منذ أسابيع، ووسائل الاعلام الأميركية تضج بأخبار عن جو ديبة، المعروف أيضاً باسم يوسف أو جوزف ديبة، وهو سوري-أميركي كان على قائمة المطلوبين لدى مكتب التحقيقات الفيديرالي الأميركي (أف بي أي) لدوره في سلسلة أعمال عنف نظمتها مجموعة بيئية أميركية في تسعينات القرن الماضي. الرجل فرّ الى سوريا بعدما أضحى مطلوباً في الولايات المتحدة، ومن ثم غادر الى روسيا بعد الثورة والحرب السوريتين، وانتهى به المطاف معتقلاً بعد زيارة الى اميركا اللاتينية مروراً بكوبا “المناضلة” التي سلمته للجانب الأميركي بعد تعذيبه لأيام.
وفقاً لمجموعة مقالات نُشرت بالانكليزية عنه في مواقع منها “نيويورك تايمز” و”أو بي بي” وتخللتها مقابلات معه بالولايات المتحدة، جوزف (يوسف) ديبي أو ديبة وُلد لأبوين سوريين مهاجرين للولايات المتحدة، ولم يتحدث معه أهله في البيت الا العربية لسنوات، ما جعله يُجيدها لكن ذلك زاد من عزلته في سنوات الطفولة. ديبة كان كذلك يُعاني من الربو، وبالتالي أمضى مع والده وقتاً في الطبيعة وطوّر علاقة بها وحرصاً عليها، كانا وراء نشاطه البيئي اللاحق، انتهاء بالعمل المسلح في التسعينات وبدايات الألفية الثانية. وكان من أهدافه ورفاقه البيئيين المشرحة الرئيسية للحم في ولاية أوريغون عام 1997.
لم يُبد الاعلام العربي اهتماماً بقضية ديبة رغم التقارير الأميركية عنه، وربما السبب في ذلك ارتباطه بقضية بيئية، وهذه غالباً خارج إطار الرصد في منطقتنا المنقسمة بين العسكر وورثتهم وحلفائهم من جهة، وبين الإسلام السياسي بأشكاله المختلفة. ذاك أن النقاش حول البيئة، وتحديداً تبدل المناخ، يُعيد تجديد الانقسام بين بعض اليسار (تحديداً المتمرد على الأنظمة الشمولية) واليمين على مستويات مختلفة أهم ما يعنينا منها هو النقاش حول سبل العيش الأكثر استدامة، ومصالحة ذلك مع الاقتصاد والنمو، وكذلك مسؤولية الغرب أو دول الشمال، وما يترتب عليها من تعويضات على شكل استثمارات طويلة الأمد تُتيح لدول الجنوب والعالم الثالث عموماً.
في الشق الأخير طبعاً، تجد دول المنطقة نفسها بعد 60 عاماً على الاستقلال، وتجارب فاشلة تتأرجح بين العسكر والإسلام السياسي وما بينهما، أمام استحقاق بيئي لم تتسبب به بشكل رئيسي، لكنها فشلت وتفشل في الاستعداد له. حين نصل بعد عقود قليلة الى واقع يجمع بين التصحر وأزمات المياه والطقس المتطرف وارتفاع منسوب البحر، ستكون شعوب المنطقة بين فكي كماشة أنظمتها ودول العالم المتقدم المستعدة نسبياً لمواجهة هذه الوقائع، لكنها تتنصل من المسؤولية عن تسببها بهذه الأزمة.
والانقسام في منطقتنا بين الإسلام السياسي والعسكر يخدم هذا الواقع الجديد.
من هنا يأتي الاهتمام الأميركي بقضية “الإرهابي الأخضر”، إذ وكما نقلت احدى وسائل الإعلام عن المسؤول الأميركي عن مكافحة الإرهاب جيمز جاربو في أيلول (سبتمبر) عامي 2002، أن “هناك تبدلات دراماتيكية في طبيعة التهديد الإرهابي”، وهي لا ترتبط بالتهديد الإسلامي المهم حينها، بل بالحركات البيئية. ذلك أننا أمام مجموعات بيئية ترى خطراً داهماً على استمرار الحياة على هذا الكوكب، نتيجة سياسات بشرية والإصرار على تغليب المصالح الرأسمالية والأرباح على أي اعتبارات أخرى ولو كان من ضمنها تبدل المناخ.
ديبة (بالانكليزية اسمه جوزف محمود ديبي، ولكن بالعربية يبدو أن اسمه على الجواز السوري كان يوسف محمود ديبي)، فر لحوالي 12 عاماً من الولايات المتحدة، أمضى أغلبها في سوريا. في نهاية عام 2005، غادر ديبي أو ديبة الولايات بالسيارة ووصل الى المكسيك، ومن ثم غادر جواً إلى لبنان ومنه براً الى سوريا.
في سوريا، عمل ديبي في جامعة القلمون أستاذاً وركز على مجال الطاقة البديلة، وتحدث عن مشروع له في هذا المجال لم يحظ بالنجاح نتيجة اندلاع الثورة السورية والحرب التي دفعته للمغادرة باتجاه روسيا. موقف ديبي من الثورة السورية لافت، إذ يتحدث بإيجابية عن الحكومة السورية وبسلبية عن الحرب وما يُسميه بـ”الجماعات الإرهابية”. كيف بإمكان شخص كرّس حياته لمواجهة الخطر على البيئة، وصم الثورة بأسرها بالإرهاب. هذا سؤال طبعاً برسم ديبي.
محاكمة ديبي مفصلية اليوم لتحديد ما يُسمى بـ”الإرهاب البيئي”، وهو فضاء نضالي يبدو قابلاً للاتساع، وبات لدى المنطقة “حصة” فيه من البوابة الأميركية.
المصدر: المدن