تواصل هيئة تحرير الشام التوسع في عمليات التحصين والتدشيم وتقوية خطوطها الدفاعية في مواجهة قوات النظام في جبهات إدلب ومحيطها في أرياف حلب وحماة واللاذقية، بينما يتواصل التصعيد العسكري والذي يسود فيه القصف المتبادل والهجمات البرية (التسلل) المحدودة بين طرفي القتال في عموم المحاور الجنوبية والشرقية والساحل.
تحصينات متنوعة
وتتضمن عمليات التحصين الهندسي المتصاعدة، حفر الأنفاق والخنادق والمخابئ والحفر الفردية لتأمين الحماية للأفراد، وللمجموعات القتالية والآليات العسكرية ومرابض المدفعية والصواريخ في الخطوط الدفاعية الثلاثة، ضمن منطقة العمليات ذات الطبيعة الجبلية الوعرة، والتي تتوزع على محاور الساحل بريف اللاذقية الشمالي، وجبل الزاوية جنوبي إدلب على وجه الخصوص.
أما المحاور التي تقع وسط تضاريس سهلية، وتمتد بشكل أكبر في جبهات إدلب الشرقية وجزء من جبهات شمال غربي حلب، فتكون التحصينات في معظمها سواتر ترابية بارتفاعات كبيرة وخنادق تحمي المرابطين وألياتهم العسكرية وتسهل حركتهم في الخطوط الدفاعية التي عادة ما تكون مرصودة بنيران الصواريخ المضادة للدروع.
ويبدو أن لدى تحرير الشام خطة لحفر خندق بعرض كبير يمتد على كامل خطوط التماس مع قوات النظام في المنطقة السهلية، وقد بدأت عمليات حفره بالفعل. وتشبه هذه الخطوة إلى حد ما خطوة الجيش التركي في عمليات التحصين في المناطق السهلية والتي اتبعها مؤخراً في جبهات ريف حلب قرب مدينة الباب، والتي لم تنتهِ أعمالها حتى الآن.
أولويات تحرير الشام
وقالت مصادر عسكرية في تحرير الشام ل”المدن”، إن “التحصينات الهندسية بأنواعها أهم جزء في معركة الدفاع عن إدلب ومحيطها، وقد أوليناها اهتماماً كبيراً خلال العامين الماضيين بعدما لمسنا أثرها الإيجابي في عمليات التصدي، وعرقلة قوات العدو وإيقاع الخسائر الكبيرة في صفوفه، ومنعها من الزحف السريع والسهل، والذي بدا واضحاً خلال المعارك الأخيرة التي امتدت من منتصف العام 2019 وحتى بداية العام 2020”.
وتضيف المصادر “يمكن القول أنه بات لدينا خطوط دفاعية متينة على طول الجبهات، وهي خطوط يتواصل العمل في بعضها حتى الآن كي تصبح بجاهزية عالية من ناحية التحصينات للتصدي لأي عدوات محتمل”.
وراثة تحصينات المعارضة
وورثت تحرير الشام منظومة واسعة من التحصينات الهندسية الكثيفة في محاور جبلي التركمان والأكراد في ريف اللاذقية الشمالي بعدما طردت من منطقة العمليات عدداً من الجماعات والتنظيمات السلفية، بينها “جنود الشام” و “جند الله” أواخر العام 2021، وتتمتع جبهات الساحل بحصانة عالية حيث فشلت كل محاولات قوات النظام والمليشيات الموالية لها بالتقدم في محاور المنطقة، رغم أن المحاولات كانت كثيفة جداً في العامين 2018 و2019.
واشتهرت في تلك الفترة محاور كبانة والمرتفع 1045 التي كانت عصية على قوات النظام بفعل كثافة التحصين من جانب الفصائل والتنظيمات السلفية، فالأخيرة كانت بارعة جداً في حفر الأنفاق والمخابئ في المنطقة الجبلية، وخلقها لمواقع رباط وتمركز تحت أرضية ساعدتها في نصب كمائن كبدت قوات النظام خسائر كبيرة في الأعداد والعتاد الحربي مع كل محاولة تقدم بري، وساهمت أيضاَ في حماية أسلحتها من القصف الجوي للطيران الروسي.
وتعتبر خريطة السيطرة في جبهات الساحل بريف اللاذقية الأقدم مقارنة بتوزع السيطرة والخطوط الحالية الممتدة في محيط مناطق سيطرة المعارضة في إدلب، فالجبهات بوضعها الحالي في الساحل يرجع توزعها للفترة ما قبل العام 2015، بينما الجبهات الحالية في مناطق جبل الزاوية وسهل الغاب وجبهات منطقتي سراقب ومعرة النعمان جهة الشرق، وجبهات شمال غربي حلب فقد حددتها العمليات العسكرية لقوات النظام التي دعمتها روسيا منذ منتصف العام 2019 وحتى نهاية شباط/فبراير من العام 2020، لذلك كانت عمليات التحصين مؤخراً أكثر تركيزاً في محاور الزاوية وسهل الغاب وشرق وجنوبي إدلب وغرب حلب.
واستفادت تحرير الشام من مجموعات سرايا المقاومة الشعبية وهي تشكيل عسكري عشائري أسس في العام 2019 برعاية تحرير الشام، وكان التشكيل مختصاً بداية تأسيسه بعمليات التدشيم والتحصين والتي شاركت فيها أيضاَ فعاليات شعبية وطلاب مدارس، ومسؤولين وموظفين في حكومة الإنقاذ التابعة لتحرير الشام في إدلب.
وفي الفترة ذاتها التي تزامنت مع العمليات العسكرية لقوات النظام ومحاولتها السيطرة على الطريق إم-5، أطلق السلفي السعودي عبد الله المحيسني بالتنسيق مع تحرير الشام حملة الخندق، والتي كانت تهدف إلى جمع التبرعات من أجل التوسع في عمليات التحصين وحماية ما تبقى من مناطق المعارضة في إدلب ومحيطها، وبالفعل نجح المحيسني في حشد الدعم للحملة، وشاركت أعداد كبيرة من العمال والمتطوعين في عمليات التحصين وحفر الخنادق والأنفاق مقابل أجور مالية وزعها المحيسني عليهم بعدما حصل على مبالغ التبرعات.
انسحابات رغم التحصينات
ويقلل السلفيون وقادة في الفصائل المعارضة من أهمية التحصينات في منطقة العمليات التي تقع ضمن نطاق نفوذ تحرير الشام في إدلب، ويستذكرون عمليات الانسحاب التي نفذتها الأخيرة لحساب قوات النظام خلال المعارك شرق سكة الحجاز في العامين 2017 و2018، والعملية العسكرية الثانية خلال العام 2019 وسيطرة النظام على الطريق إم-5 (حلب-دمشق).
ويقول قائد عسكري في المعارضة ل”المدن”، إن “جبهات ريف حماة الشمالي مثلاً كانت تشتهر بمتانة التحصينات وكثافتها، وكان لدى تحرير الشام وفصيل جيش العزة منظومة واسعة من الأنفاق والمخابئ والتي لم يكن لها الأثر الظاهر في عمليات التصدي لقوات النظام، أولاً بسبب عدم الجدية في عمليات الدفاع وتفادي المواجهة التي اعتبرتها تحرير الشام استنزاف خاسر، وكذلك بسبب كثافة النيران الروسية التي دمرت جزء كبيرة من منظومة التحصين”.
ويعتبر أن “الحال ذاتها تكررت في معارك شرق السكة ومطار أبو الظهور، حينها كانت نظرية زعيم تحرير الشام أبو محمد الجولاني هي المسيطرة على عقول المقاتلين، بأن الأرواح أهم من الجغرافيا، أي لم يكن يشجع على التمترس في المواقع والاستفادة من التحصينات لعرقلة تقدم قوات العدو”، مشيراً إلى أنه “كان يفضل الانسحاب وعدم المخاطرة في عمليات الاستنزاف”. وقال: “حينها كان الجولاني يريد الحفاظ على الكتلة العددية لقواته لاستخدامها في الصراع مع الفصائل التي كان يتنافس معها ويحضر لقتالها، مثل حركة نور الدين الزنكي وأحرار الشام وصقور الشام وجيش المجاهدين غيرها”.
المصدر: المدن