تتباين المواقف التركية والروسية والإيرانية بشكل واضح في سوريا، لكنها تتقاطع عند حاجة هذه الأطراف إلى بعضها البعض، وهذا ما عبرّ عنه البيان الختامي للقمة الثلاثية التي عُقدت الثلاثاء في طهران.
وجاء في البيان الختامي المشترك للقمة، أن الدول الثلاث مصممة على مواصلة تعاونها القائم للقضاء في نهاية المطاف على الأفراد والمجموعات الإرهابية.
ورفضت الدول الثلاث كل المحاولات لخلق وقائع جديدة على الأرض تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، بما يشمل مبادرات الحكم الذاتي غير القانونية، والتصميم على الوقوف في وجه الأجندات الانفصالية الهادفة لتقويض سيادة ووحدة أراضي سوريا، إضافة إلى تهديد الأمن القومي للدول المجاورة.
وناقش الرؤساء الوضع الميداني الحالي في سوريا، كما تم استعراض آخر المستجدات الدولية والإقليمية، والتأكيد على الدور الريادي لمسار “آستانة” في التسوية السلمية للأزمة السورية.
وجاء لقاء الزعماء الثلاثة الأول منذ العام 2019، وسط ظروف استثنائية تمر بها المنطقة نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، وتشكل تحالفات جديدة بقيادة الولايات المتحدة.
ويرى الباحث في العلاقات الروسية-التركية الدكتور باسل الحاج جاسم، أن قمة طهران أظهرت أن مسار أستانة السوري ما يزال ضرورة للدول الضامنة الثلاث، لمنع حدوث اي صدام بينهم بسبب استمرار التباين بين طهران و موسكو من جهة وأنقرة من جهة.
إيران وروسيا لا تدعمان العملية التركية
ويضيف ل”المدن”، أن اللافت هذه المرة أنه على الرغم من رغبة روسية-إيرانية معلنة في إبعاد واشنطن عن شرق الفرات، إلا أن الدولتين لم تعلنا تأييد الاستعدادات التركية لعملية عسكرية ضد أدوات الولايات المتحدة (قسد) التي تحتل مناطق واسعة من الأراضي السورية.
والمفارقة الغريبة، حسب الحاج جاسم أن روسيا وإيران لم تؤيدا عملية عسكرية تركية تصر عليها أنقرة ضد “قسد”، مع أنه ليس لديها القدرة على إزالة خطر قسد ومشروعها الانفصالي على وحدة أراضي سوريا. ويضيف أنه “في ظل واقع كهذا يصعب وضع تقييم دقيق لهذه القمة”، مؤكداً أنه “لا بد من الانتظار أيام، لمعرفة النتائج الحقيقية لها”.
وقال المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنيتيف إن بلاده تبذل جهوداً لإقناع القيادة التركية بعدم اللجوء إلى أساليب القوة لحل المشكلات العاجلة، بل أن تحاول القيام بذلك من خلال المفاوضات، ومن خلال الحوار بين الأطراف المعنية وذات العلاقة.
وكان الموقف أكثر تشدداً للمرشد الإيراني علي خامنئي الذي قال خلال لقائه أردوغان إن “أي عمل عسكري في سوريا سيعود بالضرر على تركيا وسوريا والمنطقة بأكملها”.
تركيا عازمة على شن العملية
ومقابل الرفض الروسي والإيراني للعملية العسكرية، شدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أن بلاده مصممة على “اجتثاث بؤر الشر التي تستهدف أمننا القومي من سوريا”، مضيفاً أن “روسيا وإيران تتفهمان مخاوف تركيا الأمنية، لكن الكلمات ليست كافية، وتركيا ستواصل معركتها ضد وحدات حماية الشعب والمليشيات الأخرى من دون النظر لمن يدعمها”.
ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي التركي الدكتور يوسف كاتب أوغلو أن تركيا أبلغت روسيا وإيران عزمها على تنفيذ العملية العسكرية الضرورية لحماية أمنها.
ويضيف ل”المدن”، أن الرئيس التركي طالب بوتين ورئيسي بتفهم الموقف التركي، مشيراً إلى تباين واضح في الموقفين الروسي والإيراني من العملية. وقال: “روسيا موقفها أقرب إلى أنقرة من طهران التي عارضت العملية بشكل معلن، علماً أن موقف طهران غير مؤثر على سير العملية لأن هناك اتفاق على عدم حدوث صدام مباشر بين القوات التركية والميليشيات الإيرانية في سوريا”.
وبالتالي، يؤكد أوغلو أن العملية باتت وشيكة، لأن بلاده لن تنتظر أكثر لتنفيذ التعهدات الروسية والأميركية في سوريا، ويقول: “العملية العسكرية باتت مطلباً ملحاً، لأن بقاء الحال على ما هو عليه قد يؤدي إلى حدوث صدام بين القوات التركية والميليشيات الإيرانية، وخاصة في منبج وتل رفعت وعين العرب”.
ويبدو أن لدى تركيا ما يكفي من أوراق للتفاوض مع روسيا وإيران، لانتزاع الموافقة على تحرك عسكري جديد في الشمال السوري، وخاصة في مواضيع اقتصادية متعلقة بتصدير الحبوب من البحر الأسود.
المصدر: المدن