أول مرة التقيت فيها الشهيد محمد فليطاني أبو عدنان كانت في التسعينات “٩٤-٩٥” ضمن لجنة إعلامية.. وكان على كل عضو أن يقرأ مقالته لإبداء الملاحظات عليها من قبل البقية والتعديل جزئيًا أو كليًا أحيانًا، فالمواضيع والمقالات لم تكن ملكًا لكاتبها بل تصدر باسم المجموع.
أذكر يومها أن المرحوم أبو عدنان قدم مقالًا يتناول فيه غلاء أسعار الخضار والفواكه. وذكر تفاصيل أسعار كل صنف من البصل والبطاطا إلى الكوسا والفاصولياء.. ومن البرتقال إلى الفراولة والموز.
وقارنها مع أسعارها قبل بضع سنوات وبين معدل تضخمها وأجرى مقارنة بين تكلفة احتياجات الأسرة المتوسطة مع متوسط دخلها. ليبين معاناة أرباب الأسر لتأمين احتياجاتهم.
بصراحة وقتها لم يعجبني المقال ولم أخف رأيي أو أوارب في عرضه بأن المقال أقل مستوى من أن ينشر.
طبعًا أنا كنت وقتها شابًا في مقتبل العمر ولم أكن مسؤولاً عن أسرة بعد ولم تكن تلك الأمور في دائرة اهتماماتي.. وكنا (أنا وجيلي) وقتها مهوسون بالقضايا الثقافية الكبرى والقضايا السياسية والايديولوجية.. واعتبرت ذلك من سفاسف الأمور.
طبعًا رأيي كان يمثل أقلية في اللجنة، والمقال أخذ طريقه للنشر كما هو. وأنا أعترف بأني كنت على خطأ في تقدير أهمية المقال وكاتبه. الرجل الذي تعرفت عليه لاحقًا. إنسانًا مكافحًا يعمل كمحاسب في سوق الهال في مدينته دوما كعمل إضافي إلى وظيفته مما يستهلك معظم يومه في سبيل تأمين قوت أسرته. مع ذلك لم تثنه تلك الظروف القاسية عن الاهتمام بالعمل العام السياسي والاجتماعي ولم تبعده عن المطالعة وقراءة السفاسف التي كنا نكتبها نحن. وكان هو أكثر التصاقا بهموم الوطن والمواطن الكادح المعيل.
اليوم تمر ذكرى استشهاده ويمر شريط من الذكريات. فأكاد أقول الحمد لله أن الله اختار له الشهادة قبل أن يعيش لهذه الأيام ليسمع ويرى الأسعار الفلكية للخضار والفواكه وكافة السلع والخدمات في ظل تآكل دخول معظم الأسر السورية ووصولها إلى الحضيض. فربما كان قد مات قهرًا وحسرة. فأنا أعلم كم كان قلبه رقيقًا وضعيفًا اتجاه هذا الموضوع.
567 دقيقة واحدة