تسارعت التطورات السياسية في تونس منذ فرض الرئيس قيس سعيّد في 25 تموز (يوليو) 2021 التدابير الاستثنائية في البلاد، بسبب ما سمّاه “الخطر الداهم” استناداً إلى الفصل 80 من دستور 2014، ما مكّنه من صلاحيات تنفيذية وتشريعية مطلقة أعد بموجبها مشروعاً لدستور جديد، سيُعرض على الاستفتاء في انتظار إجراء انتخابات تشريعية مبكرة في كانون الأول (ديسمبر) المقبل.
وفي ما يأتي أبرز التطورات السياسية التي عاشت على وقعها تونس طيلة عام من حكم التدابير الاستثنائية:
السّيطرة على السّلطة التنفيذيّة
في 25 تموز 2021 نزل التونسيون إلى الشوارع، للتعبير عن غضبهم واستيائهم من الطبقة السياسية ومن الحكومة التي فشلت في إدارة “أزمة كوفيد” حينها، بعدما سجّل البلد أرقام وفيات قياسية.
وطالب المحتجون بإقالة الحكومة وحلّ مجلس النواب، بعدما دخل رئيسه راشد الغنوشي في صراع بشأن الصلاحيات مع الرئيس سعيّد لمدة أكثر من ستة أشهر.
وعقب يوم دام من التظاهرات، تحوّلت إلى مواجهات مع الأمن بعد إحراق مقار لحزب “حركة النهضة” الحاكم، أعلن الرئيس سعيّد تفعيل الفصل 80 وتعليق أشغال مجلس النواب لمدة 30 يوماً، ورفع الحصانة عن نوّابه وحلّ الحكومة وإقالة رئيسها هشام المشيشي.
وقال سعيّد حينها إنه اتخذ قراره بعد اجتماع مع قيادات أمنية وعسكرية، مشدداً على أن خطوته تهدف إلى “إنقاذ” البلد.
شهر ساخن
بعد تفعيل التدابير الاستثنائية، أعلن سعيّد حالة الطوارئ في البلد وحظر التجوال الليلي، لكن الآلاف من التونسيين نزلوا إلى الشوارع للاحتفال والتعبير عن فرحتهم بهذه القرارات. في المقابل، أعلن حزب “النهضة” صاحب الأغلبية في البرلمان رفضه لها، ودعا زعيمُه الغنوشي، الذي توجه إلى مقر البرلمان في محاولة لدخوله، أنصارَه إلى النزول إلى الشارع للتظاهر ضد “الانقلاب”.
في 26 تموز شهد محيط البرلمان تجمهراً لأنصار الرئيس سعيّد وأنصار حزب “النهضة”، فتبادلوا التراشق بالحجارة وقوارير المياه، وتمّ إخلاء المكان بعد أيام قليلة.
وداخلياً أعلن اتحاد الشغل وعدد من الأحزاب تفهمهم قرارات سعيّد، بينما راوحت المواقف الخارجية بين “التعبير عن القلق” والمطالبة بالعودة السريعة “إلى العمل الطبيعي للمؤسسات”.
وبعد تعليق أشغال البرلمان، دشن سعيّد حملة “ضد الفساد” وضد من قال إنهم “نهبوا مدخرات البلاد”، وعرض الصلح الجزائي على قائمة تضم 460 رجل أعمال قال إنهم تورطوا خلال فترة حكم الرئيس بن علي في قضايا فساد مقابل الاستثمار في المناطق الداخلية.
كما اتخذت قرارات بمنع السفر بحق عدد من الشخصيات السياسية ورجال أعمال وقضاة، في خطوة لاقت تنديداً داخلياً وخارجياً واسعاً من عدد من المنظمات الحقوقية.
في 24 آب (أغسطس)، وبعد شهر من التعليق الموقت لأشغال البرلمان، أعلن الرئيس سعيّد تمديد التعليق “حتّى إشعار آخر”، مؤكداً أن البرلمان “خطر على الدولة”.
صلاحيات رئاسيّة واسعة
في 20 أيلول (سبتمبر) قال سعيّد إن العمل بالتدابير الاستثنائية المعلنة في 25 تموز سيستمر إلى حين وضع قوانين انتقالية وتعديل القانون الانتخابي، ولم يحدد تاريخاً لإنهاء هذه التدابير، لكنه وعد بتعيين رئيس للحكومة.
وقال سعيّد في أول خطاب للتونسيين بعد حوادث تموز من محافظة سيدي بوزيد (وسط)، مهد ثورة 2011، إنّ “هذه التدابير الاستثنائية ستتواصل، وسيتمّ تكليف رئيس حكومة ضمن أحكام انتقالية تستجيب لإرادتكم، وسيتمّ وضع مشروع انتخابي جديد”.
في 22 أيلول أصدر سعيّد الأمر الرئاسي المتعلق بالتدابير الاستثنائية، وينصّ على تولي رئيس الجمهورية “إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية، بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي”.
كما أعلن إبقاء العمل فقط “بتوطئة الدستور وبالبابين الأول والثاني منه، وبجميع الأحكام الدستورية التي لا تتعارض مع أحكام هذا الأمر الرئاسي”.
تعيين رئيسة للحكومة
وفي 29 أيلول كلّف سعيد نجلاء بودن رئاسة الحكومة، لتكون بذلك أوّل امرأة في تاريخ تونس تصل إلى هذا المنصب.
وشكّل تعيين بودن مفاجأة للطبقة السياسية، باعتبار أنها جامعية متخصصة في الجيولوجيا ولا تملك تاريخاً سياسياً.
انتخابات تشريعيّة جديدة
في 13 كانون الأول (ديسمبر)، أعلن سعيّد تمديد تجميد أعمال البرلمان المعلق إلى حين إجراء استفتاء حول إصلاحات دستورية، وتنظيم انتخابات تشريعية نهاية 2022.
وفي 21 كانون الأول أعلن سعيّد خريطته للخروج من “التدابير الاستثنائية”، وضمّت تنظيم استفتاء في 25 يوليو 2022 بشأن تعديل الدستور، وإجراء انتخابات تشريعية في 17 كانون الأول 2022.
تظاهرات مندّدة
في 14 كانون الثاني (يناير) 2022، وتزامناً مع إحياء ذكرى الثورة، تظاهر معارضون للرئيس سعيّد في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة تونس للمرة الأولى منذ حوادث تموز، لكن الأمن التونسي فرّق هذه التظاهرة باستعمال القوّة، باعتبار أنها “مخالفة لقانون منع التجمعات المعلن بسبب جائحة كورونا”.
استشارة إلكترونيّة شعبيّة
في 15 كانون الثاني 2022 انطلقت استشارة إلكترونية شعبية كان سعيّد قد أعلن تنظيمها، وقال إنها ستكون قاعدة للإصلاحات السياسية التي يعتزم إدخالها على الدستور والنظام الانتخابي، واستمرت هذه الاستشارة إلى 20 آذار (مارس)، لكنها لم تلق مشاركة شعبية واسعة، وبلغ عدد المشاركين فيها نحو 500 ألف.
حلّ المجلس الأعلى للقضاء والصّراع مع القضاة
في شباط (فبراير) أعلن سعيّد حلّ المجلس الأعلى للقضاء، وتعويضه بآخر موقت، ومنح نفسه صلاحية “طلب إعفاء كل قاض يخل بواجباته المهنية”، كما منع القضاة من الإضراب عن العمل، وقال إن أعضاء هذا المجلس يعملون لفائدة أطراف سياسية.
وفي 2 حزيران (يونيو)، أعلن سعيّد إعفاء 57 قاضياً قال إن تهماً بالفساد تلاحقهم، ما زاد حدّة الصراع بينه وبين القضاة الذين أضربوا لمدّة أربعة أسابيع، فيما دخل عدد من القضاة المعزولين في إضراب جوع، لكن الرئيس لم يتراجع عن قراره، وقالت وزارة العدل إنها ستقتطع أيام الإضراب من رواتب القضاة.
حلّ البرلمان
في 30 آذار (مارس) أعلن سعيّد حلّ البرلمان، وقال إنه استند إلى الفصل 72 من الدستور.
وجاء قرار سعيّد رداً على جلسة افتراضية عقدها 120 نائباً، صوّت أغلبهم عقبها على مشروع قانون يلغي التدابير الاستثنائية في البلاد.
وبعد حلّ البرلمان، استدعى القضاء النوّاب المشاركين في الجلسة بتهمة “المشاركة في الانقلاب”، لكنّه أخلى سبيلهم.
حلّ هيئة الانتخابات
في 22 نيسان، أصدر سعيّد مرسوماً يقضي باستبدال أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بسبعة أعضاء جدد، في تحرك أثار احتجاجات كبيرة من معارضيه الذين اتهموه بترسيخ حكمه الفردي.
إضراب عامّ
في 16 حزيران نفّذ الاتحاد العام التونسي للشغل إضراباً عاماً شمل 156 مؤسسة حكومية، للتعبير عن رفضه خطّة الإصلاح الاقتصادي التي عرضتها حكومة بودن، ومن أبرز ملامحها رفع الدعم عن المحروقات والمواد الأساسية وتجميد الزيادات في الرواتب والتوظيف في المؤسسات المفلسة.
وقال الاتحاد العمالي صاحب التأثير القوي في البلاد، إن هذه القرارات تستجيب لإملاءات صندوق النقد الذي تخوض تونس معه مفاوضات من أجل الحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار.
وفي 27 حزيران أعلن الاتحاد قراره خوض إضراب جديد سيشمل كامل القطاع الحكومي لم يحدّد موعده بعد.
لجنة لصوغ الدستور وحوار وطني
في 20 أيار (مايو) أصدر سعيّد مرسوماً يقضي بإحداث “الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة”، بهدف “إعداد مشروع دستور جديد”، وكلّف أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد برئاستها.
وعهد إلى هذه اللجنة الإشراف على حوار وطني دعي له عدد من الشخصيات والمنظمات الوطنية والأحزاب السياسية، لكنه لقي رفضاً واسعاً من أغلبها، وفي صدارتها اتحاد الشغل.
وفي 4 حزيران انطلقت أولى جلسات الحوار الوطني وسط مقاطعة واسعة، وانتهت بصوغ دستور جديد.
وفي 20 حزيران سلّم الصادق بلعيد الرئيس سعيّد مشروع الدستور الجديد الذي أعدته لجنة الصوغ.
وفي 30 حزيران نشر سعيّد مشروع الدستور الجديد في الجريدة الرسمية، وتضمن تعديلات عديدة، من أبرزها إلغاء مدنية الدولة وعدم التنصيص على دينها وإحداث مجلس تشريعي ثان يعنى بالجهات والأقاليم، مع تركيز صلاحيات مطلقة للرئيس، ما جعله محلّ انتقاد ورفض واسعين من أغلب الفاعلين في المشهد السياسي، من بينهم رئيس لجنة الصوغ وأعضائها، الذين قالوا إنهم سلّموا الرئيس نسخة مختلفة تماماً.
وفي 8 تموز أعلن سعيّد في كلمة للتونسيين لمناسبة عيد الأضحى، إدخال تعديلات على مشروع الدستور، مؤكداً أن أخطاء في الشكل والترتيب تسرّبت له، ونشرت النسخة الجديدة في الليلة ذاتها لكنّها لم تتضمن تعديلات كبيرة.
التّحقيق مع الغنّوشي
في 19 تموز مثل رئيس البرلمان المحلول ورئيس حزب “حركة النهضة” راشد الغنوشي أمام القضاء بتهم متعلقة بغسيل أموال، في خطوة هي الأولى من نوعها، وبعد ساعات من التحقيق أُخلي سبيله.
وتزامن التحقيق مع الغنوشي مع تواصل حملة فاترة للاستفتاء في البلاد، انطلقت في 3 تموز وتتواصل إلى غاية يوم 24 منه.
المصدر: النهار العربي