قام الحاكم خطيبًا فقال: لم يصبكم الطاعون منذ توليت أمركم، فرد عليه أحد الرعية: إن الله أرحم من أن يجمعك علينا أنت والطاعون.
في سورية يجتمع الجميع، القتل والوباء والغلاء المدمر الذي يصيب الشعب والذي أصبح جله تحت خط الفقر والعوز، فإذا استثنينا المواد المستوردة لكونها تخضع لأسعار الدولار المتصاعدة، فإن الغذاء الرئيسي للمواطن أصبحت أسعاره فلكية بعد أن لجأت الحكومة إلى تصديره للخارج وإلى تهريبه من قبل المتنفذين الفاسدين عندما لا يتاح تصديره. مما يحرم المواطن من ضروريات الحد الأدنى من الغذاء، فهل يعقل أن تكون أسعار البندورة السورية والبيض السوري في السعودية والعراق ولبنان بأقل من نصف سعرها في سورية، بينما متوسط الدخل في هذه الدول يزيد أضعافًا مضاعفة عن دخل المواطن السوري البائس. ولا يتوقف الموضوع عند مادة غذائية أو مادتين، بل يشمل كل شيء وبشكل أساسي الخبز الذي كنا نصدر مادته الأولى على مدى سنوات طويلة، والآن طوابير الخبز وشحه لوحدها تشهد بفشل هذا النظام وعدائيته للشعب وعدم الاكتراث إلا بأمن أزلامه وتنامي ثرواتهم بشكل خرافي على حساب المواطن والوطن.
وإذا انتقلنا إلى هم آخر من هموم شعبنا وهو داء كورونا الذي يجتاح العالم، فالملاحظ أن هناك تعتيم كامل وإخفاء للأعداد وللمناطق التي دخلها الوباء، بينما وضع كهذا يحتاج للشفافية والوضوح، ولكن النظام كدأبه في كل ما يمس المواطن وأمنه وصحته وغذائه يتعامل معه بصفته عدوًا وليس صاحب حق.
هل يعقل أن يكون هناك سوق سوداء للذهب والمجوهرات في سورية ليسرقها تجار الحروب حلفاء النظام بأبخس الأثمان وهل بعدها يبقى لهذا الشعب المسكين أي شيء ليبيعه.
أما عن الحرب وويلاتها، فهناك حقيقة ثابته هي أن الاستبداد والفساد يولد الإرهاب ويستجلبه من كل أنحاء العالم. فسورية اليوم باتت مسرحًا مفتوحًا لكل من هب ودب من إرهابيي ومجرمي العالم، من لبنان والعراق وإيران وأفغانستان وحتى روسيا، ساهمت إلى جانب قصفها وقتلها وتدميرها، ساهمت عن طريق شركات مرتزقة في الحرب على شعبنا.
على الجانب الآخر من المشهد المأساوي في سورية، نرى أميركا بتحالفها الغربي والعربي تعيث قي الأرض فسادًا وتصعد الفاسدين والانفصاليين من الأكراد ليكونوا لبنتها الأساسية في مشروعها لتقسيم سورية ونهب ثرواتها، ولتزيد الفرقة التي استحدثتها بين أبناء الشعب الواحد.
بعد الحرب العالمية الثانية تعاقد العالم الجديد على إنهاء الاستعمار وتأسيس منظمة الأمم المتحدة لترسي هذا التعاقد وتشرف عليه بمنظماتها المتعددة من صحية وتربوية وغذائية وحقوق إنسان، لكن هذه المنظمة والتي أحدثت مجلس الأمن بنظام الفيتو الذي يتحكم بمصائر الشعوب المقهورة حسب مصالح أصحاب الفيتو، فشلت بذلك على مر السنين، والمثال الحي الأخير على ذلك استعمال الفيتو ضد الشعب السوري من جانب روسيا عشرات المرات لتجهض أي حل سياسي يخرج الشعب السوري مما هو فيه من قتل وتشريد وتدمير، ويعطي أملًا في عودة المشردين لإعادة بناء بلدهم المدمر بفعل النظام والإرهاب الذي استولده بسياسة العنف والقتل التي مارسها منذ بداية ثورة شعبنا ضد الظلم والقهر والفساد مطالبًا بالحرية والكرامة والعدالة.
ما يتداول عن صراع بين أجنحة الحكم ومافيات الاقتصاد في سورية أبعد ما يكون عن محاولة وضع حد لمظاهر الفساد، وما هي في واقع الأمر إلا حرب نفوذ اقتصادي لا تخلو من خلفيات سياسية بين أجنحة متصارعة على النهب والسلب والاستحواذ على الحصة الأكبر من الاقتصاد المتهاوي. وما محاولة بعض وسائل الإعلام الروسية الدخول على الخط إلا لتغليب طرف من الفاسدين على طرف، وليس لفضح الفساد وتحجيمه، وما إشاراتها لضعف رأس النظام إلا محاولة لإبراز شخصيات جديدة تعتمد عليها دأب أي محتل ومستعمر بتعدد مرتكزاته ليعمق جذوره في وقت ينهار كل شيء.
لا الاحتلال الروسي ولا الإيراني ولا التحالف الأميركي الغربي العربي هو من سيخلص شعبنا مما هو فيه. خلاصنا بأيدينا ولو طال الزمن، ولكنه لن يطول بقدرة شعبنا وإيمانه بقضيته وعدم تنازله عن أي حق من حقوقه، وإن غدًا لناظره قريب.
المصدر: اشراق