بدأت أخيراً التحضيرات الجدية للعملية العسكرية ضد “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) شمالي حلب بعدما نفذت الفصائل المعارضة عمليات إعادة انتشار جزئي في عدد من المحاور تزامناً مع استقدام الجيش التركي مزيداً من التعزيزات العسكرية إلى النقاط والقواعد المتمركزة قبالة الجبهات في منطقتي تل رفعت ومنبج شمال وشمال شرقي المحافظة.
التمهيد بالأسلحة الثقيلة
وعلى صعيد المستجدات الميدانية أيضا في جبهات “منطقة الشهباء” (تضم تل رفعت والمناطق المحيطة بها الواقعة تحت سيطرة قسد) لم تعد المدفعية التركية تقصف وحدها مواقع “قسد”، إذ باشرت الفصائل التمهيد بالأسلحة الثقيلة مستهدفة مواقع خصومها في محيط تل رفعت والشيخ عيسى وحربل وأم القرى وأم حوش ومطار منغ معتمدة على بنك أهداف رصدتها المسيرات التركية في وقت سابق، وطال قصف الفصائل أكثر من 20 موقعاً ونقطة متقدمة في قرى تنب وعقيبة وإرشادية وتاتمراش وشوارغة وعلقمية وتل عجار وأبين وصوغوناكه ومياسة وزرناعيت.
ولأول مرة وصل قصف الفصائل والجيش التركي إلى أطراف البلدات القريبة والملاصقة لكلية المشاة شمالي حلب، أهمها حاسين وفافين وحساجك وقرامل، ومعمل الإسمنت الملاصق للمنطقة الحرة شمالي مدينة حلب، وهو ما دفع قسد إلى تنفيذ عمليات انتشار طارئة عملت من خلالها على تغيير مواقع تمركزها التقليدية والتي كشفها الطيران التركي المسير، ونقلت القسم الأكبر من الذخائر والأسلحة إلى داخل البلدات الآهلة بالسكان وأخفت قسماً آخر في المخابئ والأنفاق المنتشرة بكثرة في الخط الدفاعي الثاني.
وتأتي تحركات “قسد” الأخيرة للتقليل من الخسائر التي بدت كبيرة جداً بفعل الضربات الجوية والبرية المركزة والتي طالت مواقعها خلال الأيام القليلة الماضية.
وقال جهاد جمال الناطق السياسي والإعلامي باسم “مجلس تل رفعت العسكري” لموقع تلفزيون سوريا إن “المجلس قد أنهى كل الترتيبات على الصعيدين العسكري والمدني من خلال التنسيق مع الجهات المدنية والهيئات المحلية، وعلى رأسها المجلس المحلي، ووضع مخططاً كاملاً لاحتياجات المجلس في الفترة ما بعد التحرير”.
وأضاف جمال: “بالنسبة للناحية العسكرية فيمكن القول إننا دخلنا بمرحلة استنزاف قوات العدو من خلال استهداف الخطوط الدفاعية الرئيسية لقسد، والمقار والثكنات ومستودعات الأسلحة، وقد حققت عمليات القصف المركز خلال أيام قليلة نتائج جيدة على صعيد إضعاف دفاعات العدو، ومن المفترض أن تستمر عمليات التمهيد إلى حين إعلان ساعة الصفر التي باتت قريبة وفق المؤشرات السياسية والعسكرية”.
هاجس الترحيل
يعيش السكان ونازحو عفرين في تل رفعت وقرى ريف حلب الشمالي حالة من الخوف والقلق على مصيرهم في حال انطلقت العملية العسكرية المرتقبة للجيش التركي والفصائل المعارضة، فالغالبية العظمى من قاطني المنطقة يخشون سيناريو مشابه لسيناريو منطقة عفرين في العام 2018 عندما أجبرتهم “وحدات حماية الشعب الكردية” (YPG) التي تشكل العمود الفقري لقسد على مغادرة منازلهم والنزوح عن المنطقة في أثناء انسحابها نحو تل رفعت وقرى الشهباء، لكن هذه المرة ستكون عمليات الترحيل أبعد بكثير في حال انطلقت العملية في محوري منبج وتل رفعت، أي نحو مناطق شرقي سوريا، وبالتالي سيكونون على بعد مئات الكيلو مترات عن مناطقهم ومنازلهم، وستكون العودة إلى الديار شبه مستحيلة.
وناشدت “رابطة المستقلين الكرد السوريين” مؤخراً السكان في تل رفعت وقرى الشهباء شمالي حلب البقاء في أماكنهم في أثناء دخول الفصائل عبر بيان جاء فيه: “أهلنا في تل رفعت وريفها حان موعد اللقاء بكم، تناشد رابطة المستقلين الكرد الأهل الأبرياء بعدم مغادرة منازلهم والبقاء فيها مهما كانت الظروف وكذلك الأهل من عفرين الذين أجبرهم الإرهابيون على النزوح”.
وأضاف البيان: “أهلنا النازحون حان موعد عودتكم إلى الديار والبقاء في مكانكم وعدم النزوح مرة أخرى، إن زيتونكم ومنازلكم بانتظاركم، والجيش الوطني إخوة لكم ويعملون على إنهاء الذل والمهانة التي وضعكم فيها الإرهابيون في مخيمات الذل في الشهباء ونحن حريصون على سلامتكم وعودتكم إلى دياركم بأمان”.
وتوقع رديف مصطفى، وهو نائب رئيس الرابطة في عفرين، أن تستثمر “قسد” مرة أخرى ملف النازحين كما فعلت في الماضي بعفرين ورأس العين وتل أبيض وغيرها، وستعمل الآن على ترحيل السكان ونازحي عفرين من تل رفعت وقرى الشهباء في حال انطلقت المعركة ضدها وبدأت بالانسحاب نحو مناطق شرقي سوريا.
وأضاف في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن “قسد لن تسمح للناس الذين تحاصرهم شمالي حلب بالبقاء كما فعلت سابقاً بعفرين ورأس العين بغية المتاجرة بهم في المخيمات ولتجنيد أبنائهم ليكونوا وقوداً للإرهاب المنظم الذي تمارسه”؟
وأوضح مصطفى أنه “يتوجب على الآلاف من السكان والنازحين في المنطقة الوقوف في وجه قسد وعدم تضييع الفرصة لأنها لن تتكرر، على الأقل أن يحصلوا على حق البقاء في مناطقهم بالنسبة للسكان المحليين، أما بالنسبة لنازحي عفرين فإن بقاءهم يعني بالضرورة عودتهم الآمنة إلى منازلهم بعد تحرير المنطقة مباشرة”.
قسد تجند النساء والنازحين
يبدو أن “قسد”، التي تؤكد أنها ستقاتل دفاعاً عن تل رفعت وعموم مناطق سيطرتها في المنطقة بريف حلب، باتت تستغل المخاوف في الأوساط الشعبية وتعمل على تكثيف عمليات التجنيد بين السكان وفي أوساط نازحي عفرين، وتعمل مؤخراً على تجنيد النساء وتدريبهن على حمل الأسلحة بأعداد كبيرة ليشاركوا في القتال إلى جانبها في حال اندلعت المعركة.
في 15 من حزيران وتحت عنوان “النساء في تل رفعت مستعدات للحرب”، قالت وكالة هاوار: “تطبيقاً لمفهوم حرب الشعب الثورية في إطار الحماية الجوهرية، توجهت عشرات النساء من مختلف الأعمار والمكونات إلى مركز تدريب بالتنسيق مع حركة الشبيبة الثورية، لتلقي التدريب على كيفية استخدام السلاح، بهدف الدفاع عن المنطقة ضد أي هجوم محتمل”.
ونقلت الوكالة المقربة من “قسد” آراء النساء اللواتي شاركن في التدريب “حيث أكدن استعدادهن للقتال في مقاطعة الشهباء، والمشاركة في الخطوط الأمامية مع القوات التي تدافع عن المنطقة”.
“الشبيبة الثورة” تجنّد نساء كبارا في السن
من جانبه قال مصدر محلي في بلدة فافين شمالي حلب لموقع تلفزيون سوريا إن “قسد تكثف عبر منظمة الشبيبة الثورية عمليات التجنيد بين النساء في مناطق سيطرتها بتل رفعت وقرى الشهباء مستغلة الأوضاع المأساوية التي يعيشها الناس هناك ومخاوفهم، وبالأخص نازحو عفرين الذين يسكنون في خمسة مخيمات حول تل رفعت وفي الشهباء بريف حلب الشمالي، وهي مخيمات العودة، وبرخدان، وسردم، والشهباء، وعفرين”.
وأضاف المصدر”لم تكتفِ قسد بتجنيد الأطفال القاصرين بل عينها اليوم على النساء من الفئات العمرية الكبيرة والمتوسطة لكي يقاتلوا لأجل مشروعها وضد الشعب السوري، هناك سيدات مسكينات في مخيم برخدان قرب فافين وغيره من المخيمات تم استغلالهن بسبب فقرهن، إذ قبلن بالتطوع لحساب الشبيبة الثورية مقابل مبالغ مالية زهيدة أو حصة غذائية تقدمها قسد لهن لكي يسدوا رمق عائلاتهن، يمكن القول إن قسد تطبق سياسة وتوجيهات تنظيم حزب العمال الكردستاني بحذافيرها”.
تضم المخيمات الخمسة المذكورة آنفا أكثر من 10 آلاف نازح، أكبرها هو مخيم برخدان الواقع على أطراف بلدة فافين القريبة من كلية المشاة شمالي حلب، والمخيم هدف بارز لتنظيم “الشبيبة الثورية” الذي جند خلال شهر حزيران العشرات من قاطنيه وأجبرهم على الالتحاق بالمعسكرات التدريبية، ويتوزع باقي نازحي عفرين على القرى والبلدات التي سيطرت عليها “قسد” بريف حلب الشمالي بداية العام 2016 بدعم جوي روسي، أكبرها تل رفعت التي يسكنها أكثر من 15 ألف نازح عفريني، ويتوزع الباقون على فافين وأحرص وحربل وأم القرى وأم حوش وقرامل وحساجك وكفر نايا وتل شعير والوحشية وحاسين وتل سوسين وتل قراح والأحداث غيرها.
وكان اسم “الشبيبة الثورية” قد اقترن، خلال السنوات الماضية، بالعديد من الانتهاكات بما في ذلك تجنيد الأطفال وخطفهم للزج بهم في الخدمة العسكرية إضافة إلى اتهامها بالقيام بعمليات خطف وضرب وتهديد الناشطين المناهضين لحزب الاتحاد الديمقراطي (pyd) وحرق مقار ومكاتب المجلس الوطني الكردي مرات عديدة في مناطق سيطرة قسد شمال شرقي سوريا.
يرى نائب رئيس رابطة المستقلين الكرد رديف مصطف أن “حزب العمال الكردستاني منذ بداية نشأته يقوم بتجنيد النساء واستخدامهم في القتال وهذا الأمر ينطبق على فرعه السوري أيضاً، ونازحو عفرين الذين يقيمون في تل رفعت وفي المخيمات حولها تمنعهم قسد من العودة إلى عفرين، تغلق عليهم الطرق وتمنعهم من التوجه إلى أحياء الأشرفية والشيخ مقصود بحلب، وتزرع في قلوبهم الرعب لكي يبقوا الخزان البشري الذي يمد قواتها بمزيد من المجندين والمجندات الذين تجهزهم للاشتراك معها بالقتال”.
في الغالب لن تضيف عمليات تجنيد وتدريب النساء على السلاح في تل رفعت والشهباء شمالي حلب إلى قوة “قسد” شيئاً، فهي لا ينقصها مقاتلون في حال قررت مواجهة العملية العسكرية التركية المرتقبة، ويبدو أن تدريب النسوة يندرج في إطار الدعاية والترويج من قبل “قسد” لتظهر التلاحم الشعبي المفترض، وأن المجتمع يلتف حولها ويدعمها في مناطق سيطرتها ضد العملية التركية، كما يعتبر تدريب النساء كنشاط متبع في إطار أدبيات وفلسفة “حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي” التي تتحدث عن أهمية نظام “الحماية الجوهرية” وصون المكتسبات الاجتماعية بالنسبة للمرأة.
وسبق أن سخرت “قسد” النساء شمالي حلب لتنفيذ عمليات حفر و”تدشيم” ورفع سواتر حجرية وترابية بالقرب من خطوط التماس وذلك في إطار ما تسميه “حرب الشعب الثورية”.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا