النظام على تصفية الكثير من معارضيه، أو اعتقالهم، عن طريق مجموعات محلية مرتبطة بالأجهزة الأمنية. وتزامنت محاولة اقتحام بلدة طفس، والتهديد باقتحام بلدات أخرى في محافظة درعا، مع إعلان “اللجنة المركزية” في درعا حل نفسها الأول من أمس الجمعة، بعد 4 سنوات من العمل جهةً مفاوضةً عن الأهالي مع النظام والجانب الروسي الضامن لاتفاقات التسوية والمصالحة في المحافظة.
وتضم اللجنة وجهاء العشائر في المحافظة، بالإضافة لقياديين سابقين في الجيش السوري الحر، وكانت تفاوض روسيا على ملفات عالقة مع النظام، من بينها ملف المعتقلين وملف المنشقين، وعودة المهجرين إلى مدنهم وبلداتهم، وإعادة قوات النظام إلى ثكناتها العسكرية.
تخوين “اللجنة المركزية”
وأشار الشيخ فيصل أبا زيد، أحد أعضاء اللجنة، في خطبة له الجمعة الماضي، إلى أن “اللجنة تعرضت للكثير من التخوين من أبناء المحافظة، واتهامات مباشرة بالعمل مع الأمن العسكري (جهاز أمني)، الأمر الذي يرفضه أعضاء اللجنة”.
من جهته، بيّن المتحدث باسم اللجنة المنحلة عدنان المسالمة، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “بعد أربع سنوات على تشكيلها، لم يعد من ضرورة لاستمرارها”، مستدركاً بالقول: “في حال كانت هناك ضرورة، يمكن تشكيل لجنة جديدة من الشباب الموجودين بالداخل وهم كثر”. وأضاف: “أعضاء اللجنة المنحلة باقون في درعا بين أهلهم، ولن يغادروها إلى أي مكان”.
وكانت اللجنة قد تصدت للعديد من الملفات المهمة في درعا منذ تشكيلها في العام 2018، حين هدد الجانب الروسي بشن عملية واسعة النطاق لإخضاع المحافظة في حال عدم موافقة فصائل المعارضة السورية على توقيع اتفاقيات “تسوية”، هُجّر بسببها الكثير من أبناء المحافظة إلى الشمال السوري مع تسليم الفصائل السلاح الثقيل والمتوسط.
وخلال الأعوام الماضية، توصلت اللجنة إلى تفاهمات مع النظام والجانب الروسي، جنّبت بلدات ومدن المحافظة عمليات عسكرية من قوات النظام، التي تختلق الذرائع دائماً بهدف اقتحام بلدات المحافظة انتقاماً منها، كونها شهدت انطلاق الثورة السورية في مارس/آذار 2011. ولم يلتزم الجانب الروسي بمسؤولياته عن هذه الاتفاقيات، كونه الضامن لها، ما فتح الباب أمام قوات النظام والأجهزة الأمنية لشن عمليات اغتيال واعتقال واسعة النطاق.
المصدر: العربي الجديد