لم تكن خطوة إعلان المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن إلغاء الجولة التاسعة من اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف مفاجئة لأحد، خصوصاً مع تماهي النظام السوري مع الشروط الروسية للمشاركة فيها.
وأعلن بيدرسن، في بيان أمس الأول السبت، أنه “لم يعد ممكناً عقد الجولة التاسعة” من اجتماعات اللجنة الدستورية، والتي كانت مقررة أواخر الشهر الحالي في مدينة جنيف السويسرية، مشدداً على أهمية قيام جميع الأطراف في الصراع السوري بحماية العملية السياسية.
وكان الرئيس المشترك للجنة الدستورية من جانب النظام أحمد الكزبري قد أبلغ بيدرسن، الجمعة الماضي، أن وفده “سيكون مستعداً للمشاركة في الدورة التاسعة فقط عندما تتم تلبية الطلبات المقدمة من الاتحاد الروسي”.
وكان مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية ألكسندر لافرنتييف قال، منتصف يونيو/ حزيران الماضي، إن استمرار العمل في جنيف بالنسبة لموسكو أصبح صعباً، بسبب الموقف “غير الودّي والعدائي لسويسرا تجاه روسيا”.
توظيف روسيا لقضية سورية بكباشها مع الغرب
ولم تكن خطوة إلغاء هذه الجولة مفاجئة، إذ لم يعد خافياً التوظيف الروسي للقضية السورية في سياق الكباش السياسي مع الغرب، والذي تعزز مع انطلاق غزوها لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي.
ولم يعر النظام السوري أي اهتمام للعملية السياسية منذ انطلاقها في عام 2012، حيث صدر بيان “جنيف 1” الذي رسم خريطة حل للقضية السورية، والتي دعت إلى “إقامة هيئة حكم انتقالية، باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية”.
ومنذ عام 2014 عقدت العديد من جولات التفاوض بين المعارضة السورية والنظام، تحت مظلة الأمم المتحدة، إلا أنها لم تحقق أي نتيجة، رغم أن المبعوث الأممي السابق إلى سورية ستيفان دي ميستورا حدد في الجولة الرابعة، في 2017، جدول أعمال وفق القرار الدولي 2254 يتكون من أربع “سلال”، هي: إنشاء حكم غير طائفي يضم الجميع، ووضع جدول زمني لمسودة دستور جديد، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة بعد وضع دستور، ومكافحة الإرهاب.
وتحت ضغوط إقليمية ودولية، رضيت المعارضة بتقديم التفاوض حول المسألة الدستورية، في نسف لتراتبية القرار الدولي 2254 الذي صدر في عام 2015، إلا أن النظام لم يقابل هذه الخطوة إلا بتصلب أكبر حيال التعامل مع القرارات الدولية، حتى يصل إلى مراده بإيقاف العملية السياسية برمتها، وهو ما يلوح في الأفق مع تعطيل المسار الدستوري.
خيارات سياسية محدودة أمام المعارضة
وتبدو الخيارات السياسية أمام المعارضة السورية محدودة، إن لم تكن معدومة، حيث تتجنّب حتى اللحظة إعلان الانسحاب من اللجنة الدستورية، حتى لا تظهر أمام المجتمع الدولي بمظهر المعطّل للعملية السياسية، وهو ما يسعى النظام إليه، عبر تبديد الوقت من دون تحقيق أي إنجاز.
وتشير المعطيات السياسية إلى أن المعارضة السورية (المنقسمة أصلاً إلى تيارات وهيئات متباينة) لا تملك خططاً بديلة للتعامل مع التعنت الذي يبديه النظام السوري، استناداً إلى دعم روسي إيراني متواصل منذ بدء الأزمة السورية في عام 2011.
وترى المعارضة التي جُردت على مدى سنوات من أوراق القوة أن القرارات الدولية، وخاصة 2254، وسيلة حل ناجعة للقضية السورية. لكن هذه المعارضة تعاني من تقاعس إقليمي ودولي في دعمها، وهو ما يجعل منها الطرف الأضعف في المعادلة السياسية في البلاد.
وربط الائتلاف الوطني السوري، وهو من أبرز القوى السياسية المعارضة، موقفه من العملية السياسية بموقف أنقرة، التي تبدو حريصة على عدم مناكفة موسكو حيال أبرز الملفات في القضية السورية.
لا موقف لهيئة التفاوض
ولم تعلن “هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية”، وهي الجهة المشرفة على الوفد المعارض المفاوض في جنيف، حتى ظهر أمس الأحد، موقفها من تعطيل المسار الدستوري. وتضم الهيئة أغلب مكونات المعارضة السورية في الداخل والخارج، لكنها تعاني من تباين رؤى بين هذه المكونات حيال التعامل مع العملية السياسية، حيث يتبنى بعضها سياسة “مهادنة”، في مقابل رفض الائتلاف أي حلول لا يمكن أن تفضي إلى خروج بشار الأسد من السلطة.
ولم تبد الإدارة الأميركية كثير اهتمام لإنجاح العملية السياسية في سورية، التي يبدو أنها باتت تتذيّل أولويات الغرب بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا. ومن المتوقع أن يكون الملف السوري على طاولة رؤساء الثلاثي الضامن في سورية (روسيا وتركيا وإيران) أثناء القمة المتوقعة غداً الثلاثاء في العاصمة الإيرانية طهران. ومن المرجح أن يصر الجانبان الروسي والإيراني على حل سياسي في سورية يبقي بشار الأسد في السلطة، وهو ما ترفضه أنقرة، ما يعني بقاء القضية السورية من دون حلول.
وربما يدفع التعنت الروسي بيدرسن إلى إعلان تخليه عن مهامه، حيث لم يستطع كما أسلافه تحقيق أي اختراق جاد يمكن التأسيس عليه للتوصل إلى حل سياسي وفق قرارات الشرعية الدولية. وكان استقال ثلاثة مبعوثين أمميين إلى سورية منذ تدويل الأزمة أواخر 2011، هم كوفي عنان، والأخضر الإبراهيمي، وستيفان دي ميستورا.
العملية السياسية منتهية أصلاً
وقلل مدير وحدة تحليل السياسات في مركز “الحوار السوري” محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، من أهمية إلغاء الجولة التاسعة من اجتماعات اللجنة الدستورية، لأن “العملية السياسية منتهية أصلاً، وكانت حية شكلياً فقط. وبالتالي لا أعتقد بوجود أهمية لهذا الحدث”. ورأى أن “لدى المعارضة السورية خيارات خارج العملية السياسية من خلال العمل على إحياء القضية السورية عبر العمل الدبلوماسي والحقوقي والمناصرة”.
وأشار أمين سر الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري عبد المجيد بركات، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “النظام يتخذ من أعمال اللجنة الدستورية ساحة للمساومات، وهو غير معني على الإطلاق بالوصول إلى نتائج، لأنه أفقدها جوهرها وأخرجها عن سياقها”.
وقال: “علينا الضغط بكل السبل من أجل تطبيق القرار الدولي 2254 بشكل كامل، ووضع المبعوث الأممي أمام مسؤولياته. عليه أن يضع مجلس الأمن الدولي أمام الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تعطيل العملية السياسية، وطريقة تعامل النظام معها، ويحمله المسؤولية عن عدم تنفيذ القرار الدولي”.
وفي السياق، رأى المحلل السياسي ياسين جمول أن إلغاء الجولة التاسعة من اجتماعات اللجنة الدستورية “ربما يكون فرصة لقوى الثورة والمعارضة لترتيب نفسها، والتخلص من حالة الترهل التي لا تخفى على أحد”. وأضاف، في حديث مع “العربي الجديد”: “كذلك هو فرصة للمعارضة لفضح نظام الأسد وحليفه الروسي أمام المجتمع الدولي الذي تماهى مع الرؤية الروسية للحل في سورية”.
المصدر: العربي الجديد